لماذا يؤلمك ذراعك في اليوم التالي لتلقي لقاح الإنفلونزا؟

3 دقائق
إنها تؤلم!

عادةً ما تكون الإبر مؤلمة، وهذا أمر منطقي، بل ومألوف لمن يتلقون لقاحات الإنفلونزا، حيث يتم وخزهم بإبرة حادة من المعدن في الذراع لتدفع بالسائل الذي تحتوي عليه إلى داخل الجسم. لكن لماذا يحدث الألم أحياناً بشكل أكبر في اليوم التالي؟ ولماذا يتم حقنها في الذراع أصلاً؟ ألا يمكن للأطباء والممرضات حقن تلك الإبر في الألية؟

أنت تواجه استجابة مناعية

هذا هو الجواب المختصر من ريتشارد زيمرمان، والذي يعمل أستاذ طب الأسرة في جامعة بيتسبرج، ومدير برنامج "بيتفاكس" PittVax الممول من قِبل مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها، والمسئول عن تقييم فعالية لقاحات الإنفلونزا. ويوضح زيمرمان بأن الألم لا يحدث في اليوم التالي بسبب عملية حقن اللقاح، بل بسبب آلية استجابة جسمك لهذا اللقاح. وفي الواقع، يجب أن تكون سعيداً لأن ذراعك تؤلمك، فهذا يعني أن اللقاح يقوم بعمله.

يعمل لقاح الإنفلونزا عن طريق تقديم المستضدات إلى جهاز المناعة، وهي عبارة عن بروتينات تسمح لخلايا الدم البيضاء بالتعرّف على الأجسام الغريبة داخل الجسم، مثل الفيروسات. ويتم تشكيل مناعة طبيعية للفيروسات بمجرد الإصابة بها، لأن جسمك يتعلم تمييزها على أنها أجسام خطرة، ولذلك إذا عادت للانتقام، يكون الجهاز المناعي على أهبة الاستعداد للمواجهة. وتستفيد اللقاحات من هذا الأمر عن طريق تقديم كميات صغيرة جداً من المستضدات بحيث تتعرف خلايا الدم البيضاء على تركيب فيروس الإنفلونزا.

ولهذا السبب يكون اللقاح أقل فعالية بكثير إذا كان اللقاح السنوي لا يتطابق بشكل جيد مع فيروس الإنفلونزا الفعلي، حيث يكون قد تم تشكيل مناعة للسلالة الخاطئة.

عندما تحصل على لقاح الإنفلونزا، تتجمع تلك المستضدات داخل عضلات الذراع. ثم يتعرف الجهاز المناعي على الفيروس المعطل على أنه عنصر غريب، ويبدأ بشن الهجوم عليه. وتلتقط بعض الخلايا المناعية المستضدات وتأخذها إلى أجزاء أخرى من الجسم، بينما ترسل خلايا أخرى طلباً للمزيد من المساعدة، ويسبب هذا كله ردة فعل التهابية، فالجسم يهاجم لمحاولة إنقاذ نفسه.

هذا الالتهاب هو ما يسبب لك الألم، ويقول زيمرمان بأن حوالي شخص واحد فقط من كل خمسة أشخاص تحدث لديهم هذه الاستجابة الموضعية، على الرغم من أن هذا العدد يختلف حسب اللقاح. وهذا لا يعني أن الأشخاص الأربعة الآخرين لم يكتسبوا مناعة اللقاح، لكنهم لا يعانون من الألم الناتج عن الالتهاب.

إذاً، لماذا تؤلم بعض اللقاحات أكثر من غيرها؟

لا توجد إجابة أكيدة بنسبة مئة في المئة لهذا السؤال، لكننا سنحاول شرح الأمر بالتفصيل. بغضّ النظر عن الاختلاف التقليدي في الاستجابات المناعية ودرجة تحمّل الألم من شخص لآخر، يبدو أن لكل لقاح رد فعل مختلف. ويوضح زيمرمان أن بعض البروتينات البسيطة جداً كالتهاب الكبد الوبائي (ب)، لا تسبب استجابة التهابية كبيرة، على عكس البعض الآخر مثل لقاح جدري الماء.

كما أن هناك أيضاً المواد المساعدة، والتي تضاف لبعض اللقاحات، فتحفز الجهاز المناعي لإحداث استجابة أكبر. وبصفة عامة، كلما كانت الاستجابة أكبر كلما كانت المناعة أفضل. ولا تحتوي كافة اللقاحات على مواد مساعدة لأن بعض الفيروسات - حتى الضعيفة أو المعطلة – تُحدث استجابة قوية بما فيه الكفاية من تلقاء نفسها.

ولا تحتوي لقاحات الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية (MMR) على أي مواد مساعدة، وكذلك الأمر مع لقاحات جدري الماء وشلل الأطفال والفيروسات العجلية. وحتى بعض لقاحات الإنفلونزا تأتي بدون مواد مساعدة. لكن بالنسبة لتلك الفيروسات التي تحتاج إلى دعم، فيمكن لهذه المواد المضافة أن تساعد حقاً في إحداث الأثر المطلوب، وهذا يعني أنها يمكن أن تسبب لك الشعور بالمزيد من الألم.

لماذا يتم الحقن في الذراع وليس في الألية؟

إذا كنت من جيل الشباب (أو أصغر)، فربما لا تتذكر الحصول على اللقاحات في منطقة الألية، وهو عكس ما كان يحدث في الماضي، فقد كان الأطباء يقومون بوخز الناس في الألية لوجود العضلة الألوية الكبيرة، لكن لم تعد اللقاحات تعطى في هذه المنطقة بسبب ثلاثة أمور رئيسية.

الأمر الأول هو  الملاءمة، فكثير من الناس يحصلون على لقاحات الإنفلونزا في أماكن يمكن أن نصفها بالمفتوحة أو العامة، سواء كانت حجرة الممرضات في عيادة الطبيب أو في ركن الانتظار في الصيدلية. ويتطلب إنزال السروال مكاناً أكثر خصوصية، لكن تلقي اللقاح في الذراع لا يحتاج لأكثر من تشمير الأكمام وهو ما يجعل الأمر أيسر.

الأمر الثاني هو أن منطقة الألية تحتوي علي نسبة كبيرة من الدهون، ولا تعمل معظم اللقاحات تقريباً – بما فيها الإنفلونزا – بشكل جيد عندما تحقن في الأنسجة الدهنية. إذ يستجيب الجهاز المناعي بشكل مختلف للمستضدات التي يتم تقديمها إلى العضلات بدلاً من تحت الجلد فقط. ولذلك، إذا تم تصميم اللقاح للحقن في العضلات، فإنه يحتاج فعلاً للوصول إلى هناك. ربما لا تكون المناعة المكتسبة كبيرة إذا وصلت المستضدات إلى الدهون الموجودة في الألية، على الرغم من أن بعض اللقاحات (مثل اللقاح الثلاثي MMR وجدري الماء) يكون أداؤها أفضل في الأنسجة الدهنية، حيث تذهب تلك اللقاحات إلى الوسادة الدهنية التي تغطي العضلة ثلاثية الرؤوس.

ثم هناك المشكلة الثالثة وهي العصب الوركي، فعندما يتعلق الأمر بوخز الحقن في الألية، يتهيج هذا العصب الكبير الذي يمتد عبر الظهر والأرداف، ويسبب في بعض الأحيان ألماً منهكاً يعرف باسم عرق النسا. فإذا تم حقن إبرة في إلية المريض، يكون هناك خطر الاصطدام بالعصب الوركي عن طريق الخطأ.

من ناحية أخرى، لا تحتوي العضلة الدالية في الذراع على أي أعصاب رئيسية ليقوم الأطباء بالاصطدام بها، كذلك تعتبر منطقة الفخذ مناسبة لتلقي اللقاح لنفس السبب، كما يقول زيمرمان. طالما أن الحقن يتم خارج المنطقة الأربية (أصل الفخذ)، فلا يوجد ضرر.

لذلك عندما تحصل على لقاح الإنفلونزا – مع التأكيد على ضرورة أخذ هذا اللقاح – تذكر أن ألم اليوم التالي ليس سيئاً لهذا الحد مقارنة بآلام أسفل الظهر الناجمة عن أخذ اللقاح بالطريقة القديمة.

المحتوى محمي