حقوق الصورة: بيكسيلس
هناك خبر سيئ، مستحضرات "بوبرز" (Poppers) قد تؤذي عينيك. إذ تستند دراسة جديدة نشرت في المجلة البريطانية لطب العيون بناء على تقارير سابقة تفيد بأن هذه المستحضرات السائلة القابلة للاستنشاق والتي غالباً ما تعتبر غير ضارة يمكن أن تسبب أذيّة دائمة في شبكية العين لدى بعض المدمنين.
ما هي مستحضرات "بوبرز"؟
تحتوي هذه المواد السائلة عديمة اللون وذات الرائحة القوية على نتريت الألكيل، ويؤدي استنشاقها إلى انخفاض مفاجئ في ضغط الدم، وارتفاع في معدل ضربات القلب، واسترخاء العضلات غير الإرادي. ولأن الاستنشاق لمرة واحدة لا ينتج عموماً هذه التأثيرات إلا لمدة دقيقة أو دقيقتين، فإن هذا المستحضر عادة ما يكون بمثابة بديل منخفض المفعول لمنشطات الإكستاسي والأدوية الأخرى ذات التأثير النفسي. وعادة ما يشعر المدمنون بذلك - بطريقة ممتعة ربما - وغالباً ما يواجهون الإثارة الجنسية المتزايدة، ولكن الآثار تعتبر قصيرة جداً لتُحدث أية أضرار خطيرة.
وحتى في البلدان التي يكون فيها من غير القانوني تسويق هذه المستحضرات بشكل مخصص للاستهلاك البشري (كما هو الحال في المملكة المتحدة التي أجريت فيها الدراسة الجديدة)، فإنها غالباً ما تباع كمنتجات تنظيف أو كمعطر لجو الغرفة لتجنب القيود. وكانت هذه المواد القابلة للاستنشاق منتشرة لفترة طويلة بين الرجال المثليين. ففي أستراليا، ذكر 60 في المئة من الذكور المثليين بأنهم جربوها. ولكنها أيضاً مستحضرات شائعة في الحفلات في المجتمعات الأخرى. ووجدت دراسة أجريت مؤخراً في المملكة المتحدة بأن 1.1 في المائة من عامة السكان يستخدمونها لمرة واحدة في السنة على الأقل، مما يجعلها رابع المستحضرات الترفيهية الأكثر انتشاراً في البلاد (بعد القنب الهندي والكوكايين والإكستاسي). لدرجة أن أحد أعضاء البرلمان اعترف صراحة باستخدامها بصورة منتظمة عند اعتراضه على الحظر المقترح.
ولنكون واضحين، بالنسبة للطيف الكبير من المخدرات الخطيرة الشائعة في الحفلات، فإن مستحضرات "poppers" لا تعتبر شيئاً خطيراً. ولكن سلامتها النسبية قد تجعل العديد من المدمنين غير مبالين. وفي أحد الأسئلة الشائعة الحديثة (والصريحة إلى حد ما) حول استنشاقها، سئل كاتب عن آثارها الجانبية فأجاب بأنه "ليس لها أي تأثيرات جانبية، وذلك إذا كنت تتمتع بصحة جيدة". وإن التحذيرات الكبيرة والوحيدة الواردة في معظم المقالات حول هذه المستحضرات هي أن شربها قد يكون قاتلاً، وأن ملامستها للجلد قد تسبب الحروق، وأنه لا يمكن تناولها أثناء أخذ أدوية خلل الانتصاب مثل الفياجرا. وبما أن هذه الأدوية تسبب انخفاض ضغط الدم، فإن الانخفاض الذي ينتج عن استنشاق مستحضرات "بوبرز" قد يكون مميتاً.
الاستكشاف بشكل أعمق
خلال السنوات الأخيرة، بدأ الأطباء بدق ناقوس الخطر حول أحد التأثيرات الجانبية المحتملة لاستنشاق النتريت ألكيل، وهو أذيّة شبكية العين بشكل دائم. وبدأت التقارير تتوالى ببطء. ففي عام 2010، أظهرت رسالة إلى مجلة نيو إنغلاند الطبية عدة حالات مفاجئة لفقدان البصر بعد قيام المرضى باستنشاق مستحضرات "poppers". كما نشر الباحثون في العام الماضي دراسة لحالة مريض مصاب بمشاكل عينية في اسكتلندا، ولكنهم قالوا بأنهم وجدوا في الأدب الطبي ما لا يقل عن 30 حالة منشورة لحدوث أذيّات في الرؤية مرتبطة بمستحضرات "بوبرز".
وكانت مستحضرات "بوبرز" شائعة لعشرات السنين، ولكن توقيت هذه المشاكل العينية يمكن أن يشير إلى السبب المحتمل. ففي عام 2006، أعيد تصنيف نتريت الايزوبوتيل - الذي كان موجوداً في العديد من أصناف مستحضرات "poppers" – على أنه عامل مسبّب للسرطان. ومنذ ذلك الوقت، تم تصنيع معظم أصناف مستحضرات "poppers" التجارية مع نتريت الايزوبروبيل.
وتركز الدراسة الأخيرة على 12 حالة – جميعهم من الذكور – راجعت مستشفى سوسكس للعيون بين عامي 2013 و2016. وقد أفاد جميعهم بأنهم يعانون من مشاكل في الرؤية، وكانت الاضطرابات الأكثر شيوعاً تتضمن الضبابية أو البقع العمياء والتي تبدأ خلال ساعات أو أيام من استنشاق مستحضرات "بوبرز". وفي حين لم يكن الباحثون قادرين بالضرورة على تحليل نفس الزجاجات التي تم استنشاقها قبل ظهور الأعراض، إلا أنهم تمكنوا من تحليل عينات من نفس الأصناف التجارية التي أفاد كل شخص باستخدامها. وقاموا بإجراء العديد من الفحوصات التشخيصية لاستكشاف أعراض المرضى وحاولوا إيجاد علاقة بين التركيب الكيميائي لأدويتهم، وطريقة استخدامها، والأذيّة الشبكية الناتجة.
وكان هناك على الفور دليل على أن استبدال نتريت الايزوبوتيل قد يكون السبب، إذ أن بعض الأشخاص الذين كانوا يدمنون على مستحضرات "بوبرز" لعشرات السنين ذكروا ظهور أعراض مفاجئة بعد تغيير الصنف التجاري. ويبدو بأن نتريت الايزوبروبيل هو العنصر المشترك، ويعتقد الباحثون بأنه يتلف النقرة، وهي عبارة عن تجويف صغير من المخاريط المزدحمة بشدة في شبكية العين والتي غالباً ما تكون مسؤولة عن الرؤية المركزية.
وقد يكون هذا هو الفحص الأكثر شمولاً حتى الآن لدور نتريت الايزوبروبيل في تلف العين، ولكن لا تزال هناك كمية كبيرة من الأشياء المجهولة. حيث تعافى معظم الرجال في الدراسة من أذيّات العين، ولكن ليس جميعهم. وليس من الواضح فيما إذا كان الشفاء يعتمد على التوقف عن تعاطي المستحضر أم لا. وفي الوقت نفسه، فإن الطبيعة غير المنتظمة للمادة القابلة للاستنشاق تجعل من الصعب تحديد احتواء الصنف التجاري على نتريت الايزوبروبيل على وجه اليقين، على افتراض أنه المركب الوحيد المثير للقلق. وربما يكون المدمنون بأمان طالما أنها ملتزمون بصنف تجاري لم يسبب لهم المشاكل من قبل، وربما لا.
ويقول الباحثون في الدراسة: "لا بدّ من تحديد الآلية المرضية لسميّة مستحضرات "بوبرز"، وليس هناك سبب واضح لافتراض ازدياد سميّة نتريت الايزوبروبيل عن نتريت الايزوبوتيل". ومن المحتمل أن إثارة زيادة إنتاج مركبات أكسيد النيتريك - والتي قد تكون سامة لشبكية العين – قد تؤدي إلى إحداث أذيّة، إلا أن سبب اختلاف مستوى تردّي الحالة بين الأشخاص غير واضح.
كما أن الباحثين يشعرون بالحيرة من حقيقة أن اثنين من المرضى فقط ظهرت عليهم أعراض في إحدى العينين، ومن حقيقة أن الأذيّة تبدو مشابهة جداً لتلك التي تلاحظ بعد التعرّض للضوء الساطع. هناك الكثير من العمل الذي يجب القيام به قبل أن يتمكن الأطباء من إخبار مرضاهم بكل ثقة فيما إذا كان هناك صنف تجاري محدد – أو نمط استخدام – آمن بالنسبة للعيون.