تخيل – على سبيل المثال - غرف خلع الملابس في بطولة كرة القدم خلال إحدى المباريات الكبرى وبعدها، والتي تكون فوضوية ومليئة بالرياضيين الذين تفوح منهم رائحة العرق، وتكون هذه الرائحة على الأرجح كريهة بعض الشيء. فهل يجب أن يضيف الفريقان وضع المزيد من مزيلات رائحة العرق إلى إجراءاتهم قبل المباراة؟ أو أن يستغرقوا وقتاً أطول في الاستحمام؟ أم هل ينبغي عليهم أن يستسلموا ببساطة لتلك الرائحة الكريهة؟
كل من هذه الحلول يمكن أن تجعل من الأسهل تحمل الرائحة الكريهة، ولكن اتضح بأن هناك طريقة أفضل، وهي استبدال بكتيريا الإبط النتنة لإزالة رائحة الإبط الكريهة.
بالنسبة إلى كريس كاليويرت، فإن هذه ليست تجربة فكرية، بل هي من الأمور التي يبنى عليها العلم الحقيقي. ويُعرف هذا الزميل الباحث في أبحاث ما بعد الدكتوراه في مختبر نايت في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو باسم "دكتور الإبط"، وقد قضى العديد من السنوات وهو يستكشف كيفية إجراء عمليات زرع البكتيريا المتعايشة في الإبط مع نتائج واعدة.
وفي وقت سابق من حياته المهنية، انغمس كاليويرت فيما هية الإبط البشري، وتحديد أنواع البكتيريا التي تعطي الناس الرائحة الجذابة أو الكريهة تحت الإبط. واستخدم تحليل الحمض النووي لمعرفة سبب كراهة الرائحة التي تنبعث من البكتيريا المتعايشة في الإبط - أي الكائنات الدقيقة التي تعيش تحت أذرع البشر.
والآن، انتقل العالم المولود في بلجيكيا إلى دراسة الكيفية، وهو يعتقد بأنه قد اكتشف وسيلة للحد من رائحة الإبط الكريهة، وكذلك لإيقاف هذه الحفر النتنة على المدى الطويل. ويقول بأن الحل هو نقل البكتيريا المتعايشة في الإبط. ويضيف: "لقد رأينا نتائج شبه دائمة أو حتى دائمة."
ولا داعي للقلق، فليس هناك جراحة في عملية مبادلة البكتيريا المتعايشة في إبط أحد الأشخاص مع شخص آخر. وبدلاً من ذلك، فإن الإجراء ينطوي على عزل الميكروبات من شخص ذي رائحة إبط جذابة، ثم نقلها إلى تحت الإبطين للشخص ذي الرائحة السيئة. يمكنك أن تفكر فيها على أنها شكل أكثر قبولاً وأقل إثارة للاشمئزاز من فرك الإبطين معاً.
وقام كاليويرت وزملاؤه في المختبر بإعداد الآباط للأفراد ذوي القرابة (على الرغم من أن التجربة يمكن أن تنجح نظرياً مع الناس من غير ذوي القرابة، إلا أنه يقول بأنه من الأكثر احتمالاً أن تنجح مع أولئك الذين يتشاركون المواد الجينية). ويبدأ أحد الشخصين ذو الرائحة الأسوأ بالقضاء على البكتيريا الطبيعية المميزة المتعايشة في الإبط. وهذا يتضمن استخدام الصابون المضاد للبكتيريا والكحول واليود وغيرها من المواد المصممة لتطهير المنطقة من البكتيريا التي تصدر الرائحة الكريهة. وفي الوقت نفسه، فإن الشخص الثاني يتوقف عن غسل الإبطين، فيما يعدّ أساسا زراعة لكمية وفيرة من البكتيريا التي سوف يتبرع بها قريباً لقريبه ذي الرائحة الكريهة.
وفي يوم الزرع، يأخذ الباحثون البكتيريا من الشخص المانح بواسطة مسحة من القطن، ويضعونها في الماء المالح، وينقلونها إلى إبط الشخص المستقبل. ثم يقومون بتضميد إبطي المتلقي ويخبرونه بعدم غسل الإبطين لمدة أسبوع كامل.
وبحلول ذلك الوقت، تكون عملية الزرع قد اكتملت. وفي 16 حالة من أصل 18 حالة حتى الآن، نالت رائحة الإبط عند الأشخاص المتلقين رضا لجنة مكونة من ثمانية أشخاص وتقوم بفحص الرائحة. كما أظهروا تغيرات في طبق بتري أيضاً، عندما تم زراعة البكتيريا الجديدة. إذ يكون للإبط الجديد الأفضل رائحةً تنوع ميكروبي أقل - تنوع البكتيريا هو أمر جيد في أمعاءك، ولكن تنوعها في الإبط عادة ما يعني بأنها غير مناسبة - ومعدل أعلى من المكورات العنقودية (الأشخاص الذين تتواجد لديهم البكتيريا الوتدية بشكل أكبر من العنقودية في الإبط، يميلون لإنتاج رائحة أسوأ). وبالنسبة للغالبية العظمى من المرضى، فقد استمرت النتائج لفترة تتراوح من أسابيع إلى أشهر.
ويُذكر بأن زرع البكتيريا تحت الإبط ليست بهدف التسلية والمتعة تماماً، فبالنسبة إلى كاليويرت - والذي بدأ بالاهتمام بالإبطين عندما لاحظ رائحة جسمه - فإنها فرصة لتحسين حياة الناس الذين يعانون من رائحة عرق الإبط أو رائحة الجسم غير الطبيعية. ويقول: "للأمر تأثير نفسي كبير جداً. فالناس يتركون وظائفهم أو مدارسهم أو يخسرون علاقاتهم أو لا يجرؤون على الخروج. إنه عائق كبير في حياة الناس، وليس هناك حل حقيقي لذلك".
وتشير دراسة كاليويرت المكثفة للإبطين بأنه من الممكن تحسين الروائح الكريهة، وهو يعمل حالياً على تطوير رذاذ ميكروبي جاهز للاستخدام والذي يمكن أن يساعد الناس يوماً ما على ضبط توازن الميكروبات دون الخضوع لعملية زرع كاملة.
ولكن أبحاثه تشير أيضاً إلى أنه من الممكن جعل رائحة شخص ما أسوأ أيضاً. فإذا أراد فريقا كرة القدم جعل غرف خلع الملابس الخاصة ببعضهم البعض ذات رائحة أسوأ، فيمكنهم رمي زي الفريق الآخر في غسالة مليئة بملابس شخص ذي رائحة كريهة، أو تناول المزيد من الدهون في أطباقهم لزيادة الشحوم في أجسامهم، والتي تؤثر على رائحة الإبط. ويمكنهم أيضاً أن يشجعوا الفريق الآخر على استخدام مضادات التعرق المحتوية على الألمنيوم، والتي تقتل البكتيريا وتترك المجال في الإبطين أمام مستعمرات جديدة من الميكروبات المتنوعة ذات الرائحة الكريهة. فالحفاظ على التوازن هو الأساس في تجنب الرائحة الكريهة.
ويقول كاليويرت: "يتعلق الأمر برمته بالكثرة النسبية، وبمن سيفوز في المواجهة."