يتجدد في شهر يناير من كل عام الحديث عن الدهون في مجلات الصحة واللياقة البدنية. وهذا العام، تبحث بوبيولار ساينس فيما وراء الارتباطات السلبية للمواد المغذية الكبرى (وهي مواد كيميائية يحتاجها الإنسان لكي يحيا وينمو): بماذا تفيد الدهون؟ وكيف نستخدمها كوسيلة للوصول إلى الفائدة المرجوة منها؟ وما الذي يحدث عند فقدانها؟
لم يبدأ النظام الغذائي المولد للكيتون كوسيلة لإنقاص الوزن، بل كان علاجاً للأطفال المصابين بالصرع – وهو أحد العلاجات القليلة الناجعة - وخاصة بالنسبة لأولئك الذين سبق وأن جربوا الأدوية التقليدية. ولكن الأمر أصبح مرتبطاً الآن بأولئك الذين يتطلعون إلى خسارة بعض الوزن دون التخلي عن تناول الزبدة.
ويذكر بأن حمية الكيتو - كما يسميها الأشخاص الذين يتبعون الحمية الغذائية - تستند إلى الحصول على معظم السعرات الحرارية من الدهون، وعلى بعضها من البروتين، وتقريباً لا شيء من الكربوهيدرات. إنها تعدّ أكثر شدة تقريباً من حمية أتكينز قليلة الكربوهيدرات، باستثناء أن حمية الكيتو نشأت أولاً. إذ أصبحت علاجاً للصرع في عشرينيات القرن الماضي، في حين أن دراسة إنقاص الوزن التي ألهمت الدكتور أتكينز لتأسيس حميته الغذائية منخفضة الكربوهيدرات لم تنشر حتى عام 1958.
ومن الواضح بأن فكرة تناول الدهون من أجل فقدان الدهون هي فكرة جذابة. إذ تعدّ الزيوت والدهون من المواد اللذيذة، ولذلك فإن الأشخاص الذين يريدون اتباع حمية غذائية في المستقبل لن يشعروا بأنها قد يضطرون إلى التضحية كثيراً. والجميع يعرف بأن الكربوهيدرات هي السيئة بكل الأحوال، أليس كذلك؟ وإذا كان الأمر قد بدأ كنظام غذائي موصوف طبياً، فلا بدّ أن يكون صحياً.
ولكن كما هو رأيك في معظم الحميات الغذائية الرائجة، فربما تكون أفكارك حول حمية الكيتو مستندة على أساس مفاهيم غامضة مصدرها بعض البرامج التلفزيونية. تميل التوجهات الغذائية إلى الاندفاع بسرعة نحو الشهرة وتسقط فجأة حتى قبل أن يتاح للعلم أن يدرسها. ولكن يجب أن ترى أبحاثاً قوية قبل الالتزام بطريقة جديدة كلياً من الأكل. لذلك سنقوم بسرد سريع حول ماهية حمية الكيتو، وفيما إذا كانت ناجعة بالفعل.
ما هي حمية الكيتو؟
النظام الغذائي المولد للكيتون الحقيقي يتطلب منك الحصول على 80-90٪ من سعراتك الحرارية من الدهون. ويجب عليك أيضاً أن تتناول حوالي غرام واحد من البروتين لكل كيلوغرام من وزن الجسم والحدّ من تناول الكربوهيدرات إلى 10-15 غراماً في اليوم. ويعدّ ذلك تحولاً كبيراً عن النظام الغذائي الأميركي التقليدي، والذي يأتي فيه نحو نصف السعرات الحرارية من الكربوهيدرات.
ولا يزال من غير الواضح تماماً سبب نجاح هذا النظام الغذائي في علاج الصرع، أو سبب كونه مفيداً على ما يبدو مع مجموعة متنوعة من الأمراض العصبية الأخرى، ولكنه ربما يرتبط مع التغيرات الكيميائية الحيوية التي ينتجها داخل الجسم.
يتزود جسمك بالطاقة في الأحوال العادية من الكربوهيدرات. إذ أن تفكيك السلاسل المعقدة من الكربون والهيدروجين إلى جزيئات أصغر حجماً هو الآلية التي يقوم الجسم من خلالها بتزويد كافة الأنسجة بالطاقة من عضلات الساق إلى المادة الدماغية. ولذلك فإن النظام الغذائي الصحي تماماً يمكن أن يحتوي على الكثير من الكربوهيدرات، لأنك بحاجة إليها. ما عليك إلا أن تحصل عليها بشكلها المعقد، مثل الكربوهيدرات في خبز الحبوب الكاملة، وليس بشكلها البسيط، مثل السكر والنشاء.
وعند التحول إلى نظام غذائي تغلب عليه الدهون تقريباً، فأنت تجبر جسمك على ما يعدّ في الأساس وضع الجوع. وعند حرمان الجسم من مصدر الطاقة الرئيسي، فإنه يتحول إلى عملية إفراط الكيتون، وهي تحدث عند تحويل مخازن الدهون إلى أجسام كيتونية. ويمكن أن تكون الكيتونات بديلاً عن بعض الجزيئات - مثل الجلوكوز – التي يحصل عليها جسمك عادة من الكربوهيدرات. وإن وجود أجسام كيتونية بدلاً من الجلوكوز في الدماغ قد يكون السبب في نجاح هذا النظام الغذائي مع الأشخاص المصابين بالصرع، كما أن تفكيك الدهون في الجسم هو ما يجعله جذاباً لكل الذين يريدون اتباع الحميات الغذائية هذه الأيام. فإذا كنت تتبع حمية الكيتو من أجل فقدان الوزن، فإن الفكرة هي بأنك تحاول إبقاء جسمك في حالة خفيفة من الجوع بشكل مستمر، بحيث تحرق الدهون في كل وقت.
إذن، هل تعدّ هذه الحمية ناجعة فعلاً؟
تعدّ حمية الكيتو ناجعة بالتأكيد لكثير من مرضى الصرع، ويلاحظ أيضاً الكثير من الأشخاص الذين يتبعون هذه الحمية الغذائية فقدان الوزن بشكل حقيقي. ولكن ليس من الواضح فيما إذا كان الانخفاض في دهون الجسم هو أمر دائم، أو أنه يحدث بسبب إفراط الكيتون بحد ذاته.
باختصار، فإن تناول الأطعمة التي تغلب عليها الدهون قد تبدو جذابة وحتى أسهل من حيث الاستمرار باتباع النظام الغذائي، ولكنها في الواقع صعبة جداً. إذ يحصل الشخص الأميركي بالمتوسط على ما يقرب من 45-65٪ من السعرات الحرارية من الكربوهيدرات. فقد يكون من السهل التوقف عن أكل منتجات المعكرونة والخبز، ولكن ماذا عن الفاكهة؟ إذ تتألف الفواكه بالكامل تقريباً من الكربوهيدرات، وتعدّ الألياف والسكريات المعقدة الموجودة في الفاكهة الطازجة مفيدة لنا. فإذا كان عليك تناول 15 غراماً من الكربوهيدرات بالحد الأقصى في اليوم، فيمكنك تحقيق كامل الحصة المطلوبة من خلال تناول تفاحة صغيرة واحدة. كل هذا يعني بأن التمسك بإرشادات حمية الكيتو هو أمر صعب حقاً. بل من الصعب جداً في الواقع، لدرجة أن الكثير من الأشخاص الذين يتبعون هذه الحمية لا يقومون باستيفاء متطلباتها فعلاً.
ويتلقى مرضى الصرع مساعدة من أخصائي التغذية الذي يقوم بتركيب نظام غذائي ويقترح خطط للوجبات الغذائية. ولكن معظم الناس الذي يريدون فقدان الوزن لا يتمتعون بهذه الميزة، ومن السهل التحول بالخطأ إلى نظام غذائي لا يؤدي في الواقع إلى إفراط الكيتون. إذ أن حساب السعرات الحرارية بدقة يعدّ تحدياً، وإذا كانت حساباتك غير دقيقة حتى لو قليلاً، فقد تصف لنفسك نظاماً غذائياً لا يضع جسمك في "وضع الجوع".
يعتقد خبراء التغذية الاختصاصيون بأن الكثير من فقدان الوزن الذي تلاحظه مع حمية الكيتو هو في الحقيقة مجرد انخفاض في السعرات الحرارية الإجمالية، وهو أمر شائع بين الأشخاص الجدد في اتباع الحمية. إذ يؤدي التفكير قبل أي شيء تأكله عادةً إلى انخفاض تناول الطعام بشكل عام، ولذلك يتم تناول كميات أقل من السعرات الحرارية على مدى شهر أو نحو ذلك. وهذا هو السبب نفسه في فقدان الوزن في بداية أي حمية غذائية تقريباً. والمشكلة هي أن معظم الناس لا يلتزمون بالخطة لأكثر من بضعة أشهر، وخاصة لأن الوزن يستقر عند اعتياد الجسم على الأكل الأقل. فمن دون فقدان الوزت المستمر للحفاظ على الدافع، فإن معظم الناس يعودون إلى العادات السيئة.
هل تعدّ حمية الكيتو صحية بالنسبة لك؟
لا على الأرجح، وخاصة على المدى الطويل. إذ أن تناول الدهون بنسبة 90٪ ليست بالأمر الجيد لصحة القلب، وعلى الرغم من أن الحدّ من الكربوهيدرات هو شيء إيجابي عموماً، إلا أن القيود الزائدة لحمية الكيتو تجعل من الصعب الحصول على العناصر الغذائية للحمية "المتوازنة". إذ عليك ألا تتناول أي فاكهة تقريباً، وفي حال لم تكن حذراً وتتناول الكثير من الخضار الورقية الخضراء، فأنت تحدّ من معظم مصادر الألياف وتفوّت بعض العناصر الغذائية الأساسية. يتطلب مرضى الصرع تخطيطاً دقيقاً للوجبات الغذائية للتأكد من أنهم يحصلون على كل ما يحتاجون إليه، ولكن الأشخاص الذين يتبعون الحمية الغذائية لا يفكرون بنفس الطريقة فيما يتعلق بطعامهم اليومي. فمن الصعب تصميم نظام غذائي متكامل عندما لا تكون متخصصاً بالتغذية.
كما أن حمية الكيتو قد لا تكون جيدة لعملية التمثيل الغذائي (الاستقلاب) أيضاً. إذ تبدو فكرة حرق الدهون في الجسم فكرة جيدة، ولكن عندما تتوقف عن إنتاج الجلوكوز وتتحول إلى أجسام الكيتون، فأنت أيضاً تقوم بإجهاد الكبد والكلى. فالجسم بأكمله يتزود بالطاقة بشكل طبيعي من الكربوهيدرات، والفوائد التي تحصل عليها من خفض الدهون في الجسم لن تتفوق بالضرورة على سلبيات تناول الدهون. وذكرت جمعية القلب الأميركية وجمعية التغذية الأميركية بأن الحميات الغذائية منخفضة الكربوهيدرات يمكن أن تكون خطيرة بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من أمراض القلب والأوعية الدموية أو مرض السكري، وخاصة إذا كانوا عرضة لارتفاع مستويات الدهون. إذاً، لم يتأكد بعد فيما إذا كانت حمية الكيتو مستحسنة للشخص العادي السليم، ولكن في أحسن الأحوال فإنها ستكون مفيدة إلى حدّ ما فقط.
ولسوء الحظ، فإن أفضل نصيحة غذائية لا تزال هي نفس النصيحة المملة التي تسمعها دائماً، ألا وهي أكل الكثير من الخضار والفواكه الغنية بالألوان، والحصول على ما يكفي من البروتين من مختلف المصادر، وعدم أكل الكثير من السكر. وعندما تريد الحصول على الكربوهيدرات، فقم بتناولها من الأطعمة الكاملة والحبوب التي من شأنها أن تحد من ارتفاع الأنسولين بعد وجبة الطعام. والحقيقة هي أنه من الصعب فقدان الوزن، وستكون أفضل حالاً على المدى الطويل إذا قررت اتباع نظام غذائي متوازن يمكنك الالتزام به. اترك حمية الكيتو للأشخاص الذين يحتاجونها، ولا تجعل حياتك كلها قائمة على الدهون.