من شأن وجود علامة "موافق عليه من قبل هيئة الغذاء والدواء الأميركية" على منتج ما، أن تمنحه هالة من الموثوقية. لأن ذلك يعني بأن المُنتج آمن، وفعال، ونتائج استخدامه مُثبتة علمياً، على الأقل من الناحية التجريبية. ولكي تمنح هيئة الغذاء والدواء الأميركية موافقتها على استخدام منتج ما، ينبغي أن يجتاز سلسلة من التجارب العلمية والإجراءات الصارمة بهدف التحقق من فعاليته. وبالتالي، من غير الممكن لمنتج ما أن يجتاز جميع تلك المراحل الصعبة دون أن يتمتع بحد أدنى من الفعالية. ولكن الأمر قد يختلط على بعض الناس. فعلى سبيل المثال، إذا أرادت شركة ما أن تسوّق لـ "سوار معصم ذي شوارد سلبية الشحنة" غير مبرهن على فعالية بشكل علمي، على أنه يقي من الحقول الكهرومغناطيسية "الضارة" (والتي هي في الحقيقة غير ضارة)، فقد تتمكن تلك الشركة من الحصول على تسجيل للمنتج ضمن هيئة الغذاء والدواء الأميركية، وإتاحة استخدامه في الأسواق.
ولنأخذ على سبيل المثال مُنتجاً تجارياً يحمل اسم "سوار نوبروبلِم لتوازن الشوارد". فعلى الرغم من أن اسمه قد يبدو مجرد صفٍ من الكلمات المضحكة التي لا معنى لها، إلا أنها قد لا تكون كذلك بالنسبة للزبائن الذين يشترونه. فهم يعتقدون بأن هذه الحلقة البسيطة المصنوعة من السيليكون والتورمالين سوف تجعلهم يشعرون بتحسن في مزاجهم وصحتهم العامة. إن الأمر أشبه بتناول مصل مضاد لأفعى لم تلدغك أصلاً، فأياً كان تركيب المصل فسيكون تأثيره عليك واحد، لأنك لا تعاني أصلاً من أية مشكلة.
أما المروّجون لهذا السوار فيقولون في إعلاناتهم: "هل تشعر بالتعب؟ هل تعاني من مشاكل في التركيز؟ لا تقلق، فهذه ليست أعراض العيش في القرن الحادي والعشرين، وإنما هي أعراض التسمم بالحقول الكهرومغناطيسية، وها هو الحل بين يديك! ما عليك سوى ارتداء هذا السوار في معصمك وستتحسن حالتك. وتذكر.. إنه موافق عليه من هيئة الغذاء والدواء الأمريكية!".
ولإثبات صحة ادعائهم، فقد يقوم مُنتجو ذلك السوار بعرض رقم تسجيله في هيئة الغذاء والدواء الأميركية، وأنه مُدرج تحت تصنيف الأجهزة الطبية من النمط الأول. وقد تنطلي الحيلة عليك، لأن منتجهم مسجل بالفعل ضمن هيئة الغذاء والدواء الأميركية تحت تصنيف الأجهزة الطبية من النمط الأول، ولكن هل يعني ذلك بأنهم حازوا على "موافقة هيئة الغذاء والدواء الأميركية" لاستخدامه؟ في الحقيقة لا.
قد تتساهل هيئة الغذاء والدواء في السماح باستخدام بعض الأجهزة، وتنجز إجراءات تسجيلها بسرعة
خلافاً للأدوية أو معظم الأجهزة الطبية، فإن الأجهزة الطبية المُصنّفة على أنها من النمط الأول لا ينبغي عليها اجتياز مرحلة "إثبات الفعالية بالدليل العلمي". فعلى سبيل المثال، إذا أرادت شركة طبية تسويق صمام قلبي صناعي، فلا بد أولاً من تقديم الدليل العلمي بأن هذا الصمام يمكن أن يحل مكان الصمام القلبي الطبيعي. أما إذا أرادت الشركة نفسها تسويق عصا خشبية لكي تُساعد المرضى من كبار السن على المشي بعد إجراء عملية قلبية، فلا حاجة لإثبات أن هذه العصا يمكنها مساعدة المرضى. ويبدو ذلك منطقياً، فقد يكون من المضحك إجراء تجربة سريرية لتحري فعالية عصا خشبية ذات مقبض بلاستيكي لا تبدو بأنها ضارة بأية حال، وهو مثالٌ على ما يُطلق عليه اسم "الأجهزة الطبية من النمط الأول".
تُعد الأجهزة الطبية من النمط الأول قليلة الخطورة، بحيث أنها لا تتطلب قواعد وتنظيمات متخصصة لإنتاجها أو تسويقها. فعلى سبيل المثال، لا حاجة لأن تكون الخيوط السنية موافق عليها من قبل هيئة الغذاء والدواء الأميركية، ولكن ينبغي أن تكون مسجلة ضمن الهيئة بهدف ضبط تجارة المواد السنية ومعرفة ما يجري تداوله في الأسواق. وفي الوقت ذاته، فقد لا يتكلف المستهلكون عناء البحث عن خيوط سنية مسجلة ضمن هيئة الغذاء والدواء، لأن مخاطرها محدودة للغاية، وفي أسوأ الأحوال قد تُسبب نزفاً في اللثة، وهو ما يحدث مع جميع أنواع الخيوط السنية بطبيعة الحال.
وهكذا، يدعي مُصنعو سوار "نوبروبلم" بأن منتجهم "موافق عليه من قبل هيئة الغذاء والدواء الأميركية"، لأنه مسجل تحت تصنيف الأجهزة الطبية من النمط الأول. فهو لن يُلحق الأذى بمستخدميه، ما ينفي أي مبررٍ لمنع ترخيصه من قبل هيئة الغذاء والدواء الأميركية. والذي حصل، أن الشركة المُصنعة لهذا السوار (واسمها نيو جينيس ليمتد) طلبت ترخيص أداة تدعي بأنها تُنتج شوارد سالبة، ومن ثم تسجيلها تحت تصنيف الأجهزة الطبية من النمط الأول، لأنه يمكن استخدامها كمُلحق يستخدم مع الأطراف الصناعية. وقد وافقت هيئة الغذاء والدواء الأميركية على الطلب على الرغم من أن هذا السوار ليس من ملحقات الطرف الصناعي، فضلاً عن أنه من الممكن ارتداؤه من قبل أي شخص سواءً كان يتمتع بأطراف سليمة أو يستخدم أطرافاً صناعية.
في الحقيقة، فإن هيئة الغذاء والدواء لا تكترث ما إذا كانت ادعاءات الشركة المنتجة للجهاز الطبي من النمط الأول صحيحة أم لا، وإنما تتحرى فقط ما إذا كان يُلحق ضرراً بمستخدميه. ولذلك نرى أن شركة نيو جينيس ليمتد تطلق ادعاءاتها على هواها دون حسيبٍ أو رقيب، فتقول بأن "الشوارد الموجبة التي تنجم عن الهواتف الخلوية والتقنيات اللاسلكية والأجهزة الكهربائية يجري امتصاصها في الجسم بشكل يومي، مما يُسبب ضرراً بالغاً على المستوى الخلوي، وتؤثر في التوازن الطبيعي للجسم وتؤدي إلى التعب وضعف التركيز والإرهاق العضلي". وهم يراهنون على أن المستهلكين لن يتحرّوا صحة تلك المعلومات، ما يعني بأنهم يروجون لمنتجهم باستخدام خزعبلات فارغة. وفي الوقت ذاته يدعون أن منتجهم حاز على موافقة واحدة من أعلى السلطات العلمية في البلاد.
إننا بحاجة للشوارد الموجبة، ولسنا بحاجة لارتداء تلك الأساور
في الحقيقة فإننا نعتمد على الشوارد الموجبة كي نبقى على قيد الحياة. فالكالسيوم والصوديوم من الأمثلة الهامة جداً على دور الشوارد في الجسم، إذ إنها تلعب دوراً حاسماً في تواصل الخلايا العصبية مع بعضها البعض. ولا بد من تواجد كلا العنصرين بشكل شوارد لكي يتمكنا من الحركة بحرية بين الخلايا. من جهةٍ أخرى، فإن المصدر المُفترض لهذه الشوارد (الحقول الكهرومغناطيسية) لا يشكل ضرراً على الإنسان. إذ تتوفر أعدادٌ لا تُحصى من الدراسات التي تثبت بأن الهواتف الخلوية وخطوط الكهرباء لا تُسبب السرطان أو الإرهاق أو أية مشاكل صحية أخرى. فلو كانت كذلك، لشاهدنا زيادةً كبيرةً في أعداد الإصابات بين العاملين في مجال التمديدات الكهربائية، ولكن ذلك ما لا يحصل.
في الحقيقة، فإن الشركة المُنتجة لسوار المعصم المذكور تمارس التضليل. فمُنتجها ليس "مُوافقاً عليه" من قبل هيئة الغذاء والدواء الأميركية، وإنما "مُسجلٌ" ضمن تلك الهيئة. وإن المشكلة الأساسية لا تكمن في كونه موافقاً عليه أو مسجلاً، وإنما في وجود ثغرات قانونية تسمح لمنتجات تعتمد على العلوم الزائفة بأن تحصل على تصريح بأنها أجهزة طبية، وذلك لمجرد أنها غير مضرة. إن ذلك ينتج عنه خداع الناس، ويدفعهم لإنفاق أموالهم على علاجات مزيفة لمشاكل غير موجودة أصلاً.
والخلاصة هي أن مجرد وجود علامة تسجيل مُنتج ما ضمن هيئة الغذاء والدواء الأميركية ليس كافياً، ولا بد من تحري المنتج وخصائصه بشكل دقيق لمعرفة ما إذا كان فعالاً أم لا، لأن هيئة الغذاء والدواء التي قامت بتسجيل ذلك المنتج، لم تقم بذلك بكل بساطة.