من الممكن الإفراط في النوم، ولكن لا تدع ذلك يجعلك تنام أقل من حاجتك

4 دقائق
هل يمكنك أن تنام حتى الموت؟

يجب علينا جميعاً في الوقت الحالي أن نعرف أننا بحاجة إلى النوم لمدة 8 ساعات كل ليلة. إذ يؤدي النوم بشكل أقل من ذلك إلى العمل بمستوى أدنى من الطبيعي. ولكن ماذا عن النوم بقدر أكبر؟ وهل من الممكن الإفراط في النوم؟

تشير دراسة جديدة إلى إمكانية ذلك، إذ أن النوم لمدة 9 ساعات أو أكثر في الليل قد يكون غير صحيّ أيضاً. حيث جمع باحثون حول العالم بياناتٍ من 116632 شخصاً في 21 دولة، وتابعوا كلاً منهم لمدة 7.8 عاماً تقريباً لمعرفة فيما إذا كان مقدار نومهم يرتبط بالخطر الكلي للوفاة (احتمال الوفاة أثناء فترة الدراسة). ونشروا نتائجهم في مجلة يوروبين هارت جورنال (European Heart Journal)، والتي أظهرت ما يسمّيه علماء الأوبئة منحنى على شكل حرف J. تشير الظاهرة إلى وجود نقطة في الرسم البياني للوفيات يحدث فيها انخفاض لخطر الوفاة.

وتكون هذه النقطة في هذه الحالة مباشرة بعد 8 ساعات من النوم. عندما تتجه نحو الأسفل في الرسم البياني إلى ساعات أقل من النوم، يزداد خطر الوفاة لمجموعة كبيرة من الأسباب، ولكن هناك أيضاً ازدياد في الخطر كلما زاد مقدار النوم. وليست هذه الدراسة هي الوحيدة التي توصّلت إلى هذا المنحنى على شكل حرف J، ولكن هناك دراسات أخرى أيضاً توصّلت إلى أن الأشخاص الذين يحصلون على 9 ساعات أو أكثر من النوم كل ليلة تزداد لديهم معدلات الوفيات كما يبدو.

ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن النوم بشكل أكبر يؤدي إلى ازدياد الوفيات. ففي بعض الأحيان يكون المنحنى على شكل حرف J بسبب بعض العوامل الأخرى المؤثّرة.

فإذا كان هناك شخص بالغ ينام 10 ساعات في اليوم، فهل هو شخص سليم برأيك؟ على الأغلب لا. وقد ناقش بعض الخبراء مثل ماثيو ووكر -مدير مختبر النوم والتصوير العصبي في جامعة كاليفورنيا في بيركلي- كيف أن الأمراض المختلفة والمزمنة قد تدفع الشخص إلى النوم بشكل أكبر، ولكنها تجعله أيضاً أكثر عرضة لخطر الموت. وناقش مثل هذه الدراسات في كتابه (لماذا ننام - Why We Sleep) والذي يشير فيه إلى أنه "عند استكشاف هذه الدراسات بالتفصيل، فستعرف أن أسباب الوفاة لدى الأشخاص الذين ينامون 9 ساعات أو أكثر تشمل العدوى (مثل الالتهاب الرئوي) والسرطانات المحفّزة للمناعة." ويشير إلى أن مثل هذه الأمراض الخطيرة تدفع الشخص للنوم أكثر، وبالتالي فإن "الوهم الناتج هو أن الكثير من النوم يؤدي إلى الموت المبكر، بدلاً من الاستنتاج الأكثر قابلية للدعم بأن المرض شديد على الرغم من كل الجهود المبذولة لتخفيفه بواسطة إطالة مدة النوم المفيد".

وكان الباحثون الذين أجروا هذه الدراسة الحديثة على دراية كاملة بهذا الانتقاد، ولذلك بذلوا الكثير من الجهود لمحاولة منع العامل المؤثّر للمرض. فحاولوا استبعاد الأشخاص الذين لديهم أي أعراض قد تشير إلى مرض كامن من التحليل، وكذلك أولئك الذين تم بالفعل تشخيص إصابتهم بالمرض، ووجدوا نتائج مماثلة.

وقد يكون ذلك علامة على أن هناك شيئاً ما يتعلق بالنوم المفرط والذي يجعله غير صحّي بالنسبة لنا. ولكن من المهم أيضاً ملاحظة أنه حتى هؤلاء الباحثين يشيرون إلى أن "السببية لا يمكن إثباتها بشكل نهائي من خلال هذه الدراسة أو غيرها من الدراسات القائمة على الملاحظة". إذ تعتبر دراسات الملاحظة رائعة في دراسة أعداد كبيرة من السكان والذين من غير الممكن إجراء تحليل مفصّل للنوم لديهم، ولكنها ببساطة غير قادرة على استخلاص استنتاجات حول ما إذا كان أحد العوامل سبباً للآخر.

لمعرفة ذلك، لا بدّ من القيام بنوع من الدراسات العشوائية. وهذا يعني جعل مجموعات من الناس تنام قدراً معيناً لسنوات عديدة ومتابعتها لمعرفة ماذا سيحدث، وهو أمر غير ممكن على الأرجح. باستثناء ذلك، سيضطر الباحثون إلى التوصّل إلى آلية معقولة يمكن للنوم من خلالها زيادة خطر الوفاة. فعلى سبيل المثال، لم تتم دراسة السجائر على الأشخاص الذين تمت متابعتهم في دراسات طويلة وعشوائية، بل كان على العلماء القيام بتجارب أخرى أكثر ذكاءً لمعرفة كيفية تأثير مكوّنات السجائر على جسم الإنسان واستخدام تلك الأدلة لاستخلاص النتائج من البيانات القائمة على الملاحظة.

ومع ذلك، يكتب ووكر بأنه حتى الآن "لم يتم اكتشاف أية آليات بيولوجية تبيّن أن النوم ضارّ بأي شكل من الأشكال". وهذا لا يعني بأنه لن يتم ذلك في المستقبل، فربما سيتم التوصّل إلى إحدى الآليات. ولكن في الوقت الحالي، ليس من الواضح كيف أن النوم لمدة 9.5 ساعات قد يؤثر سلباً على الشخص بالمقارنة مع النوم لمدة 8 ساعات.

كما تشير الإحصائيات إلى أنه ينبغي على الأميركيين أن يقلقوا بشأن عدم حصولهم على قسط كافٍ من النوم بشكل أكثر من قلقهم بشأن الإفراط في النوم. إذ أظهر استطلاع أجرته مؤسسة جالوب في عام 2013 أن 40٪ من الأميركيين ينامون عادةً 6 ساعات أو أقل في الليلة، في حين أن 5% فقط ينامون لمدة 9 ساعات أو أكثر. إن أحد أجزاء مشكلة الحرمان المزمن من النوم هو أنك لا تدرك مدى حرمانك من النوم عندما تكون محروماً منه. قام الباحثون باختبار ذلك من خلال مراقبة الأشخاص في مختبرات النوم وجعلهم ينامون لمدة 8 ساعات في ليلة ثم 6 ساعات في ليلة أخرى، وجعلهم يخضعون لنفس الاختبار بعد كل منهما. وعندما تم سؤالهم عن رأيهم بأدائهم بعد النوم لمدة 6 ساعات فقط، أجابوا بأن أداءهم كان رائعاً، وربما بنفس مستوى أدائهم عندما تم ناموا لمدة 8 ساعات. وفي الواقع، فقد كان أداؤهم أسوأ بكثير، ولكنهم لم يدركوا ذلك.

لذلك إذا كنت من الأشخاص الذين يدّعون أنهم بحاجة إلى 6 ساعات فقط من النوم، فلا تستخدم هذه الدراسة لإثبات مدى سوء الإفراط في النوم.

لم يتأكّد بعد كيف يمكن للنوم المفرط أن يسبّب الضرر، ولكن من المؤكد ضرر أن يكون الإنسان محروماً من النوم بشكل مزمن. عليك أن تسعى لأن تنام لمدة 8 ساعات في كل ليلة، بغض النظر عن مقدار النوم الذي تعتقد أنك بحاجة إليه. وإذا كنت تنام بشكل مستمر لأكثر من 9 أو 10 ساعات في الليلة، فقم بمراجعة الطبيب للتأكد من عدم وجود حالة كامنة أو اضطراب في النوم. قد تكون بصحة مثالية، ولكنك لن تعرف ذلك أبداً من غير زيارة الطبيب.

المحتوى محمي