«هل تعاني من الحساسية تجاه أية أدوية؟» ذلك السؤال الذي أجبتُ عليه عشرات المرات منذ أن واجهت في طفولتي حادثة تحسس تجاه البنسلين؛ وهو مضاد حيوي يُستخدم في علاج حالات العدوى البسيطة؛ مما أدى في حينها إلى ظهور اندفاعات جلدية حاكّة في مختلف أنحاء جسمي. كلُما طُرح عليّ هذا السؤال كُنت أجيب عليه بالإيجاب فوراً، وأشير بأصابع اتهامي نحو المضاد الحيوي الشائع؛ إلا أنني أدركت مؤخراً بأن ذلك التشخيص قد يكون خاطئاً، فالحساسية تجاه البنسلين قد تتلاشى بمرور الوقت، وهي حقيقة يدركها الباحثون منذ زمنٍ بعيد؛ إلا أن كثيراً من الأطباء يجهلون ذلك، ولعله السبب الذي حال دون أن يطلب طبيبي مني إجراء اختبار رسمي للتأكد من حساسيتي تجاه البنسلين.
ما المشكلة في الحساسية تجاه البنسلين؟
إذا كان الشخص يعاني من الحساسية تجاه البنسلين، وتناول جرعةً من هذا المضاد الحيوي، فقد يعاني من اندفاعات جلدية، أو تورم، أو وزيز تنفسي، أو صعوبة في التنفس، وفي أسوأ الحالات قد يواجه مجموعة من الأعراض المُهددة للحياة التي يُطلق عليها اسم الصدمة التأقية. باختصار؛ الحساسية تجاه البنسلين هي تجربة قاسية لا يمكن لأحد أن يرغب بتكرارها، ولذا فإن كثيراً من الأطباء لا يراجعون المريض عندما يخبرهم بأنه يتحسس تجاه البنسلين، ويأخذون كلامه على أنه حقيقة مسلّم بها.
تُشير التقارير إلى أن حوالي 10% من الأميركيين يُبلغون أطباءهم بأنهم يعانون من التحسس تجاه البنسلين؛ إلا أن العديد من الدراسات أشارت إلى أن النسبة الحقيقية قد تكون أقل من ذلك بكثير - بحيث لا تتجاوز 1% فقط. لا يعني ذلك بأن المرضى يكذبون، وإنما هم لا يدركون بأن الحساسية تجاه البنسلين يمكن أن تتلاشى مع مرور الوقت؛ إذ تُشير الدراسات إلى أن حوالي 80% من الأشخاص الذي تحسسوا تجاه البنسلين في مرحلةٍ ما من حياتهم تتلاشى الحساسية لديهم في غضون 10 سنوات من ذلك.
بأية حال؛ سواءً كنت تتحسس تجاه البنسلين أم لا، فإن تجنب البنسلين لن يفسد عليك حياتك. على سبيل المثال، إذا أُصبت بالتهاب حلق، فلن يصف الطبيب لك البنسلين، وإنما سيصف مضاداً حيوياً آخر بديلاً عنه، وغالباً ما سيكون مضاداً حيوياً واسع الطيف؛ ما يعني بأنه قادرٌ على علاج العديد من حالات العدوى البكتيرية؛ إلا أن ذلك المضاد الحيوي سيكون أغلى ثمناً، وقد يترك آثاراً جانبيةً أكثر من البنسلين، والنقطة الأهم أن الإفراط في تناول المضادات الحيوية واسعة الطيف من شأنه أن يُسهم في تطور مناعة لدى البكتريا تجاهها وظهور أجيال جديدة منها لا تتأثر بها.
والحل لهذه المعضلة بسيط للغاية: إذا أفاد مريض عن أنه يعاني من الحساسية تجاه البنسلين، وأن آخر مرة تناول فيها البنسلين كانت منذ 10 أعوام، فينبغي على طبيبه أن يُخضعه لاختبار الحساسية تجاه البنسلين؛ وهو اختبار جلدي بسيط يقوم الطبيب فيه بتخريش منطقة صغيرة من جلد المريض ويضع فوقها كميةً قليلةً من البنسلين، أو يقوم بحقن قطرة من المادة الدوائية ضمن الجلد. إذا ظهرت بقعة حمراء حاكة، فيعني ذلك أن المريض يتحسس تجاه البنسلين، أما إذا لم يتغير مظهر البشرة، فيعني ذلك أن بإمكان الطبيب أن ينتقل إلى الخطوة التالية؛ وهي إجراء اختبار التحدي المتدرج؛ حيث يقوم الطبيب بإعطاء جرعات منخفضة من البنسلين تزداد تدريجياً، مع مراقبة العلامات والأعراض التي تظهر على المريض.
أما بالنسبة لي، وعلى الرغم من بساطة هذا الاختبار؛ إلا أن أحداً من الأطباء لم يُرشدني إلى إجرائه، وبحسب دراسة حديثة جرى نشرها في مجلة حوليات الحساسية والربو والمناعة، فلست الوحيد في هذا الصدد.
فقد قام الباحثون بسؤال 276 عاملاً في حقل الرعاية الطبية (أطباء، مساعدي أطباء، ممرضات، صيادلة؛ وجميعهم يعملون في أحد المشافي الأميركية الكبرى) حول الحساسية تجاه البنسلين. أشارت النتائج إلى أن 58% منهم لا يعلمون بأن الحساسية تجاه البنسلين قد تتلاشى بمرور الوقت، وأن 20% فقط منهم تمكنوا من تحديد المرضى الذين يجب أن يُجرى لهم اختبار جلدي للتحري عن الحساسية تجاه البنسلين، كما أشارت نتائج الدراسة إلى أن 80% من الأطباء العامين لم يسبق لهم أبداً أن طلبوا من أحد المرضى إجراء اختبار للتحسس تجاه البنسلين.
يُذكر بأن الصيادلة كانوا الأكثر إدراكاً لحقيقة أن الحساسية تجاه البنسلين يمكن أن تتلاشى مع مرور الوقت (بنسبة 78% منهم)؛ ولكن بما أن الصيادلة يعتمدون غالباً على وصفات الأطباء لصرف الأدوية، ومعظمهم أطباء عامون، فقد لا يعود ذلك بفائدة كبيرة على المرضى.
يقول مُعدو الدراسة: "بشكل عام؛ وبغض النظر عن اختصاص مزود الرعاية الصحية، فهناك سوء فهم كبير فيما يتعلق بمعدلات تحمل البنسلين عند الأشخاص الذين أفادوا عن حساسيتهم تجاه هذه المادة". وعلى الرغم من أن الدراسة لم تشمل سوى مستشفىً واحداً؛ إلا أن نتائجها قد تنطبق أيضاً على العديد من مزودي الرعاية الصحية في معظم المستشفيات حول العالم.
خلاصة القول؛ إذا كنت تعتقد بأنك مُصاب بالحساسية تجاه البنسلين، وسألك الطبيب عن هذا الأمر، فخذ بعين الاعتبار إجراء اختبار للحساسية تجاه البنسلين بدل أن تجيبه بشكل فوري.
اقرأ أيضاً: الحساسية: ما هي؟ وما أسبابها وأنواعها؟
ما معنى حساسية البنسلين؟
حساسية البنسلين هي رد فعل غير طبيعي للجهاز المناعي تجاه البنسلين؛ وهو مضاد حيوي، يوصف لعلاج الالتهابات البكتيرية المختلفة. تُسبب حساسية البنسلين ظهور طفح جلدي وحكة، وقد تصل إلى حالة الحساسية المفرطة التي تسبب خللاً وظيفيّاً في أجهزة الجسم.
ما هي أعراض حساسية البنسلين؟
غالباً ما تظهر أعراض حساسية البنسلين خلال ساعة من تناول الدواء، ونادراً ما تظهر بعد ساعات أو أيام أو أسابيع. تشمل الأعراض الطفح الجلدي والقشعريرة والحكة والحمى وضيق في التنفس وسيلان الأنف والعيون الدامعة، وفي حال الحساسية المفرطة يحدث ما يشبه الشد في المسالك الهوائية والحلق؛ مما يسبب صعوبةً في التنفس، والغثيان أو تقلصات البطن، والإقياء أو الإسهال، والدوار، وتسرّع نبض القلب وانخفاض ضغط الدم، ويصل في النهاية إلى فقدان الوعي.
شاهد فيديو: قصة اكتشاف البنسلين
كيف أعرف حساسية البنسلين؟
يجب إجراء اختبارات التحسس، ولها نوعان؛ الأول هو اختبار الجلد ويتم بحقن قطرة صغيرة من البنسلين تحت الجلد، سيؤدي رد الفعل الإيجابي للاختبار إلى ظهور نتوء أحمر مرتفع ومثير للحكة، أما النوع الثاني هو اختبار التحدي المتدرج. في هذا الإجراء، يبدأ الطبيب بإعطاء جرعة صغيرة من البنسلين، ثم تزداد تدريجياً وصولاً إلى الجرعة المطلوبة، وإذا لم يُظهر الجسم أي رد فعل؛ هذا يعني عدم الإصابة بحساسية البنسلين.
ما هو علاج حساسية البنسلين؟
يتضمن العلاج، علاج أعراض الحساسية الحالية وإزالة التحسس الدوائي. لعلاج أعراض الحساسية؛ ابدأ بالتوقف عن تناول الدواء، ثم يعطي الطبيب مضادات الهيستامين التي يمكن أن توقف نشاط المواد الكيميائية في الجهاز المناعي المسببة لتفاعل الحساسية، ويمكن إعطاء الستيرويدات القشرية لعلاج الالتهاب المرتبط بتفاعلات أكثر خطورة.
أما علاج الحساسية المفرطة يتطلب حقنة إبينفرين فورية بالإضافة إلى رعاية المستشفى للحفاظ على ضغط الدم ودعم التنفس.
هل يتعارض لقاح كورونا مع حساسية البنسلين؟
حسب ما ورد عن جامعة فاندربيلت الأميركية؛ يمكن لمن يعاني من حساسية البنسلين تلقي لقاح فايزر، ولا خطر عليه من ذلك.
اقرأ أيضاً: ماهي الأدوية الأفضل للحساسية؟