هناك طرق لا تعدّ ولا تحصى يمكن للشخص من خلالها أن يُصاب بالسرطان، إلا أنّ تشابك الطرق البيولوجية المؤدّية إلى المرض يمكن أن يجعل من الصعب على الباحثين أن يطوروا علاجات لها. وقد قام العلماء بالفعل بالكثير من الدراسات حول تسلسل جينات الخلايا السرطانية. وقد زوّدهم ذلك بفكرة حول شكل الخلايا السرطانية وكيفية نموها بشكل مستمر. ولكن كان على العلماء أن يستكشفوا مصدر كل خلية لمعرفة مكان تلك الخلايا وما الذي يغذّيها.
وقد حاولت إحدى الدراسات التي نشرت يوم الخميس 27 يوليو في مجلة Cell أن تقوم بذلك تماماً. حيث حدّد الباحثون 760 جيناً تحتاجها الخلايا السرطانية للبقاء والتكاثر، ثم ترجموا تلك المعلومات إلى خريطة من شأنها أن تتتبّع ما تعتمد عليه الخلايا السرطانية لنموها. وعلى الرغم من أن الخريطة لم تكتمل بعد، إلا أن مؤلفي الدراسة يأملون بأن تساعد النتائج التي توصلوا إليها في توضيح من أين يمكن أن يبدأ الآخرون.
ويقول ويليام هان، وهو باحث في برنامج السرطان في معهد برود والمؤلف الرئيسي للدراسة: "لدينا الكثير من المعلومات حول تسلسل جينوم السرطان، ولكن هذا البحث يركز على وظيفة الجينات. ولم يتم إجراء ذلك من قبل، لأننا لم نكن نملك التقنيات اللازمة لإجراء التجارب على هذا النطاق".
وعندما تنمو الخلايا السرطانية، فإنها تعتمد على مجموعة من الطرق للقيام بذلك. وعندما تفشل إحدى هذه الطرق، تكتشف الخلية طريقة جديدة، ويتم ذلك غالباً عن طريق إعادة هيكلة آلية عمل الجينات الأخرى. وخلال إنشاء الخريطة، يحاول الباحثون أن يفهموا بشكل أفضل كيف تطوّر الخلايا هذه القدرة على التكيّف عند الطلب. إذ أن فهم ذلك يمكن أن يؤدي إلى إيجاد طرق أفضل لإيقافه. وتعدّ الخريطة التي قاموا بإنشائها عبارة عن مجموعة من هذه التكيّفات، أو ما يسميه الباحثون بـ "الاعتماد"، أي ما تعتمد عليه الخلايا لنموها وتطورها.
وخلال إنشاء الخريطة - والتي تمت إتاحتها لعامة الناس - قام هان وفريقه بتحديد بعض الخصائص الجديدة حول السرطان ككل. أولاً، يوجد 10 في المئة من مسارات الجينات التي تعتمد عليها الخلايا السرطانية في أنواع السرطان المتعددة، وهذا يعني إمكانية استخدام الطريقة التي تستهدف تلك المسارات ضد العديد من أنواع السرطان. ويعتمد حوالي 90 في المائة من كافة أنواع السرطان على جين واحد على الأقل من بين 76 جيناً للنمو. وهذا يعني بأن البحث في تلك الجينات يمكن أن يؤدي إلى أدوية جديدة تستهدف العديد من أنواع السرطان.
ويقول هان بأن هناك العديد من الطرق المختلفة لاستخدام "خريطة الاعتماد" الجديدة لإيجاد علاجات جديدة. ويضيف: "تتمثل إحدى الطرق بإيجاد جين أو هدف ضروري لبقاء نوع محدد من الورم والذي لم يتم اكتشافه عن طريق تسلسل الجينوم". وكما يقول، فهناك طريقة أخرى من خلال إيجاد وسائل لإعادة استخدام الأدوية المخصصة لنوع من السرطان لعلاج نوع آخر. وأخيراً، يقول بأن ذلك من شأنه أن يقدّم خارطة طريق لما تحتاجه الأدوية لتطويرها.
ويُذكر بأن هذا البحث هو مجرد مثال واحد على تبدّل علاج السرطان في القرن الحادي والعشرين، فبدلاً من استهداف الخلايا السرطانية بحدّ ذاتها (كما هو الحال مع العلاج الكيميائي)، فإن أساليب جديدة تعمل على تثبيط الحالات التي تسبب السرطان، وتُوقف النمو قبل أن يتفاقم الأمر.
ويقول هان بأنه لا يزال هناك بعض العمل لإتمامه. ويضيف: "يصعب تقدير ذلك، ولكننا على الأرجح بعيدون بنسبة 15 إلى 20 في المئة عن إكماله". ولكنهم يأملون بأن تكون هذه الخريطة نقطة انطلاق للباحثين حول العالم ليقوموا بالبناء عليها.