نصائح علماء المناعة والحساسية للآباء من أجل حماية أطفالهم

6 دقائق
أطعمة قد تسبب الحساسية

إذا أردت الدخول في نقاش محتدم، فأخبر شخصاً ما بأنك تطعم طفلك زبدة الفول السوداني، هنا سيتحول النقاش إلى معركة حامية. فعادة ما يتصور الآباء أن معلوماتهم هي الصحيحة وسواها خطأ، خاصة حين يتعلق الأمر بالنقاش حول الحساسية المفرطة. لكن حقيقة الأمر هي أن معظم الآباء ليسوا مطلعين على آخر المستجدات وأفضل الطرق لحماية أطفالهم من الإصابة بالحساسية.

وقد واجه علماء المناعة وعلماء الحساسية ضجة في العامين الماضيين، لأن أدلة جديدة تشير إلى أن مشورتهم بشأن إعطاء الفول السوداني للأطفال كانت مشورة مخالفة للصواب. كانت الحكمة السائدة تقول بوجوب الانتظار حتى سن سنتين لتقديم الأطعمة التي قد تسبب الحساسية للأطفال. وحالياً، أصبح من المفترض أن تعطيهم الفول السوداني قبل أن يبلغوا عامهم الأول. وقد بدا هذا التحول غير مقنعاً بالنسبة للكثيرين، لكن حقيقة الأمر أن هذه هي طريقة تطور البحث العلمي، فالأطباء يقدمون أفضل ما لديهم من توصيات، لكن لدى توافر أي أدلة جديدة تشير إلى خطئهم، فإنهم يبدلون قناعتهم. وعلى الرغم من أن بعض الأمور الخاصة بحساسية الأطفال ما زالت قيد النقاش والدراسة، لكن هذا ليس حال جميع المعلومات، فهناك الكثير من الأدلة القاطعة، والتي يمكن للآباء استخدامها للحفاظ صحة أطفالهم. علينا فقط أن نكون واضحين حول ما تم إثباته، وما يحتاج إلى مزيد من البحث.

ما هي الحساسية؟

إن الحساسية هي ردة فعل قوية من الجهاز المناعي تجاه إحدى المواد الكيميائية غير الضارة مثل الفول السوداني أو حبات الطلع، وتظهر في أشكال مختلفة ومتنوعة.

ويظهر الجسم استجابة مناعية قوية عندما يستشعر وجود أحد مسببات الحساسية، لدرجة أن بعض الناس تصيبهم صدمة تأقية، بينما يصاب آخرون بمجرد حكة، أو انتفاخ بعض أجزاء الجسم، ولكن جميعها استجابات ذات صلة، يحاول فيها الجسم محاربة ما يعتقد أنه غزو.

وما زلنا غير متأكدين من سبب تطور الحساسية عند البعض دون البعض الآخر، ويبدو أن الأمر ناتج عن مزيج من العوامل الوراثية والبيئية، مثل نوع الطعام الذي تتناوله، والمكان الذي تعيش فيه، وما ورثته من صفات عن أبويك، وكم مرة تعرضت للحساسية من قبل. ونتيجة وجود هذه العوامل المختلفة، يأمل الآباء في الوصول إلى معرفة الظروف المناسبة التي يمكنهم توفيرها من أجل وقاية أطفالهم من الحساسية.

معدلات الحساسية آخذة في الارتفاع، حتى عند البالغين

لكن نوايا الآباء الطيبة لا تكفي، فلقد وجدت الدراسات المسحية أن هناك الكثير ممن يعانون من الحساسية ضد بعض أنواع الأطعمة والتي تشهد ازدياداً مستمراً. وتصل نسبة الحساسية تجاه المحار بنسبة 7 في المائة، وترتفع في المكسرات بنسبة 18 في المائة، بينما ترتفع في الفول السوداني بنسبة 21 في المائة.

هذه الأرقام صادرة عن مسح تم تقديمه في أكتوبر 2017 في مؤتمر الكلية الأميركية للحساسية والربو والمناعة، والذي شمل أكثر من 53 ألف أسرة أميركية. هذا الارتفاع هو بالتأكيد نتيجة لمجموعة من العوامل، ولكن أحد التفسيرات البارزة يعرف باسم فرضية النظافة.

ربما تكون قد سمعت بهذه الفرضية من قبل، ومفادها أن الأطفال في العصر الحديث لا يلعبون بحرية في الأماكن المفتوحة فلا يتعرضون للميكروبات بشكل كاف. بينما تحتاج أجسامهم الصغيرة أن تتعلم كيف تفرق بين المواد الخطرة والمواد غير المؤذية، وإذا لم تعرض طفلك لما يكفي من مسببات الحساسية، فإن جهازه المناعي سيكون عرضة للاختلال.

وهناك فرضية تأثير المضادات الحيوية، حيث يتمكن الجسد السليم والذي يحتوي على مجموع الميكروبات المفيدة من تجنب الإصابة بالحساسية، لكن يبدو أن إفراط الأفراد في تناول المضادات الحيوية، قد أضر بحالة الجهاز المناعي. كما تم اكتشاف وجود علاقة بين أمراض نقص فيتامين (د) والبدانة بأعراض حساسية الصدر والربو، على الرغم من عدم وضوح الآلية التي تفسر هذا الارتباط. هذا بالإضافة أنه على مدى سنوات كان الأطباء ينصحون الآباء بعدم إعطاء أطفالهم الأطعمة المحفزة للحساسية حتى سن الثانية، وهو ما تبين لنا الآن أنه عكس ما كان يجب فعله.

ولا تعتبر فئة الأطفال هي الفئة الوحيدة التي أصبحت تظهر المزيد من أعراض الحساسية، فقد وجدت نفس الدراسة المسحية أن 45 في المئة ممن يعانون من الحساسية الغذائية، لم يعانوا منها قبل سن البلوغ. ويبدو أن الفول السوداني هو المسبب الأول لحساسية الأطفال، لكن مع بلوغهم يحل الجمبري محل هذا المسبب.

وما زلنا لا نعرف ما هو السبب وراء ظهور أعراض الحساسية، وإن كان من المتوقع أن تكون عدة أسباب مجتمعة، كما أننا لسنا متأكدين سبب ارتفاع سبب الإصابة عند بعض الناس مقارنة بغيرهم. ففي الولايات المتحدة، تتطور الحساسية بمعدل أكبر عند ذوي البشرة السوداء. وتملك أستراليا واحداً من أعلى معدلات الإصابة بالحساسية في العالم، ويكون خطر الإصابة أكبر عند أبناء المهاجرين الذين يصلون أستراليا من البلدان التي تنخفض بها معدلات الحساسية، مما يشير إلى الأثر الهام للعامل البيئي.

لا تزال هناك بعض المقاومة لإعطاء الفول السوداني للأطفال الرضع، على الرغم من كل الأدلة

قد ينتهي ارتفاع حساسية الفول السوداني واسع الانتشار قريباً، على الرغم من أنه يعتمد على الآباء والأطباء الذين يتبعون النصائح الموصوفة حديثاً لتقديم المواد المسببة للحساسية للأطفال في وقت مبكر.

وفي يناير 2017، عدّلت المعاهد الوطنية للصحة رسمياً توصيتها بشأن التعرض للفول السوداني، قائلة إنه ينبغي تغذية الأطفال غير المعرضين لخطر الإصابة بأمراض الحساسية على الفول السوداني في سن 4-6 أشهر. واستندت هذه النتيجة إلى دراسة ضخمة تعود إلى عام 2015 ونشرت في مجلة "نيو إنجلاند جورنال أوف ميديسين"، وتبين أن الأطفال الذين يتناولون الفول السوداني في تلك السن هم أقل عرضة بنسبة 80 في المائة لتطور الحساسي. ووجدت دراسة متابَعة أن هذا التعرض قد حمى حتى أولئك الذين لم يستهلكوا البقوليات باستمرار. ويجب تقييم حتى الأطفال المعرضين لخطر كبير، لمعرفة ما إذا كان لديهم حقاً رد فعل، أو ما إذا كانت تغذيتهم المبكرة على مسببات الحساسية يمكن أن تساعد على منع تطور المزيد من الحساسية الكاملة.

ولكن دراسة استقصائية صغيرة لأطباء الأطفال -وقد تم تقديمها أيضاً في مؤتمر الكلية الأمريكية للحساسية والربو والمناعة- تشير إلى أنهم لا يشيرون بالضرورة بتلك المشورة إلى المرضى. وأوصى أكثر من ثلاثة أرباع هؤلاء الأطباء بتقديم الفول السوداني بعد سن 4-6 أشهر، ولم يكن نصفهم تقريباً يختبرون مرضاهم من أصحاب الخطر الأكبر للإصابة قبل تناول الفول السوداني. ولم تكن الغالبية العظمى تتبع المبادئ التوجيهية للمعاهد الوطنية للصحة بشكل كامل.

يقول ديف ستوكوس، الأستاذ المشارك لطب الأطفال في المستشفى الوطني للأطفال، والمتحدث باسم الكلية الأمريكية للحساسية والربو والمناعة: "يستغرق الأمر مع المبادئ التوجيهية السريرية 10 سنوات قبل أن يتم تنفيذها عملياً بالكامل". وكان ستوكوس جزءاً من المجموعة التي صاغت الإرشادات المتعلقة بالفول السوداني في المعاهد الوطنية للصحة في وقت سابق من عام 2017، وهو يعلم أن الأمر لن يحدث بين عشية وضحاها. ويجب أن يتم تحديث معلومات الأطباء وتثقيفهم حول كيفية التواصل مع مرضاهم.

وبحسب خبرة ستوكوس، فإن أصعب من يمكن التواصل معهم هم آباء الأطفال الأكبر سناً والذين لديهم حساسية مسبقة للفول السوداني. ويمكن أن ينزعجوا من التبديل المفاجئ في التوصيات، ويخشون من تقديم الفول السوداني لطفل في منزل يوجد فيه طفل آخر لديه حساسية تجاهه. يقول ستوكوس: "عليك أن تأخذ وقتاً في شرح سبب حدوث التغييرات وما هي الفوائد المحتملة. وبمجرد القيام بذلك، سيكون الناس متحمسين جدا لهذا الموضوع".

وجود الإكزيما عند الطفل قد يكون علامة مبكرة على الربو والحساسية في وقت لاحق

قد تبدو الإكزيما غير مرتبطة بالحساسية والربو، ولكن الأبحاث قد توصلت إلى نظرية ترى أن حدوث الإكزيما في مرحلة مبكرة من العمر يمكن أن تتطور إلى مشاكل مناعية خطيرة. وتسمى هذه الفكرة "مسيرة التأتّب"، والتأتب هو الميل لتطوير الحساسية. وقد تكون العلاقة بين الإكزيما والقضايا المناعية في وقت لاحق في جزء منها استعداداً لتطوير أمراض مناعية متعددة، ولكن هناك المزيد من الدراسات التي تشير إلى وجود علاقة سببية.

ولأن "الإكزيما" مصطلح واسع يشمل الكثير من المشاكل المتعلقة بالجلد، فإن الكثير من الناس يعتقدون أنها حالة عشوائية إلى حد ما. ولكن الشكل الأكثر شيوعاً وهو التهاب الجلد التأتّبي (وهوالتهاب جلدي يؤدي إلى ظهور حبوب حمراء حاكّة تظهر عليها قشور أو مفرزات أحياناً) هو بشكل أساسي نتيجة عيب في جزء من الجلد حصل فيه فرط في ردة الفعل تجاه المهيجات.

ويشرح ستوكوس الأمر بالقول: "مع الإكزيما، يكون هناك حاجز جلدي متغير، حيث يصاب السطح بنوع من التكسر، فيسمح للرطوبة بالخروج. وهذا هو السبب في جفاف الجلد. لكن هذا الحاجز يعمل في كلا الاتجاهين، لذلك فإنه يسمح أيضاً بدخول مسببات الحساسية، في حين أنه ربما لن يسمح بذلك لو لم يكن متضرراً".

ويمكن أن يحثّ هذا التعرض الزائد والاستجابة المناعية الملتهبة الأطفال على التفاعل بشكل أكثر سهولة مع مسببات الحساسية، الأمر الذي قد يعجل بتطور الربو وغيره من الاستجابات التحسسية. يقول ستوكوس: "أرى ذلك كل يوم في العيادة، وأقول لزملائي: عندما يكون لديك أطفال مصابون بإكزيما رهيبة، فإنهم يعلنون بأنفسهم بأنهم ربما يكونون محكومين بالإصابة بالحساسية والربو. وتتحسن الإكزيما بعد عام أو نحو ذلك، وربما لن ترى الحساسية البيئية حتى سن سنتين أو ثلاث سنوات، ومن ثم فإن الربو يأخذ المزيد من الوقت ليتطور. ولكن هذه الحالات كلها قد تكون مرتبطة ببعضها".

ما الذي يجب على الوالدين فعله بهذه المعلومات؟

يجب على أولياء الأطفال الذين يعانون من الإكزيما التفكير في الذهاب إلى طبيب الحساسية، والذي يملك خبرة في العلاج والإشراف على الأطفال ذوي الحساسية المفرطة. ويمكن اختبار حساسية الطفل للفول السوداني قبل إعطائه له، فقط في الحالة التي يرجح أن يُظهر فيها رد فعل شديد؛ حيث يمكن أن يأخذ الطفل الفول السوداني حتى في مكتب الطبيب. وقد أصبح من الشائع جداً للآباء اختيار ركن من غرفة الطوارئ لإطعام أطفالهم من زبدة الفول السوداني.

بشكل عام، يبدو واضحاً أن الآباء يجب أن يحاولوا تقديم مسببات الحساسية في وقت مبكر. وتشير كل الأدلة إلى أن هذا سوف يساعد الأطفال على تجنب الحساسية في وقت لاحق. وإذا كنت قلقاً حيال هذا الأمر، توجه إلى طبيب الحساسية، وسيتمكن من معالجة مخاوفك، وحتى تقديم خطة لكيفية المتابعة. يبدو الأمر مخيفاً، لكنه ضرورياً، فالحساسية أمر لا يحتمل الإهمال.

المحتوى محمي