مناخ مشاغب: تلوث الهواء يقضي على الفوائد الصحية للمشي

2 دقائق

يقترن العيش وسط أحياء فسيحة تتيح للناس الوصول بسهولة إلى المتاجر، وأماكن العمل مشياً على الأقدام بتحسن الصحة، إذ تشير دراسات عديدة إلى أن العيش وسط هذه الأحياء له علاقة بزيادة النشاط البدني، وانخفاض معدلات السمنة، ومستويات ضغط الدم والسكري.

مع ذلك، تعاني هذه الأحياء في بعض الأحيان من زيادة مستويات تلوث الهواء، فالشوارع المتصلة والقريبة من المتاجر، ومراكز المدن قد تعني وجود المزيد من السيارات، ما يولد انبعاثات ملوثة ربما لها ارتباط بأمراض القلب والأوعية الدموية. وفقاً لدراسة حديثة نشرت في دورية «إنفيرومنت إنترناشونال»، عندما يعم الهواء الملوث هذه الأحياء، تصبح الفوائد الصحية للمشي عديمة الجدوى.

تقول «جيليان بوث»، صاحبة الدراسة والعالمة في مركز حلول الصحة الحضرية بمستشفى سانت مايكل في تورنتو: «بعض الأحياء التي صممت لتحث الناس على المشي أكثر صممت لتكون أكثر صحة، لكنها تسجل معدلات مرتفعة من انبعاثات عوادم السيارات - جراء إبقاء محرك السيارة مشتغلاً وهي متوقفة. لذا، عندما ننظر إلى الأحياء شديدة التلوث، فإن الفوائد الصحية الناتجة عن المشي فيها تقل».

استخدمت الدراسة بيانات من دراسة «كانهيرت»، وهي مجموعة بيانات تتبعت صحة القلب والأوعية الدموية عند ما يقرب من 10 ملايين شخص يعيشون في أونتاريو بكندا. شملت دراسة بوث قرابة 2.5 مليون شخصاً تراوحت أعمارهم بين 40 و74 عاماً، وركزت على الذين يقطنون في مكان إجراء الدراسة ( مدن تورونتو وأوتاوا وهاميلتون ولندن). صنّف المشاركون بالاستناد إلى عاملين: معدل ترددهم على الأحياء التي تتيح إمكانية أكبر للمشي، وانبعاثات عوادم السيارات في المناطق التي يقيمون فيها. وحللت الدراسة مخاطر ارتفاع ضغط الدم والإصابة بمرض السكري بناءً على هذين العاملين.

وجد الباحثون أنه في المناطق حيث ينخفض مستوى تلوث الهواء، يقل احتمال إصابة الشخص بارتفاع ضغط الدم والسكري، بالتوازي مع توفر هذه المناطق على أحياء فسيحة يمكن المشي فيها. مع ذلك، عند ارتفاع مستويات تلوث الهواء، تراجعت الفوائد الصحية للمشي في تلك الأحياء.

تقول بوث: «إن الفوائد الصحية للمشي تعتمد أساساً على البيئة المحيطة». وتضيف: «إن الأسباب وراء هذا عديدة. يتساءل الباحثون عما إذا كان الناس يمشون فعلاً أكثر، فإذا كانوا يفعلون فهم عرضة لمزيد من تلوث الهواء. يتساءلون أيضاً عما إذا كانت فوائد المشي ربما تلغي الأضرار الإجمالية لتلوث الهواء، على الرغم من أن هذه الأضرار تفوق بكثير فوائد المشي. ثمة إمكانية أخرى وهي أنه عند المشي، نتنفس بعمق أكبر، ما يعني، حسب بعض الباحثين، ارتفاع مستوى الهواء الملوث الذي نستنشقه».

تقول بوث إن دراسات سابقة بينت أن الأحياء التي تتيح إمكانية أكبر للمشي لها ارتباط بتحسن الصحة، لكن هذه الأحياء نفسها قد تكون مستويات تلوث الهواء فيها مرتفعة. ما قامت به بوث هو أنها حللت كيفية تأثير هذه العوامل على بعضها، وتصرح: «أحد أجزاء المشكلة هو التغاضي عن الإطار العام الذي تحدث فيه هذه العمليات، ومدى تشابكها، والتركيز فحسب على عناصر دون غيرها. ما تم إغفاله في الدراسات السابقة هو المخاطر الناجمة عن عوامل أخرى، مثل خطر تلوث الهواء».

يمكن أن تساعد نتائج الدراسة مخططي المدن في تصميم مناطق سكنية تضع في الاعتبار الصحة العامة. تشير بوث إلى أن الدفع في اتجاه التصميم الحضري الصحي، والنشاط البدني أمر عظيم، لكن هذا لا يتم بمعزل عن باقي العوامل. وتعلق: «في كثير من الأحيان، نريد حلاً وحيداً للمشكلات التي تواجهنا، ومن الجيد أننا نفكر على نطاق واسع عندما يتعلق الأمر بالبيئة، لكننا بحاجة للنظر إلى الصورة بأكملها. هناك مشكلة في تناول هذه القضايا بمعزل عن غيرها».

رغم ذلك فإن بعض الحلول قد تضرب عصفورين بحجر واحد، إذ ترى بوث أن توسيع نطاق وسائل النقل العام يمكن أن يساعد في تقليل الازدحام في المناطق التي يمكن المشي فيها، مع تقليل الاعتماد على السيارات. وهذا يقلل من الانبعاثات أيضاً. وتختم بقولها: «يمكن أن تتوافق نتائج هذا البحث مع الأهداف العديدة لواضعي السياسات».

المحتوى محمي