يتناول ملايين الناس أنواع من الطعام ذات الآثار السيئة على صحتهم، وعلى الأرض أيضاً. تغيير الأنظمة الغذائية التي يتبعونها ربما يكون له تأثيرات إيجابية على صحتهم، ويمكن أن يقلل من غازات الدفيئة أيضاً. لكن السؤال المطروح هو: كيف يمكن فعل هذا؟
حاول الباحثون تحديد الآثار المحتملة للتحول إلى أنظمة غذائية نباتية على مدار سنين عديدة. وقد أظهرت أبحاثهم أن نتائج الانتقال إلى أنظمة غذائية نباتية تختلف بين الدول المتقدمة حيث الغذاء وافر، والدول التي تعاني من نقص مزمن في الغذاء. في تحليل نشر حديثاً في دورية «جلوبال إنفيرونمنت تشاينج»؛ أظهر باحثون من كلية جونز هوبكنز بلومبرج للصحة العامة مجموعة من التناقضات على مستوى كل بلد على حدة.
اكتشف الباحثون أن إحداث تغييرات طفيفة على النظام الغذائي، مثل تخصيص يوم واحد فقط لتناول اللحم أسبوعياً، أو تقليل كميات اللحوم الحمراء المستهلكة، لم يكن لها نفس التأثير المنشود في جميع أنحاء العالم. في الواقع، كانت النتائج عكسية، إذ زادت بصمة الكربون في العديد من الدول؛ نظراً لأن استهلاك السعرات الحرارية من قبل السكان كان في الأصل قليلاً.
قد يبدو هذا الرسم البياني بسيطاً، لكن النموذج الذي يستند إليه شديد التعقيد. لتقدير تأثير أنظمة غذائية مختلفة على انبعاثات غازات الدفيئة، كان على الباحثين أولاً تحديد بصمة الكربون المرجعية المقابلة للنظام الغذائي العام المتبع في كل بلد. ثم عدلوا تلك القيمة المرجعية بحيث تتضمن الحد الأعلى لاستهلاك الطاقة الموصى به للبالغين، والذي يبلغ 2300 سعرة حرارية يومياً. قاموا أيضاً بزيادة كمية البروتين المستهلك إلى 69 جرام في اليوم حسب متطلبات كل حالة، وعوضوا السعرات الحرارية الناقصة لتحقيق حد استهلاك الطاقة الموصى به.
أدى هذا التعديل إلى زيادة إجمالي الغذاء المستهلك -خاصة استهلاك البروتين-، مما أسهم في زيادة مقدار الانبعاثات وأثر على السيناريوهات المختلفة التي وضعها الباحثون. على سبيل المثال، عندما قاس الفريق تأثير تقليل استهلاك اللحوم الحمراء على الكوكب، أدركوا أن تلك التعديلات الطفيفة لا تحقق فائدة كبيرة ويرجع ذلك أساساً إلى انبعاثات الميثان الصادرة من الأبقار. كم أن لا تسهم الثدييات العاشبة لا تسهم في تلويث الكوكب فقط، بل تستهلك كثيراً من الغذاء.
اقرأ أيضا: كيف تؤثر التضاريس على المناخ؟
لهذا السبب، فالأنظمة الغذائية المسؤولة عن تقليل انبعاثات الكربون لا تحتوي على لحوم الأبقار والخنازير والأغنام والماعز. وحسب قول الباحثين؛ فأكثر الأنظمة فعالية هو نظام التغذية النباتية الكلّي الذي يستبدل النباتات باللحوم، والنظام الغذائي المعتمد على حيوانات توجد أسفل السلسلة الغذائية، والذي تستبدل فيه الحشرات والأسماك العلفية والرخويات باللحوم الحمراء. لا تتطلب الحيوانات أسفل السلسلة الغذائية موارد كثيرة، لذلك تظل انبعاثاتها الصافية من ثاني أوكسيد الكربون منخفضة عموماً.
تبين الدراسة أيضاً أن اتباع نظام التغذية النباتية الكلّي بشكل جزئي، بحيث تحتوي وجبة واحدة فقط يومياً على اللحوم، هو ثالث أفضل خيار، يليه النظام الغذائي النباتي المعتمد على الأسماك. بعد ذلك، يأتي النظام الغذائي الخالي من الألبان، وتأثيره يماثل تأثير النظام الغذائي الخالي من اللحوم الحمراء، وهذا ليس مفاجأة لأن معظم منتجات الألبان مصدرها الأبقار. اتباع نظام غذائي يحتوي على منتجات الألبان والبيض ليس نظاماً فعالاً، لكنه أفضل بكثير من اتباع نظام غذائي يحتوي على كميات قليلة من اللحوم الحمراء.
لجعل الأمر أكثر تعقيداً، ألقى الباحثون نظرة على كفاءة كل بلد في ما يخص انبعاثات الكربون، ذلك أن طريقة الزراعة لها تأثير هائل على البيئة. إذا أخذنا إنتاج لحوم البقر كمثال، يوضح الباحثون أن انبعاثات الكربون الصادرة عن إنتاج كيلوجرام واحد من لحم البقر في باراجواي؛ أعلى 17 مرة من الانبعاثات المصاحبة لهذه العملية في الدنمارك. يرجع هذا لاختلاف الممارسات الزراعية بين البلدين. في باراجواي وشيلي ونيكاراجوا وتايلاند (إلى حد ما)، تنجم معظم الانبعاثات عن إزالة الغابات على نطاق واسع لتهيئة المراعي. على الجانب الآخر، تطبق البلدان التي تحتل موقعاً أدنى في هذا المخطط ممارسات للرعاية الصحية. تُمكن النظم الغذائية الجيدة الأبقار من تحويل الطعام إلى عضلات بصورة أكثر فاعلية، مما يؤدي إلى خفض حجم انبعاثات الميثان وثاني أكسيد الكربون المرافقة لإنتاج كل كيلوجرام من اللحم.
علاوة على اختلاف طرق الزراعة والأنظمة الغذائية المتبعة، يختلف تأثير اختيارات الفرد الغذائية على انبعاثات غازات الدفيئة حسب البلد الذي يعيش فيه.
في البلدان حيث نسبة انبعاثات الغازات الدفيئة مرتفعة، يكون تأثير أنظمة غذائية مثل النظام الغذائي النباتي الصرف والنظام الغذائي المعتمد على حيوانات توجد أسفل السلسلة الغذائية إيجابياً، لكن في بلدان أخرى، خلص الباحثون إلى أن بعض التعديلات سيكون تأثيرها أكبر من غيرها. على سبيل المثال، في الهند، استهلاك لحم البقر منخفض، وبالتالي لن يكون لتقليل استهلاك اللحوم الحمراء تأثير يذكر. لكن تقليل استهلاكها في البرازيل، والتي تحظى لحوم البقر فيها بشعبية كبيرة؛ وتؤدي في الوقت نفسه إلى رفع نسبة انبعاثات الكربون، سيكون لاتباع هذا النظام الغذائي له تأثير كبير. تنطبق هذه النتائج على البلدان التي ترتفع فيها نسبة انبعاثات الغازات الدفيئة، لكن ثمة اختلافات أخرى بينها.
اقرأ أيضا: هل تضر السيارات الكهربائية بالمناخ؟
يؤدي اتباع أنظمة غذائية قليلة اللحوم أو أنظمة خالية من اللحوم الحمراء في بعض البلدان إلى زيادة الانبعاثات، ويرجع هذا عموماً إلى واقع أن كثيراً من سكان العالم ليس في استطاعتهم استهلاك أغذية غنية بالبروتين، أو أي طعام على الإطلاق. كانت مستويات البروتين المرجعية أقل من المستويات الموصى بها في 49% من البلدان التي شملتها الدراسة، في حين لم يستوفي 36% من البلدان مقدار السعرات الحرارية الموصى به. للوصول إلى مستويات البروتين والطاقة الموصى بها، ستحتاج البلدان ذات الكثافة السكانية المرتفعة والتي يعاني سكانها من نقص التغذية إلى إنتاج الغذاء بوفرة، الأمر الذي يصاحبه، بالضرورة، زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة.
على العموم، لاحظ الباحثون أن النظام الغذائي النباتي الكلي، والنظام الغذائي المعتمد على حيوانات توجد أسفل السلسلة الغذائية؛ هي أفضل النظم التي ينبغي على البلدان تبنيها، على الرغم من أن اتباع نظام غذائي نباتي بشكل جزئي خفض من نسبة الانبعاثات.
كل هذا يجعل التوصية باتباع نظام غذائي عالمي واحد تحدياً هائلاً. من شأن الأنظمة الغذائية النباتية الكلّية، والأنظمة الغذائية المعتمدة على حيوانات توجد أسفل السلسلة الغذائية؛ أن تساعد على حل الكثير من القضايا المتعلقة بالتغذية، والسمنة، والتغير المناخي، لكن كل بلد يقترب من تحقيق هذا الهدف بطرق مختلفة للغاية. سيتعين على بعض البلدان توفير المزيد من الغذاء للسكان، بينما ينبغي على بلدان أخرى التركيز على خفض آثار بصمتها الكربونية، وإحداث تحولات غذائية مهمة. تحقيق هذا ليس بالأمر اليسير، لكن فهم المشكلة من خلال دراسات مفصلة مماثلة هو الخطوة الأولى.
اقرأ أيضا: كيف يمكنك المساهمة في إيقاف التغير المناخي