الصيام شائع في ثقافات وديانات عديدة، قد يصوم البعض لأسباب دينية أو أسباب صحية، لكن يبقى الصيام أحد أشهر الأشياء المشتركة بين الحضارات المختلفة. ترى ما الذي يحدث داخل الجسم عندما نصوم؟ تعالوا معنا في رحلة داخل الجسم.
عندما نتناول الطعام، يفرز البنكرياس هرمون الإنسولين، الذي يسمح باستهلاك الجلوكوز في أنسجة الجسم، مثل الدماغ والعضلات، ويخزن الفائض من الجلوكوز على هيئة جليكوجين في الكبد.
أما في الصيام فتعد الأيام الأولى هي الأصعب، حيث يبدأ ألم الجوع في التزايد ومستويات الطاقة في التراجع، ما قد يسبب تعكر المزاج وسرعة الانفعال لدى بعض الصائمين. لذا الصبر هو سلاح هذه المرحلة.
كما يحتاج الجسم خلال الصيام للجلوكوز من أجل الطاقة، حيث تبدأ مستويات الإنسولين في الانخفاض، لذلك تبدأ عملية تكسير الجليكوجين المخزن في الكبد إلى جلوكوز، وتستَهلك الدهون الموجودة في الدم، وهي عملية تعزز صحة القلب وتحسن مستويات الكوليسترول. وقد تشعر بضعف الطاقة، حيث ينخفض معدل ضربات القلب وضغط الدم. لكن لا تقلق فلن يستمر هذا الشعور كثيراً.
سيكفيك مخزون الجليكوجين نحو 24 ساعة، بعدها يبدأ الكبد في تصنيع الجلوكوز الجديد من الأحماض الأمينية.
قد تلاحظ تغيراً في مظهرك الخارجي حيث تفقد بعض الوزن من الماء نتيجة تحويل الجليكوجين إلى جلوكوز، وربما لاحظت اختلافاً في شعورك بحلول اليوم الثالث من الصيام، حيث يقل الإحساس بالجوع نظراً لانخفاض إفراز هرمون الجريلين المسئول عن الشعور بالجوع، ويزداد النشاط.
وبعد عدة أيام من الصيام، يصبح مخزون الجلوكوز محدوداً، ويحفز انخفاض مستوى الإنسولين في الدم عملية تحلل الدهون للحصول على طاقة؛ فيدخل الجسم في مرحلة «الكيتوزية»، وفيها يجبر الجسم على البحث عن مصادر أخرى للجلوكوز، فيبدأ بحرق الدهون المخزنة كمصدر للطاقة.
تخزن الدهون على هيئة دهون ثلاثية، وعند تكسيرها للحصول على الطاقة يُنتج الجليسرول وثلاث سلاسل من الأحماض الدهنية. يستخدم الجليسرول في عملية تخليق الجلوكوز، ويتم استهلاك الأحماض الدهنية مباشرة بواسطة أنسجة الجسم ولكن ليس الدماغ.
فعندما تتكسر الأحماض الدهنية تنتج أجسام تدعى أجسام الكيتون، ويحصل الدماغ عن طريقها على الطاقة التي يحتاج إليها.
يتخلص الجسم من السموم في المرحلة الكيتوزية بطريقة آمنة حيث يستخدم الجسم الدهون كمخازن للسموم كي لا تتمكن من إحداث ضرر لأنظمة الجسم. وقد تلاحظ في هذه المرحلة تغيرات على بشرتك بجانب تحسن المزاج بشكلٍ كبير. وربما تلاحظ تغير رائحة أنفاسك لما يشبه الأسيتون، ففي مرحلة الكيتوزية يطلق الجسم أجسام الكيتون وهي ناتج ثانوي من تفاعلات حرق الدهون.
يزداد إفراز هرمون النمو كي يحافظ على كتلة العضلات والأنسجة والعظام، ويزيد من توافر الدهون للحصول على الطاقة، ويحصل الجسم على طاقته من خلال الأحماض الدهنية وأجسام الكيتون، ويزداد معدل إفراز هرمون الأدرينالين؛ كي يمنع انخفاض معدل التمثيل الغذائي.
وبعد مرور عدة أيام إضافية، يدخل الجسم في «وضع الشفاء»، وفيه ينظف الجسم نفسه من السموم والشوارد الحرة، وتشعر في هذه المرحلة بتحسن المزاج وتوقد الذهن وتزايد مستوى الطاقة. وسيظل جسدك يطرد السموم في كل مرة تذهب فيها إلى دورة المياه، وستلاحظ تغير رائحة أنفاسك.
ومع تكرار الصيام، تزداد الحساسية للإنسولين بشكل كبير، وهو أمر جيد؛ فمقاومة الإنسولين تعني أن مستوياته تبقى مرتفعة، والإنسولين المرتفع يؤدي إلى حبس الماء والملح في الجسم، لذا فالصيام وسيلة فعالة لتقليل مقاومة الإنسولين؛ فمع الصيام ينخفض الإنسولين ما يعني التخلص من الماء والملح الزائدين بالجسم.
وأخيراً، يمكن أن يكون الصيام فرصة لبدء نظام غذائي صحي، فهو يعيد ضبط الروح والجسد والذهن، كما نتعلم من خلاله أن نقدر متعة الأشياء الصغيرة مثل كوب الماء البارد. لذا تهيأ جيداً لهذه الرحلة.