تكاد معرفة الأميركيين بفيروس «الورم الحليمي البشري» ولقاحه تكون منعدمة، خاصة بين الرجال. هذا ما توصلت إليه دراسة جديدة نشرت في دورية «جاما بيدياتريكس»، إذ أشارت إلى الحاجة الماسة إلى زيادة التوعية بمخاطر هذا الفيروس، واللقاح الذي يمكن أن يقي منه.
اعتمدت الدراسة على بيانات العامين الأخيرين من الدراسة الاستقصائية التي تجريها المعاهد الوطنية للصحة سنوياً، والتي ترصد مدى تأثير ونجاعة المعلومات الصحية. وجدت الدراسة أن أكثر من 70% من البالغين في الولايات المتحدة لا علم لهم بأن فيروس الورم الحليمي البشري يمكن أن يسبب سرطان الفم والقضيب والشرج، وكذلك سرطان عنق الرحم الذي كان محور معظم حملات الصحة العامة. حتى الوعي بمسببات سرطان عنق الرحم منخفض، ذلك أن ثلثي الرجال وثلث النساء المشاركين في الدراسة لا علم لهم بأنهم قد يصابون بفيروس الورم الحليمي البشري.
فيروس الورم الحليمي البشري أكثر أنواع الأمراض المنقولة جنسياً، فما بين 75% و80% من البالغين في الولايات المتحدة يصابون بأحد أنواع فيروس الورم الحليمي البشري التناسلي خلال حياتهم. يمكن أن ينتقل الفيروس من طريق العلاقات الجنسية، وغالباً ما يكون غير ضار ويختفي من تلقاء نفسه، لكن بعض أنواع الفيروس قد تؤدي إلى سرطان عنق الرحم، الفم واللسان والحلق، الشرج والفرج والقضيب والمهبل. توصي به المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها بأخذ لقاح فيروس الورم الحليمي البشري للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 11 و12 عاماً، حيث يقي من الإصابة بهذا الفيروس. وفقاً لهذه المؤسسة، يمكن للشباب الذين تقل أعمارهم عن 27 عاماً تقليل خطر إصابتهم بالفيروس عن طريق الحصول على اللقاح، حتى بعد تجاوزهم السن الموصى به. مع ذلك، وجدت الدراسة الجديدة أن نحو 51% فقط من الأشخاص يحصلون على اللقاح.
على الرغم من أن منظمة الصحة العالمية توصي بالتلقيح من فيروس الورم الحليمي البشري؛ كجزء من عمليات التلقيح المقدمة لجميع الأطفال، يضطر الآباء والأمهات في الولايات المتحدة لطلب تلقيح أطفالهم. يقول صاحب الدراسة «آشيش ديشموخ»، الأستاذ المساعد في الصحة العامة في مركز العلوم الصحية بجامعة تكساس في هيوستن: «في الغالب، تعتمد قرارات أخذ اللقاح على معرفة أهميتها وضرورتها». ونظراً لنقص التوعية بمخاطر فيروس الورم الحليمي البشري بين معظم الآباء والأمهات الأميركيين، حسب قوله، فلا عجب أن معدلات إخذ اللقاح ضد الفيروس لا تتجاوز 50%.
يضيف ديشموخ أن زيادة الوعي بالفيروس على قدر كبير من الأهمية، خاصة بعد أن وافق مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها على إعطاء لقاح فيروس الورم الحليمي البشري للأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 27 و45 عام، ما يعني أنه بالإمكان تقليل عدد الإصابات. يشير المركز إلى أن الأشخاص المنتمين إلى هذه الفئة عليهم استشارة أطبائهم حول جدوى تلقي اللقاح، على عكس الشباب، الذين يوصي المركز بلزوم تلقيهم اللقاح.
توضح البيانات أيضاً أن عدد الأولاد الذين يتلقون لقاح فيروس الورم الحليمي البشري أقل من عدد البنات، الأمر الذي يعتقد الخبراء أنه مرتبط بكون التوعية الوقائية غالباً ما ركزت على سرطان عنق الرحم. يقول ديشموخ: «معرفة الرجال بلقاح فيروس الورم الحليمي البشري، والعلاقة بين الفيروس والإصابة بالسرطان شبه منعدمة».
تكتب «إلين دالي»، أستاذة صحة المرأة بجامعة جنوب فلوريدا، في رسالة إلكترونية إلى مجلة بوبساي العلوم للعموم: «تكشف الدراسة عن خلل في برامج الصحة العامة، لذا يجب أن تعمل هذه البرامج على زيادة الوعي بمخاطر فيروس الورم الحليمي البشري والتوعية بضرورة أخذ اللقاحات ضده».
رغم الانخفاض الكبير في معدلات الإصابة بسرطان عنق الرحم خلال العقدين الأخيرين بفضل برامج الفحص وإعطاء اللقاح، فقد ارتفعت معدلات الإصابة بأنواع أخرى من السرطان الناتجة عن الإصابة بفيروس الورم الحليمي البشري. ارتفع معدل الإصابة بسرطان البلعوم (وهو نوع من سرطان الحلق) بين الرجال بأكثر من 200%، بينما زادت نسبة الإصابة بسرطان الشرج بين النساء بـ 150% تقريباً.
يقول «جويل بالفسكي»، المختص في فيروس الورم الحليمي البشري بجامعة كاليفورنيا سان فرانسيسكو: «إن النبأ العظيم هنا هو إمكانية الوقاية من الفيروس». بالفسكي أحد أعضاء الجمعية الدولية لفيروس الورم الحليمي البشري، التي تدير موقعا على الإنترنت يقدم معلومات عامة عن فيروس الورم الحليمي البشري. إلى جانب التلقيح، يساعد الكشف عن سرطان عنق الرحم في تقليل خطر الإصابة. لا يوجد حالياً فحص دم يمكنه كشف الإصابة بفيروس الورم الحليمي البشري، وليس ثمة طريقة موثوقة لرصده بين الرجال.
يقول بالفسكي: «افتقار الأميركيين إلى المعرفة بمخاطر الفيروس، الأمر الذي تكشفه هذه الدراسة، مدعاة للقلق». ويضيف: «أعتقد أن إجراء استطلاعات مماثلة في أماكن أخرى ستكون نتائجه مماثلة، وربما تكون أسوأ».
الإصابة بفيروس الورم الحليمي البشري أمر شائع، ويمكن الوقاية منه، وتضع الدراسة الجديدة بعض الخطوات التي ينبغي اتخاذها بهذا الصدد. وتختم دالي بقولها: «يمنع هذا اللقاح السرطان، وهو بمثابة هدية يمكننا تمريرها إلى الأجيال المقبلة».