يصاب بعض الأشخاص بردّة فعل سلبية متمثلة في حالات انزعاج وغضب تجاه الأصوات الانتقائية مثل؛ مضغ الطعام، احتكاك المعادن، والتثاؤب، وربما التنفس، حيث تعرف ردة الفعل هذه باسم «الميسوفونيا»، أو «متلازمة حساسية الصوت الانتقائية». ونظراً لأن الحالة مجهولة للكثير من الناس، فإن المصابين بها يعانون في صمت، وربما يعتقد المصاب بها بأنه الشخص الوحيد في العالم المصاب بها.
«الميسوفونيا» بين الطب والمجتمعات الإلكترونية
مصطلح «Misophonia» يعني «الكراهية الشديدة للأصوات»، وهو مصطلح ظهر حديثاً نسبياً، وصاغه العلماء الأميركيون باول ومارجريت جاستريبوف في ورقة بحثية [1] نشرت عام 2001. يقدر العلماء سن البداية لظهور هذه الحالة ما بين 10 إلى 12 سنة، ويمكن أن يخلق الصوت المزعج لدى المصاب ألم شديد قد يجعله شديد الغضب والعدوانية؛ بهدف وقف الصوت المزعج أو الهروب منه بقدر الإمكان.
يعتبر الموقع البريطاني «Misophonia UK» من أبرز المبادرات التي كوّنت مجموعات دعم ومساندة المصابين بالميسوفونيا. تبنى الموقع حملات لإجراء مزيد من البحوث حول الحالة، ولكن في الوقت الحاضر لا يوجد علاج مكتشف فعال لهذه الحالة. كذلك موقع «Misophonia Association»، وهو بمثابة منظمة غير ربحية تأسست في عام 2013 في الولايات المتحدة الأميركية، وتضم أكثر من 1200 عضو، وتقدم قائمة بالأطباء الذين يمكنهم المساعدة لعلاج هذه الحالة الصحية، وتشجع المنظمة على إجراء البحوث العلمية لمحاولة فهم والكشف عن علاج للميسوفونيا.
اكتشاف متأخر لمرض مزعج
بدأت أخصائية السمع الأميركية «مارشا جونسون»؛ بملاحظة اضطراب الميسوفونيا من خلال عيادتها، وفي عام 1997 بدأت جمع حالات المصابين، وبحلول نهاية التسعينات كان لديها ما يقرب من 800 حالة. اعتمدت جونسون مصطلح «متلازمة حساسية الصوت الانتقائي»، باعتباره وصفاً أكثر دقة للأعراض التي يعاني منها العديد من المصابين بالميسوفونيا. ومن المحتمل أن يتم تشخيص المرضى الذين يعانون من رد فعل شديد للغاية على بعض الأصوات على أنهم مصابون بـ «رهاب الخوف».
يذكر أن فرط الاستجابة لبعض الأصوات عرض أساسي يعانيه المصابين بطيف التوحد؛ وهو ما يثير ردود فعل عصبية لديهم. كما أظهرت الدراسات -خاصة البحث المنشور حديثاً في دورية الصداع والألم-؛ وجود حساسية لدى سماع الأصوات وشمّ بعض الروائح لدى المصابين بالصداع النصفي (الشقيقة).
أبحاث: الميسوفونيا اضطراب نفسي منفصل
تحت عنوان «الميسوفونيا: معايير التشخيص لاضطراب نفسي جديد» نشرت ورقة بحثية في مجلة «بلس وان» البحثية جاء فيها أن المسيوفونيا حالة غير معروفة نسبياً، وحتى الآن لم يتم وصفها علمياً بدقة. ومن خلال العينة البحثية التي ضمت 42 مريضاً، تم رصد مجموعة من الأعراض التي أثارت حافزاً سمعياً أو مرئياً أدت إلى ردود أفعال مثل: الغضب، الاشمئزاز، وأحياناً تؤدي إلى رد فعل بدني شرس. تسببت شدة هذه المشاعر في الإصابة اللاحقة بهواجس وانعزال اجتماعي.
اقترحت الدراسة تصنيف الميسوفونيا على أنها اضطراب نفسي منفصل أي غير مقترن بعرض نفسي أخر، وهو ما يمكن أن يساعد تحديد المعايير التشخيصية لهذا الاضطراب، وبالتالي تحسين التعرف عليه من قبل مقدمي الرعاية الصحية المحترفين، وتشجيع البحث العلمي.
التشابه مع طنين الأذن
نشرت دراسة عام 2013 في دورية «فرونتيرز»؛ وهي ناشر أكاديمي للمجلات العلمية المفتوحة، لتؤكد أن الميسوفونيا حالة مزمنة غير مستكشفة نسبياً. تؤثر هذه الحالة على قدرة المصاب في إكمال المهام اليومية، والانخراط في تفاعلات اجتماعية صحية وطبيعية. ومن خلال تجربتين عمليتين قدمتها الورقة البحثية؛ تبيّن من التجربة الأولى أن الأصوات التي يصدرها الآخرين تزعج المريض، بينما لا ينزع إذا أصدر هو هذه الأصوات. وفي التجربة الثانية تم التوصل إلى أن الميسوفونيا هي اضطراب ينتج عنه تأثيرات ذاتية مستقلة لا تظهر في الحالات المتقدمة عادة الأفراد.
وربط الباحثان جاستريبوف وهازل بين كلًا من الميسوفونيا وطنين الأذن في بحثهما، ومع ذلك على الرغم من أوجه التشابه العامة هذه، قدرت الورقة البحثية وجود اختلاف بين الميسوفونيا عن طنين الأذن بشكلٍ كبير، لاسيّما من حيث كيفية توطين الحالة حول بعض الأصوات والحالات التي ينتجها الإنسان بدلاً من الأصوات المجردة داخلياً.
واعتبرت الدراسة المنشورة في دورية «نيتشر» البحثية أن مفهوم الميسوفونيا ما زال في بدايته، ولم يقبل بسهولة في المجتمع العلمي باعتباره اضطرابا منفصلاً. وطرح البحث تساؤلاً حول إمكانية اكتشاف أن الآليات العصبية البيولوجية قد يساعد على اعتبار الميسوفونيا اضطراب حقيقي أم لا، وهل المرضى الذين يعانون من أعراض حادة غير معترف بهم من قبل العديد من المتخصصين في الرعاية الصحية؟
العلاقة مع الوسواس القهري
في عام 2009 أحيل 3 مرضى إلى المركز الطبي الأكاديمي في أمستردام، حيث تم تشخيص إصابتهم على أنها اضطرابات الوسواس القهري، وكانوا مصابين بأعراض تمثلت في هواجس نتيجة سماع أصوات مثل؛ الضرب أو التنفس وما يتبع ذلك من قوة عدوانية وصراخ، أو هجوم على مصدر الصوت من أجل محاولة إيقافه.
ووجدت دراسة بحثية أن الأشخاص الذين لديهم هواجس نتيجة سماع أصوات لا تتوافق مع تشخيص اضطرابات الوسواس القهري المعروفة، وأشير إلى حالة القصور تلك باسم «الميسوفونيا». وخلال مدة تجاوزت العامين بقليل؛ بدأت التوعية بالميسوفونيا، وكانت النتيجة لجوء ما يقرب من 50 مريض إلى المركز الطبي الأكاديمي في أمستردام للعلاج منها.
رصدت نتائج الدراسة أن المحفّزات على الإصابة بالضيق والتوتر كانت جميع الأصوات التي ينتجها الإنسان، أما أصوات الحيوانات أو الأصوات الأخرى عادة لا تسبب الضيق، ولا حتى الأصوات التي يصنعها المرضى أنفسهم. نشأت الأعراض في 34 مريضاً عن طريق الأصوات المرتبطة بالأكل مثل مضغ الطعام. كما ذَكر 27 مريضاً أن التنفس بصوتٍ عال أو أصوات الأنف استفزازية، ولم يستطع 25 مريضاً تحمل صوت الكتابة على لوحة المفاتيح أو أصوات النقر بالقلم. كانت المحفزات سمعية في البداية، وتم توسيعها في بعض الأحيان لتشكل محفزات بصرية، وكانت الصورة مرتبطة مباشرة بالصوت مثل مشاهدة شخص آخر يأكل.
اقترحت الدراسة تحديد الميسوفونيا كاضطراب نفسي منفصل، وتشجيع البحث العلمي عنه، وهو ما اقترحته غالبية الدراسات المنشورة حول هذه الحالة المرضية.
بين الاعتراف والعلاج
جادل بعض الباحثين بأنه ينبغي اعتبار الميسوفونيا اضطراباً نفسياً جديداً، يقع في نطاق الاضطرابات المرتبطة بالوسواس القهري، واعترض باحثون آخرون على هذا الإدعاء، وقدمت هذه المقالة المنشورة في دورية «ساينس دايركت» دراسة نقدية حول الافتراض القائل؛ بأن الميسوفونيا يجب أن تصنف على أنها اضطراب عقلي جديد.
وحتى يقف المجتمع الطبي على مسمى واضح، يلجأ الأطباء حالياً إلى بعض العلاجات التي تستخدم للتخفيف من أعراض الميسوفونيا، والتي يرجح أنها قد تؤدي إلى تخفيف الحالة، مثل علاج طنين الأذن عبر التدريب «TRT»، وهو نمط علاجي يساعد على تخفيف حدة التوتر والعصبية. كما يوجد أيضاً العلاج السلوكي المعرفي «CBT»، والعلاج بالتنويم المغناطيسي العلاجي، وهي تخفف من أثر التعرض للأصوات المزعجة، لكن لا يوجد ما يمنع من حدوثها.
المصادر:
[Components of decreased sound tolerance : hyperacusis, misophonia, phonophobia. [1