مساع جديدة يجريها العلماء لتطوير لقاحات لمواجهة الأنفلونزا

3 دقائق
موسم الأنفلونزا, أمراض, صحة,

عادةً ما يركّز الأطباء والعلماء جهودهم خلال موسم الأنفلونزا المستمر على الوقاية منها، وتذكيرنا دائماً بالحصول على لقاح الأنفلونزا، مقدمين لنا نصائح حول النظافة الشخصية التي تمنع الإصابة، ومؤكدين على أهمية النوم الجيد. لكن سيبدأ الباحثون في المجال الطبي في كلّ من: ميرلاند، أوهاويو، نورث كارولينا، وميسوري؛ بتجريب تكتيكاً جديداً يخططون من خلاله لإصابة أشخاصٍ أصحّاء متطوعين عن عمدٍ بفيروس الأنفلونزا. يشارك المتطوعون في هذا النوع من الدراسات -«دراسات التحدي الإنساني»- والمصممة لتمكين العلماء من فهم تطوّر المرض بشكلٍ أفضل، للمساعدة في تطوير واختبار لقاحاتٍ جديدة.

هناك تاريخ طويل لدراسات «التحدي الإنساني» الخاصة بالأنفلونزا؛ فقد أُجريت أولى التجارب من هذا النوع عام 1937، وساهمت في تجربة وتطوير علاجاتٍ مختلفة للأنفلونزا. كانت التجارب آمنةً إلى حدٍّ ما، فقد كان يُعطى للشخص السليم فيروس الأنفلونزا، بحيث يُصاب بنوبةٍ عاديةٍ سريعة من المرض يتماثل بعدها للشفاء التام. إلا أنّ شخصاً تطوّع للمشاركة في تجارب «التحدي الإنساني» عام 2000، وقد أُصيب بعدها بمشاكل في القلب وتعافى في وقتٍ لاحق، لكن لم يُجرى منذئذٍ إلا تجارب قليلةٌ من هذا النوع خلال العقد الذي تلا ذلك العام.

تقول «إيمي شيرمان»، زميلة في تخصص الأمراض المعدية في جامعة إيموري في جورجيا: «لقد عدنا لإجراء مثل هذه التجارب في الآونة الأخيرة، والسبب وراء عودتها الآن هو تطوير لقاح عالمي للأنفلونزا».

تقدم دراسات التحدي الإنساني فرصةً حقيقية لاختبار اللقاحات الجديدة المصممة للبشر، بدلاً من تجربتها على الحيوانات، والتي -رغم أنها تقدّم معلوماتٍ مفيدةً- لكنها لا تحاكي استجابة الإنسان للمرض بدقة، وبالتالي للقاح. كما أن الدراسات التي تبحث رجعياً في جدوى لقاح الأنفلونزا التجريبي خلال موسمٍ معين؛ ليس طريقةً مثالية أيضاً لاختبار مدى نجاحه، نظراً لوجود العديد من العوامل المُشوشة لدى السكان، والتي يمكن أن تؤثر في تقييم مدى نجاحه.

بخاخ أنف, موسم الأنفلونزا, أمراض, صحة
بخاخ أنف — حقوق الصورة: NIAID/ فليكر

تُجرى دراسة التحدي الإنساني هذه بالشراكة مع المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية «NIAID». يقول الدكتور «بروس إنّيس»، المتخصص في التهابات الجهاز التنفسي في مركز «PATH» لابتكار اللقاحات: «أعتقد أن الحكومة الأميركية قد لعبت دوراً قيادياً في محاولة القيام بدراسات التحدي الاستقصائية كوسيلة لتطوير لقاحات محسّنة». تتمثّل الخطوة الأولى في هذا البرنامج الجديد بتطوير سلالاتٍ جديدة من فيروس الأنفلونزا، ومعرفة كيفية استجابة الناس عند الإصابة به. يقول أنّيس: «يمتلك الناس حصانة قوية ضد السلالات الأقدم من الفيروس». يعرف الفيروس الذي قام بتطويره المعهد الوطني «NIAID» باسم «InfluenzaA/Bethesda/MM2/H1N1»، وسيتّم نقله لثمانين مشاركاً متطوعاً في الدراسة عبر بخّاخٍ أنفي، وقد أُعلم المشاركون بوضوح بمخاطر هذه العملية. ثم سيبقون بعد ذلك في العيادة لمدة أسبوع، حيث ستُؤخذ منهم عيناتٌ من الدم، ومسحات من الأنف والحلق لتتبع الاستجابة المناعية لديهم.

ستقدّم النتائج معلومات أساسية عن الطريقة التي يتفاعل بها المشاركون مع سلالة الأنفلونزا هذه تحديداً، وعن كمية الفيروس اللازمة لإحداث أعراض الأنفلونزا المعتدلة. هذا الأمر مهمٌ جداً لدراسات التحدي الإنساني المستقبلية، والتي ستعمل على اختبار لقاحاتٍ أحدث. يقول أنّيس: «بعد أن ننجز البحث الحالي، سيكون بمقدورنا تقديم لقاحاتٍ محسّنة تم التحقق من جدواها فعلياً على أرض الواقع، قبل إعطائها للناس». في هذه التجارب، تُقارن استجابة الأشخاص الذين يتلقّون اللقاح التجريبي ثم نقل الفيروس إليهم، باستجابة الأشخاص الذين تلقوا لقاحاً وهمياً.

تقول شيرمان: «ما سيكون مثيراً حقاً في نهاية المطاف، هو أن نرى نتائج هذه اللقاحات المُطورة عند اختبارها على أرض الواقع».

يتم اختيار المشاركين في هذه الدراسة وغيرها من دراسات التحدي بعناية، حيث ينبغي أن يكونوا شباباً وأصحاء، وليس لديهم أيّ من العوامل التي يمكن أن تضاعف من شدّة إصابتهم بالأنفلونزا، مثل أمراض المناعة الذاتية. تقول شيرمان: «إن النموذج الذي يستخدمه NIAID يستهدف فعلياً إصابات الأنفلونزا الخفيفة، إلى متوسطة الشدّة فقط، ولديهم خطّة وتدابير فورية يمكن اتخاذها لمعالجة الشخص في حال تطوّر لديه المرض أكثر بطريقةٍ ما». أما إنّيس فيقول: «نظراً لأن نقل الفيروس إلى المشاركين يتم عن طريق الأنف، فإنّه لن يتسبب إلا في عدوى أنفلونزا الجهاز التنفسي العلوي، والتي تميل عادةً لأن تكون أقل حدّة من عدوى الرئتين والجهاز التنفسي السفلي. قد ينتقل الفيروس إلى الرئتين، إلا أن الجهاز المناعي يمنع عادةً حدوث ذلك في الأصحاء».

تسمح التركيبة السكانية للمشاركين بأن تكون دراسات التحدي أخلاقية، ولكنها تعني أيضاً أنها لا تُجرى في المجموعات الأكثر احتياجاً للقاحات، والتي هي قيد التطوير. تقول شيرمان: «الأشخاص الأكثر عُرضةً لآثار الأنفلونزا هم اليافعون والأكبر سناً عموماً، بالإضافة لمن يعانون من نقص المناعة، لذلك لا نجري دراسات التحدي هذه عليهم».

بالإضافة إلى ذلك، ونظراً لأن دراسة التحدي هذه تقتصر على عدوى الأنفلونزا في الجهاز التنفسي العلوي، سيكون من الصعب تحديد ما إذا كانت العلاجات واللقاحات التجريبية؛ ستساعد في منع حدوث عدوى الأنفلونزا على مستوى الرئتين أيضاً. بغض النظر عما سبق، فإن دراسات التحدي هي أدوات مهمة لمساعدة العلماء على فهم استجابة الناس للعلاجات الاستقصائية (التي تُجرّب على البشر مقدماً).

تقول شيرمان: «ما زالت الأنفلونزا تصيب الكثير من الناس كل عام، ولدينا حالياً بالفعل لقاحات سنوية ينبغي أن يحصل عليها الناس، لكن أدائها وفعاليتها منخفضٌ عموماً. نحن بحاجةٍ بالفعل لتطوير لقاحاتٍ أشمل».

المحتوى محمي