لا تعتبر مشروبات الطاقة "غذاءً" من الناحية الفنية، ولا نقول ذلك بهدف التخلّص منها، بل إنها مجرد حقيقة مهمة.
تقوم إدارة الغذاء والدواء الأميركية بتنظيم جميع المنتجات المصنَّفة على أنها غذاء لضمان أنها آمنة للاستهلاك البشري، فالقهوة والمشروبات الغازية مثلاً لا يُسمح بأن تحتوي على نسبة مرتفعة جداً من الكافيين خشية أن تُحدِث مشاكل في القلب، ولكن مشروبات الطاقة تصنَّف على أنها مكمِّلات، مما يعني أنها غير خاضعة للتنظيم، وللشركات المصنَّعة مطلق الحرية في وضع الكافيين داخل علبة بالكمية التي تريد، بل حتى يمكنها خلط الكافيين مع المنشطات الأخرى بطريقة قد تُحدِث مشاكل في الجهاز القلبي الوعائي أو العصبي.
ولهذا السبب يحاول الأطباء دراسة الآثار الصحية المحتملة لهذه المشروبات التي تحتوي على الكافيين، وتتصدَّر العناوين دراسة جديدة أظهرت أن مشروباً واحداً يمكنه أن يقلِّل من وظيفة الأوعية الدموية، ولكن مثل هذه النتائج تتراكم منذ سنوات وحتى الآن، وقد تم عرض النتائج الأخيرة في الاجتماع السنوي للجمعية الأميركية للقلب. وفي عام 2015، قدّم باحثو مايو كلينيك دراسة في مجلة إيه إتش إيه سيانتفيك سيشنز (AHA’s Scientific Sessions) أظهرت أن المشروب الواحد يرفع ضغط الدم ومستويات الكورتيزول (مقياس للتوتر) لدى الشخص الذي شربه.
ويأتي الكثير من القلق حول هذه المشروبات من احتوائها على المنشطات بتركيز مرتفع، حيث من الممكن تماماً تناول جرعة مفرطة من الكافيين وحده (على الرغم من أن الأمر يتطلّب من 5 إلى 10 غرامات منه، التي قد لا توجد سوى في كمية كبيرة من القهوة بحيث لا يمكن للمعدة تحمُّلها)، ولكن عندما يقترن مع الغوارانا -وهو منبِّه آخر- فإن الكميات الصغيرة قد تكون لها تأثيرات شديدة.
وقد يرجع ذلك إلى الأساسيات على الأرجح؛ إذ نشرت منظمة الصحة العالمية تحليلاً شمولياً لدراسات مشروبات الطاقة، تمت الإشارة فيه إلى أن "المخاطر الصحية المرتبطة باستهلاك مشروبات الطاقة ترتبط بشكل رئيسي بمحتواها من الكافيين"، فالإفراط في تناول الكافيين لا يؤدي بالضرورة إلى الوفاة، ولكنه يمكن أن يسبّب خفقان القلب والغثيان والقيء والتشنّجات والحماض الاستقلابي وارتفاع ضغط الدم، ويمكن أن يؤدي إلى الموت. كما تشير دراسة منظمة الصحة العالمية إلى أن البالغين الذين يستهلكون مشروبات الطاقة قد يزيدون من خطر إصابتهم بارتفاع ضغط الدم والنوع الثاني من مرض السكري (لأن الكافيين يقلل من حساسية الأنسولين).
وقد تتساءل الآن عن سبب أننا لا نشهد ارتباط كافة هذه المخاطر مع شرب القهوة، فبالتأكيد يمكن لمشروبات القهوة -اعتماداً على نوعها- أن تحتوي على الكافيين بكمية مماثلة لبعض مشروبات الطاقة، على الرغم من أن بعض مشروبات الطاقة تحتوي على أضعاف كمية الكافيين الموجودة في فنجان القهوة. (للتوضيح، يحتوي كوب القهوة الذي سعته 236 ملليلتراً على 100 ملغ من الكافيين، وتحتوي علبة مشروب الطاقة مونستر على 92 ملغ، ويبلغ محتوى ريد بول وروك ستار من الكافيين بثمانينيات المليغرامات. ولكن علبة مونستر إكس-بريسو تحتوي على 221 ملغ وفقاً لمؤسسة كونسومر ريبورتس، وتحتوي علبة روك ستار إنيرجي شوت على 229 ملغ، وأخيراً تحتوي العلبة الواحدة من ريدلاين إنيرجي على 316 ملغ من الكافيين).
لكن منظمة الصحة العالمية تشير إلى أن المشكلة تتعلق بشكل أكبر بسرعة شرب هذه المشروبات، حيث تقول: "على الرغم من أن بعض أنواع القهوة يمكن أن تحتوي على مستويات كافيين مماثلة لتلك الموجودة في مشروبات الطاقة، إلا أن القهوة عادةً ما يتم شربها ساخنة، وبالتالي بشكل أكثر بطئاً".
ومن المرجّح أنك لا تشرب قهوتك الصباحية بسرعة، حتى لو كانت من النوع المثلج، ولكنك قد تشرب مشروب الطاقة المثلج في دقائق، ويمكن لهذا الارتفاع المفاجئ للكافيين أن يؤدي إلى نوبة قلبية، حتى لو كانت الجرعة الإجمالية بنفس قوة كوب القهوة الباردة. (وبالطبع إذا كنت معتاداً على شرب القهوة الباردة بشكل سريع أو شرب العديد من أكواب القهوة مضاعفة التركيز كل صباح، فإن نفس المخاطر موجودة بالتأكيد).
وفي بعض الدول لا يتم تتبُّع الحالات السلبية المرتبطة بمشروبات الطاقة على وجه التحديد، حيث يتم تصنيفها جميعاً تحت الحالات المرتبطة بالكافيين، ولكن هناك دول تفعل ذلك؛ ففي ألمانيا مثلاً يشير نظام التتبّع إلى أنه منذ عام 2002 أدَّت مشروبات الطاقة إلى حدوث "تلف الكبد والفشل الكلوي واضطرابات الجهاز التنفسي والهياج والنوبات وحالات الذهان وانحلال الربيدات وتسرُّع القلب واضطراب نظم القلب وارتفاع ضغط الدم وفشل القلب والموت". كما وجدت كل من إيرلندا ونيوزيلندا حوالي 15-20 من المضاعفات الخطيرة الناجمة عن استهلاك مشروبات الطاقة على مدى فترة تتراوح من 4 إلى 6 سنوات لكل منهما (إيرلندا من 1999 إلى 2005، ونيوزيلندا من 2005 إلى 2009).
ولهذه الأسباب حاولت العديد من البلدان التخلُّص من مشروبات الطاقة تماماً، لدرجة أن فرنسا نجحت في حظرها، ولكن الشركات تقدمت بطلب إلى المفوضية الأوروبية بحجَّة أنه لا يوجد دليل على أن مشروباتها كانت غير آمنة بشكل فعلي، وتم إلغاء الحظر بعد فترة وجيزة. كما نجحت بعض الولايات الألمانية في حظر ريد بول كولا بعد أن وجدت دراسة أجريت عام 2008 كميات صغيرة من الكوكايين في المشروب، وادَّعت شركة ريد بول أنه قد تمت إزالة كل الكوكايين الفعَّال من نبات الكوكا المستخدم في مشروباتها، ولكن الحظر الألماني ظلّ قائماً. وتمتلك أستراليا والدنمارك وأوروجواي وتركيا شكلاً من أشكال الحظر على المشروبات الغنية بالكافيين.
ولكن في بعض البلدان مثل الولايات المتحدة، يتم بيع مشروبات الطاقة في كل مكان، ويتم تسويقها بنشاط للأطفال والمراهقين، وقد أشار تقرير حول الآثار الصحية نُشر في عام 2011 في مجلة بيدياتريكس (Pediatrics) أن الشباب قد يكونون أكثر قابلية للتأثر بشكل خاص؛ وذلك لأن مستويات الاستهلاك الآمنة لم يتم تحديدها، وقد يكونون يعانون من مشاكل قلبية أو استقلابية لم يتم الكشف عنها، ويمكن لمشروبات الطاقة أن تفاقمها، ناهيك عن حقيقة أنها تحتوي على كمية كبيرة من السكر.
وعلى الرغم من توصية منظمة الصحة العالمية بأن يكون محتوى الكافيين محدوداً في كل مشروب، إلا أن مشروبات الطاقة في الولايات المتحدة لا تزال غير خاضعة للتنظيم أبداً، وستبقى كذلك ما لم يتم إعادة تصنيفها على أنها غذاء. وفي هذه الأثناء يجب عليك على الأرجح أن تتوقف عن شربها؛ فقد لا تكون خطيرة بالكميات الصغيرة، ولكن لا يوجد شيء صحي فيها. اشرب القهوة أو الشاي بدلاً منها، فكلاهما ينبِّهك في الصباح، كما أن شرب جرعة مفرطة منهما أصعب بكثير. أو يمكنك المضي قدماً والعمل على التخلُّص من عادتك التي تتضمَّن الكافيين إلى الأبد.