يعاني أكثر من 10% من الأطفال دون سن الخامسة في الولايات المتحدة من حالات مرضية تحتاج رعاية صحية خاصة. تشمل هذه الحالات أمراض مزمنة مثل الصرع واضطرابات عصبية؛ مثل التوحد. تشير دراسة جديدة إلى أن هؤلاء الأطفال وعائلاتهم -الذين يصل تعدادهم إلى الملايين- يواجهون مشاكل سكنية أكثر من الأطفال الذين لا يحتاجون رعاية صحية خاصة، وهو ما قد يؤدي إلى تفاقم حالاتهم. تسلط الدراسة الضوء على الدور الهام الذي يلعبه امتلاك سكن دائم على الصحة العامة.
يقول «أندرو بارنز»، أستاذ طب الأطفال بكلية الطب في جامعة مينيسوتا: «من الصعب للغاية على عائلات الأطفال الذين يحتاجون رعاية صحية خاصة الحصول على سكن دائم، ما قد يؤدي بهم إلى الدخول في حلقة مفرغة، بحيث إن سوء صحة الأطفال يقلل احتمال حصولهم على مسكن جيد، وهذا بدوره يمكن أن يؤثر سلباً على صحتهم».
اعتمدت الدراسة التي نشرت في دورية «بيديّاتريكس» على استقصاءات لمقدمي الرعاية الصحية لأكثر من 14 ألف طفل دون سن الرابعة، في 5 مستشفيات مختلفة في جميع أنحاء الولايات المتحدة. شملت الدراسة الاستقصائية فحصاً لحالات الأطفال الذين يحتاجون رعاية صحية، خاصة إلى جانب قياسات تحدد استقرار السكن، المؤشر الذي لا يعني التشرد فحسب، حسب قول «روث روز جاكوبس»، مؤلفة الدراسة والباحثة في برنامج مراقبة صحة الأطفال في مركز بوسطن الطبي؛ تدخل العائلات المتخلّفة عن دفع الإيجار وأقساط الرهن العقاري، أو المتنقلة من مسكنٍ لآخر، أو العائلات التي تسكن الملاجئ أو التي ليس لديها مسكن دائم ضمن العائلات التي تعاني من عدم استقرار السكن.
تقول روز جاكوبس: «في الغالب، لا نعد تبديل محل الإقامة مظهراً من مظاهر انعدام الأمان السكني، لكن ما لا ندركه هو أن التنقل المتكرر لا يحدث إلا إذا كان المرء غير قادر على دفع الإيجار». وجدت الدراسة أن أُسر الأطفال الذين يحتاجون إلى رعاية صحية خاصة كانت أكثر عرضة لخطر عدم استقرار السكن. وعكست النتائج ما تعاينه روز جاكوبس في عيادات الرعاية الصحية، وتقول بهذا الشأن: «أرى أن ثمة علاقة بين السكن والاحتياجات الأساسية، وبين الصعوبات التي تواجهها عائلات الأطفال الذين يحتاجون رعاية صحية خاصة».
من المرجح أن هذه العلاقة نتيجة للتكاليف الطبية الإضافية المترتبة عن رعاية هؤلاء الأطفال، تقول روز جاكوبس: «تحتل التكلفة المالية للرعاية الصحية المرتبة الأولى، ولكن السبب الآخر هو عدم قدرة هذه الأسر على الالتزام بعدد ساعات العمل العادية. وينتهي بهم الأمر إلى أخذ إجازات مطولة، وفي بعض الأحيان يقبلون العمل في وظائف متدنية الأجر كي يتمكنوا من رعاية أطفالهم. ومع أنه يمكن القول أن السبب المباشر لتلك الصعوبات التي يواجهونها هو التكاليف الطبية، لكن هناك الكثير من التكاليف التي لا تدخل في حساباتنا».
يمكن أن يؤثر عدم استقرار السكن على الظروف الصحية للأطفال، فعلى سبيل المثال، قد يعني تغيير محل الإقامة الانتقال إلى مناطق يصعب فيها توفير الرعاية الطبية، أو مناطق لا توفر خدمات التدخل المبكر لتتبع مثل هذه الحالات المرضية. وتصرح روز جاكوبس قائلةً: «هذا ما يصعّب الوصول إلى الرعاية الطبية، ويتسبب في فشل نظام الخدمات الطبية وبرامج التدخل المبكر في تتبع مسار الأطفال الذين يحتاجون رعاية صحية خاصة».
كذلك، يرى بارنز أن التنقل المستمر والسكن في أماكن مزدحمة والتشرد كلها عوامل تسهم في زيادة حجم الضغط الملقى على جسد الأطفال، مما قد يؤدي إلى تفاقم حالتهم الصحية. على أن هذا ينعكس أيضاً على صحة الآباء. تعلق روز جاكوبس قائلة بهذا الصدد: «ما يكابده الأبوين يؤثر بدوره على الأطفال، إذ من المحتمل أن يعانوا من الاكتئاب وهو عامل خطر سلبي على الأطفال».
كشفت الدراسة أن دخل الضمان التكميلي -الذي يقدم مساعدة مالية لأسر الأطفال ذوي إعاقة- يلغي خطر عدم استقرار السكن لعائلات الأطفال الذي يحتاجون رعاية صحية خاصة. ليس كل الأطفال من ذوي الاحتياجات الصحية الخاصة مؤهلين للحصول على دخل الضمان التكميلي، ومع ذلك، خلصت الدراسة إلى أن خطر عدم استقرار السكن بالنسبة للعائلات التي تلقت هذا الدعم المالي؛ يماثل الخطر الذي يواجهه الأطفال الأصحاء وعائلاتهم، على الرغم من أنهم يواجهون على الأرجح تحديات أكبر من الأطفال ذوي الاحتياجات الصحية الخاصة الذين لا يحصلون على هذا الدخل. ويوضح بارنز: «يدل هذا على الدور الكبير الذي يلعبه الدخل الإضافي في تحسين ظروف هؤلاء الأطفال».
تشير «ديانا كاتس»، رئيسة قسم طب الأطفال في مركز هينيبين للرعاية الصحية، إلى أن هذه النتيجة تظهر أيضاً أن الأطفال الذين لا يصلون إلى المستوى الذي يؤهلهم للحصول على الرعاية الصحية، مثل حالات الإصابة بالربو، قد يكونون أكثر عرضة لمشاكل السكن. وتضيف: «نظراً لأنهم غير مؤهلين للحصول على نوعية الرعاية الصحية الخاصة التي توفر للأطفال ذوي الإعاقات الشديدة، فإنهم يواجهون خطر عدم استقرار السكن أكثر من غيرهم».
لكن حتى الأطفال المؤهلين للحصول على دخل الضمان التكميلي يواجهون تحديات عديدة. وبهذا الصدد تقول روز جاكوبس: «لا يدرك الناس مدى صعوبة الأمر، ذلك أن المعاملات الورقية المطلوبة والمقابلات أمر صعب للغاية على أي شخص، وخاصة على آباء الأطفال ذوي الاحتياجات الصحية الخاصة». يمكن أن يساعد تسهيل سير هذه العملية على الأسر المؤهلة ورفع حدود الدخل ليشمل المزيد من الأسر في تلبية احتياجاتهم بصورة أفضل. تقول روز جاكوبس: على الأرجح سيكون لهذا الأمر فوائد مالية وصحية طويلة الأجل، وتضيف: «إذا توفر سكن جيد، فمن المحتمل أن يكون أداء الأطفال أفضل، كما أن حالتهم الصحية ستتحسن على المدى الطويل».
يقول بارنز إنه حتى قبل إجراء أي تغييرات في سياسة برنامج المساعدات المالية، يمكن لأطباء الأطفال المساعدة من خلال العمل مع العائلات عن قرب، والمساعدة في إحالة عائلات الأطفال المؤهلين للحصول على دخل الضمان التكميلي. ويضيف: «ينبغي على الأطباء الذين يتابعون حالات الأطفال الذين يعانون من حالات صحية مزمنة أن يسألوا عن استقرار السكن في كل زيارة».