ما هو داء الكريات المنجلية؟

4 دقائق
كريات دم حمراء شاذة شكلياً، وهو الشكل النمطي لكريات الدم الحمراء عند المرضى المصابين بداء الكريات المنجلية.

تُوفي منذ بضعة أيام مُغني الراب الشهير ألبيرت جونسون، والمعروف باسمه الفني "بروديجي"، وذلك عن عمرٍ يناهز 42 عاماً جراء اختلاطات إصابته بداء الكريات المنجلية، وهي حالة وراثية كان قد عانى منها منذ ولادته.

على الرغم من أن العلاجات الدوائية المتوفرة حالياً لداء الكريات المنجلية قد تُساعد المرضى بشكل جزئي، إلا أنها لا تشفيهم من المرض بشكل نهائي. وعلى الرغم من الرعاية الصحية المكثفة التي يتلقاها هؤلاء المرضى في الولايات المتحدة الأميركية والتي ساعدت على زيادة المعدل الوسطي لأعمارهم، إلا أن جودة حياتهم تبقى منخفضة مع الكثير من الألم والإرهاق الشديد وزيادة معدلات العدوى.

تُشير الإحصائيات إلى أن داء الكريات المنجلية يُصيب ملايين الأشخاص حول العالم، مع وجود 100 ألف مصاب في الولايات المتحدة الأميركية وحدها. وفي حين بلغ متوسط أعمار المصابين بداء الكريات المنجلية حوالي 14 عاماً في سبعينيات القرن الماضي، فإن المعدل الوسطي لأعمارهم ارتفع إلى 40 أو 50 سنة في أيامنا هذه.

ما هو سبب الإصابة بداء الكريات المنجلية؟

يُشير مصطلح "داء الكريات المنجلية" إلى مجموعة من أمراض الدم الوراثية التي تُؤثر في شكل الهيموغلوبين عند الشخص المصاب. والهيموغلوبين هو بروتين يوجد في كريات الدم الحمراء يقوم بحمل وإيصال الأوكسجين إلى أنحاء الجسم.

من الناحية الجينية، فإن المرض هو اضطراب صبغيٌ متنحٍ. ولكي يُصاب الشخص بهذا المرض لا بد أن يرث صبغيّين شاذين للهيموغلوبين من أمه وأبيه. يُدعى الصبغي الشاذ باسم هيلموغلوبين إس. هناك عدة أنواع من الجينة المعيبة تختلف بشكل طفيف فيما بينها. ولكي يُصاب الشخص بداء الكريات المنجلية ينبغي أن يكون أحد الصبغيين من النوع هيموغلوبين إس. أما إذا كان كلا الصبغيين من النوع هيموغلوبين إس فيُطلق على المرض في هذه الحالة فقر الدم المنجلي، وهو الاضطراب الأكثر شيوعاً بين مجموعة اضطرابات كريات الدم المنجلية.

يُعد هذا المرض منهكاً بدرجة كبيرة، لأن الهيموغلوبين هو أحد أهم البروتينات في الجسم. حيث يعمل على التقاط الأوكسجين من هواء الشهيق في الرئتين، ومن ثم نقله إلى باقي أعضاء وأنسجة الجسم، وهي عملية أساسيةً للبقاء على قيد الحياة. يوجد الهيموغلوبين ضمن كريات الدم الحمراء التي تأخذ عادةً شكل قرص مُقعر من الجانبين، وهو الشكل الذي يسمح لها بالمناورة بشكل جماعي ضمن الأوعية الدموية الضيقة والملتوية. إلا أن الهيموغلوبين إس يأخذ شكل قضيبٍ ملتوٍ، مما يؤثر على شكل كريات الدم الحمراء التي تحمله فيمنحها نفس الشكل الملتوي. يمكن لتشوه كريات الدم بهذا الشكل أن يدفعها للتكتل فوق بعضها البعض والانحشار في الأوعية الدموية، مما يُبطئ الجريان الدموي ويعيق وصول الأوكسجين إلى الأعضاء الحيوية. يمكن لنقص الأوكسجين أن يُسبب الألم الشديد في مختلف أجزاء الجسم وهو ما يُعرف باسم أزمة الألم، وهي العَرَض الأكثر شيوعاً وإزعاجاً في هذا المرض. يعاني بعض المرضى من نوبات متكررة من الألم بفواصل زمنية لا يعانون فيها من آلام تذكر. في حين يعيش بعض المرضى تحت وطأة ألم مزمن مستمر طيلة حياتهم.

يعمل الجسم في الحالة الطبيعية على استبدال كريات الدم بصورة مستمرة، إلا أن عمر كريات الدم المنجلية يكون أقصر من نظيرتها الطبيعية، فيعجز جسم المريض عن سد حاجته منها. ويؤدي نقص تعداد كريات الدم إلى حالة تُعرف بفقر الدم (الأنيميا) والتي تُسبب للمريض إرهاقاً شديداً يعيقه عن القيام بأعماله.

لماذا يشيع انتشار المرض بين أعراق بشرية معينة، مثل الأميركيين من أصل أفريقي؟

يشيع انتشار المرض في بعض الأعراق البشرية أكثر من سواها، مثل الأشخاص الذين ينحدرون من أصول أفريقية. ولعل أحد الأسباب الرئيسية لذلك هو أن الأشخاص المصابين بداء الكريات المنجلية والأشخاص الذين يحملون نسخةً واحدةً من الجينة التي تُسبب المرض (ناقلين وراثيين للمرض دون أن يكونوا مصابين به)، يمتلكون فرصةً أعلى للنجاة من الملاريا مقارنةً مع الأشخاص الذين لا يحملون هذه الجينة نهائياً. ومن المعروف بأن الملاريا هي إحدى أكثر الحالات المرضية شيوعاً في القارة الأفريقية. وعلى الرغم من أن آلية تلك المناعة لا تزال غير مفهومة بشكل كامل، إلا أن الباحثين يدركون بأن الكائنات الدقيقة التي تُسبب الملاريا تتخذ من كريات الدم الحمراء مأوىً لها، وبالتالي فإن تدمير كريات الدم الحمراء يقضي على تلك الكائنات الضارة أيضاً. تُعد كريات الدم المنجلية مثالاً جلياً على الظاهرة التطورية المعروفة باسم الاصطفاء المُوازِن: إذ يزداد احتمال وجود شفع واحد من الجينة المُسببة لداء الكريات المنجلية بشكل أكبر من احتمال وجود شفعين من هذه الجينة. وهكذا، فإن وجود شفع واحد من الجينة المُحوّرة يساعد على الوقاية من الملاريا، في حين أن الآثار المدمرة لوجود شفعين من الجينة المُحوّرة تمنع داء الكريات المنجلية من الانتشار على نطاق واسع.

لماذا عجز الأطباء حتى الآن عن علاج داء الكريات المنجلية؟ وهل من أملٍ يلوح في الأفق؟

لا يتوفر حتى الآن علاجٌ شافٍ لداء الكريات المنجلية. ويتلقى المرضى المصابين بالمرض أدويةً مسكنة ويخضعون لعمليات نقل دم متكررة لتدبير نوبات أزمة الألم وانخفاض مستوى الأوكسجين. ولكن لا توجد طريقة تكبح الجسم عن إنتاج الهيموغلوبين المشوّه.

من الجدير بالذكر أن بعض الباحثين حاولوا زرع خلايا جذعية لدى المرضى، حيث يجري أولاً التخلص من الهيموغلوبين الشاذ بأدوية كيميائية، ثم يجري حقن المريض بخلايا دموية من نقي عظم أحد المتبرعين. ولكن العثور على المتبرع المناسب هو معضلة بحد ذاتها، كما أن العملية محفوفة بالمخاطر عند البالغين.

ولعل أملاً يلوح في الأفق. فبما أن داء الكريات المنجلية ينجم عن طفرة وراثية في جينة مفردة، فإن طرائق التحرير الجيني (مثل تقنية كريسبر-كاس9، التي تسمح للعلماء بتحرير الجينوم البشري بسهولة نسبية) قد تُفضي يوماً ما إلى علاج المرض بشكل نهائي. ففي دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا في العام الماضي وجرى نشرها في مجلة الطبيعة، أظهرت النتائج نجاحاً في استخدام تقنية كريسبر لشفاء فئران مصابة بداء الكريات المنجلية عن طريق التحرير الجيني. وعلى الرغم من أن النتائج تُعد واعدةً بكل المقاييس، إلا أنه من المبكر الحديث عن علاج بشري للمرض. حيث يخشى العلماء من أن تُفضي عملية التحرير الجيني إلى تعديل الأجزاء الأخرى من الجينوم البشري التي تبدو مشابهة للجينات المقصود تحريرها، وهو ما يُعرف باسم الاستهداف غير المقصود. ويعكف الباحثون على فهم أسباب ذلك التأثير غير المرغوب فيه، وكيفية الوقاية منه قبل تطبيق التقنية على البشر.

المحتوى محمي