في عام 1980، صاغ طبيب أطفال بارز يُدعى «بارتون شميت» مصطلح «رهاب الحمّى» لوصف الرغبة المُلحّة لدى العديد من الآباء والأمهات في القضاء على الحمّى لدى أطفاله، وبعد مرور 3 عقود تقريباً على ظهور المصطلح، ما زالت تلك الرغبة موجودة، بل وقد تزيد.
ومؤخراً، ومع انتشار مرض كوفيد-19 الذي يسببه فيروس كورونا المستجد، فقد زاد القلق حول سبب ارتفاع درجة حرارة الجسم -لأنها أحد أعراض فيروس كورونا - خاصة لدى الأطفال. فالبعض يعتقد أن نسبة كبيرة من ارتفاع درجة الحرارة ليس له سبب آخر سوى مرض كوفيد-19، بسبب حالة القلق العامة، لكن ارتفاع درجة حرارة الجسم (الحمى) تشير إلى أن الجسم يقاوم نوع ما من العدوى مثل؛ نزلات البرد البسيطة، أو الأنفلونزا أو التهاب في الأذن. وهي ليس مرض في حد ذاتها، بل يعتبرها الأطباء عرضاً للكثير من الأمراض. لذا يجب تتبع المرض في المقام الأول، ومعالجة الأعراض الأخرى المصاحبة للحمى.
لماذا ترتفع درجات الحرارة عند الإصابة بأي مرض؟
عادة ما يكون ارتفاع درجات الحرارة عرضاً لمرض ما، أو عند الإصابة بعدوى منتشرة بين البشر. أما درجة حرارة جسدك في الحالة العادية/ الجيدة تكون 37 درجة مئوية، وارتفاعها عن المستوى العادي يعني الإصابة بمشكلة ما.
عند ارتفاع درجة حرارة الجسم بسبب العدوى، فإنها تُسمى «حُمى»، وتنتج عن مواد كيميائية تُدعى «البيروجينات» التي تتدفق في مجرى الدم، وتشق طريقها إلى منطقة ما في الدماغ تُدعى تحت المهاد «الهيبوثلاموس» المسؤولة عن تنظيم درجات حرارة الجسم «ترموستات الجسم». عندما ترتبط البيروجينات بمستقبلات معينة في منطقة ما تحت المهاد، ترتفع درجة حرارة الجسم.
تبدأ عملية المقاومة عندما تبدأ خلايا الدم البيضاء المسماه بالبلاعم إنتاج بيروجيناً شهيراً يُدعى إنترلوكين «1L-1» عند ملامسة بعض أنواع البكتيريا والفيروسات، حيث يرسل خلايا الدم البيضاء المسماة بالخلايا التائية «تي-سِل» -التي تلعب دوراً أساسياً في تعزيز المناعة الخلوية-، إلى العمل.
يتم ذلك بمساعدة الجهاز العصبي الودي الذي يضيق الأوعية الدموية للجسم «الأوعية المحيطية»، مما يقلل من فقدان الحرارة عن طريق الجلد. لهذا السبب نشعر بالبرد أثناء الإصابة بالحمّى، ويبدأ الجسم في الارتعاش، وهذا يولد المزيد من الحرارة.
متى تكون الحمى جيدة ومتى تكون سيئة؟
لا يكون ارتفاع درجات الحرارة علامة سيئة في جميع الأحوال، فارتفاع درجة الحرارة الطفيف مؤشر جيد على أن الجهاز المناعي يقوم بعمله على أكمل وجه. وارتفاع درجة حرارة الجسم ليس مجرد رد فعل لجهازنا المناعي فقط، بل يؤدي ارتفاع درجة حرارة الجسم إلى إنشاء آليات خلوية تضمن للجهاز المناعي اتخاذ الإجراءات المناسبة ضد الفيروس، أو البكتيريا المخالفة.
أكد على ذلك «ديفيد راند» و«مايك وايت»، الباحثان الكبار في جامعتي وارويك ومانشستر في بريطانيا، حيث كشفت نتائجهم التي نُشرت في منصة الأكاديمية الوطنية الأميركية للعلوم، أن ارتفاع درجات حرارة الجسم يدفع نشاط بعض البروتينات، والتي بدورها تعمل على تعزيز عمل الجينات المسؤولة عن الاستجابة المناعية للجسم أو تثبيطها، كما هو مطلوب.
كيف تواجه ارتفاع درجة حرارة طفلك؟
من الأفضل التوجه إلى أقرب مشفى أو طبيب إذا تجاوزت درجة الحرارة 38 درجة مئوية، لكن هناك بعض الاحتياطات التي يجب الانتباه إليها. تشمل هذه الاحتياطات: إمداد الطفل بالسوائل، التحقق من درجات الحرارة كل فترة،إعطاء الطفل فترة راحة كافية بعيداً عن الخروج أو اللعب، واستخدام الأدوية التي ينصح بها الأطباء. كما يُنصح باستخدام الحزم الباردة «الكمادات» على الرأس (الجبهة)، الإبطين، والقدمين، فهي تبرد الجسم وتقلل من درجة الحرارة.
ختاماً، يرى جمهور الأطباء أن ارتفاع درجة حرارة الجسم مؤشر جيد لقيام الجهاز المناعي بوظيفته، دون إصابته بأي خلل. لذا عند ارتفاع درجة حرارة الجسم مرة أخرى، ابحث عن المسبب الرئيسي لارتفاعها لأنها عرض من أعراض مرض ما.