اعتقد الكثيرون من مستخدِمي الهواتف الذكية، وبشكل قاطع، أنّ قروناً ستنبت في جماجمهم، بعد انتشار عناوين مثيرة في الصحف الرئيسية مثل: «وفقاً لأبحاث حديثة؛ يتسبب استخدام الهاتف المحمول في نمو قرونٍ على رؤوس الشباب».
ومع أنّ القصة تحتوي على جميع المكونات الغريبة لنظرية المؤامرة، إلا أنها في الواقع ظهرت لأول مرة في صحيفة واشنطن بوست. فقد ربطت الصحيفة -اعتماداً على بعض الأبحاث غير المؤكدة- بين استخدام الهاتف المحمول وظهور نتوءاتٍ عظمية لدى الشباب في مؤخرة أعناقهم، بسبب إمالة رؤوسهم إلى الأمام قليلاً للتحديق في شاشات الهواتف.
لكنّ الضرر يكمن في التفاصيل، فقد أشار العلماء والصحفيون سريعاً إلى أنّ حجم العينة المدروسة في تلك الأبحاث صغير جداً، وأنها لم تشرك كبار السن فيها، ناهيك عن عدم الإشارة إلى دور الهاتف المحمول مطلقاً في بعض الدراسات. في الواقع، بالكاد تشبه النتوءات العظمية في قاعدة الجمجمة القرون، ومن المؤكد أنّ هذه الأبحاث لم تثبت أية علاقةٍ بينها وبين استخدام الهواتف المحمولة.
متى بدأ الأمر؟
كان الحديث عن «ظهور قرونٍ لدى مستخدِمي الهواتف المحمولة» كارثياً عام 2019 ضمن خبرٍ من سلسلة أخبار سابقة، لا تُعدّ ولا تحصى من التقارير الهستيرية حول الطرق العديدة التي يمكن للتكنولوجيا من خلالها أن تشوِّه أجسادنا، لكنّ «إريك روبرتسون»؛ المعالِج الفيزيائي المتحدِّث باسم جمعية العلاج الطبيعي الأمييكية، يقول: «للهواتف المحمولة فوائد وأضرار على حد سواء».
صحيح أنّ التحديق في شاشة الهاتف المحمول لمشاهدة مقاطع الفيديو، أو القراءة تدفع المرء إلى إمالة رأسه إلى الأمام في وضعيةٍ غير مريحة، لكنّ الحل ليس بإرجاع الرأس إلى الوراء بالقوة طوال الوقت، لأنّ ذلك يضغط على مجموعةٍ مختلفة من العضلات. بدلاً من ذلك، ينصح روبرتسون بأن يقوم الناس بتغيير وضعيتهم بشكلٍ متكرر، بحيث تريح كل مجموعةٍ من العضلات بين الحين والآخر؛ حيث يقول: «ليست هناك طريقة مثالية للنظر إلى الهاتف المحمول، لذلك من الأفضل عدم البقاء في وضعية واحدة لفترةٍ طويلة من الزمن».
من المرجح أنك لا تقضي وقتاً طويلاً جداً على تطبيقات المراسلة، ولكن لضمان عدم حدوث ذلك، يقترح روبرتسون ضبط منبه الهاتف المحمول كل 15 إلى 20 دقيقة ليذكّرك بضرورة تغيير وضعيتك، أو أخذ استراحةٍ قصيرة، وبذلك تضمن أن تأخذ عضلات الرقبة وأسفل الظهر -بالإضافة إلى العينين- استراحة وعدم وصولها إلى مرحلة الإجهاد.
إذا وجدت أنّ ضبط المنبه مملٌ بعض الشيء، يمكنك تجربة بعض الأجهزة الشائعة التي يقتنيها العديد بهدف تغيير روتين حياتهم الكسول بشكلٍ عام. على سبيل المثال، يمكن برمجة الساعات الذكية -إذا كنت تمتلك واحدة-، وفيتبيتس كي تهتز على فترات زمنية محددة لتذكرك بتغيير وضعيتك. يقول روبرتسون: «يمكن لهاتفك أن يكون أداة تساعد على تحسين صحتك بدلاً من أن يكون مجرد مشكلةٍ تسبب مشاكل لجسمك بمرور الوقت».
لماذا تظهر النتوءات في العظام؟
ومع ذلك، فقد أصبحت هذه الخرافة راسخة في وعي الناس، ومن غير المرجح أن تختفي من أذهانهم قريباً. فقد صرّح روبرتسون لنا عام 2018 قائلاً: «يبالغ الناس عموماً في اتهام وضعية الجلوس والمشاهدة في تسببها بحالتهم المرضيّة، كما يعزو بعض الأطباء حالة التهاب غمد الوتر المضيق؛ والتي تُعرف بالإصبع الزنادية»، حيث تميل فيها الأصابع للإنحناء دائماً، إلى الطريقة التي يمسك فيها الناس هواتفهم بأيديهم، لكنّ روبرتسون يشير إلى أنّ الأطباء بأتوا يدركون بشكلٍ أكبر أنّ هناك عوامل أخرى كثيرة تساهم في حدوث تشوهات الجسم، والعديد منها غير مرئي.
على سبيل المثال، يدرك الأطباء الآن أنّ هناك العديد من العوامل المتعلقة بنتوءات الأصابع أو العظام، وحتى بمتلازمة النفق الرسغي؛ مثل الجينات واللياقة العامة، والسلوك الفردي والاستجابة المناعية، وحتى التغذية يمكن أن تلعب دوراً في حدوث هذه التشوهات.
لكنّ الدراسة التي أثارت انتباه روبرتسون، من بين كل الدراسات التي استشهدت فيها الواشنطن بوست، كانت دراسة تعود إلى عام 2018 شملت عينة صغيرة جداً كان معظمها يعاني من نتوءاتٍ عظمية، وليس أعراضاً مَرَضية؛ أي أنّ المرضى كان لديهم «قرون» كما تقول الصحيفة، ولكنهم لم يشعروا بها أو يدركوا ذلك من قبل. يقول روبرتسون: «هناك مبالغة كبيرة بالاعتماد على نتائج مثل هذه البحوث. في الواقع، لا تُسبّب هذه النتوءات العظمية أية مشاكل جدية، لذلك يجب علينا الاهتمام أكثر بشأن القيام بالأشياء التي تحافظ على جسمنا بدلاً من التركيز على كيفية إمساك الهاتف المحمول أثناء كتابة الرسائل النصية».
إذا كنت ما تزال قلقاً بشأن نمو قرونٍ على رأسك، فالحل هو التّحرُّك بين الحين والآخر وعدم البقاء في وضعية واحد، وإذا شعرت بالدهشة لعدم نمو قرونٍ لك بعد استخدامك هاتفك الذكي، يمكنك شراء زوجٍ بلاستيكي منها من متجر أمازون. توقف عن القلق.