هل سيُستخدم رذاذ الإنسولين في المستقبل من أجل كبح الشهية للطعام؟

3 دقائق

يعتمد الكثير من مرضى السكري على حقن الإنسولين لضبط مستويات سكر الدم لديهم. ولكن، بعد قرن تقريباً من بدء استخدام الإنسولين في علاج السكري، يبدو بأن هذا الهرمون قد جذب اهتمام فئة جديدة من الأشخاص من غير المصابين بالسكري.

فبحسب دراسة حديثة جرى نشرها مؤخراً في مجلة الطبيعة – الاتصالات، فقد يكون بوسع الأشخاص غير المصابين بالسكري استخدام الإنسولين بشكل بخاخ أنفي كمانع للشهية قُبيل البدء بتناول الطعام.

وعلى الرغم من أن الحديث عن ذلك لا يزال مبكراً، إلا أن نتائج الدراسة أظهرت بأن الإنسولين لا يتوسط فقط في العملية الاستقلابية الهادفة لتنظيم استهلاك الطاقة في الجسم، وإنما يؤثر أيضاً في رغبة الشخص بتناول الطعام دون أن يكون جائعاً بالضرورة، وذلك بحسب ما أفادت به مُعدة الدراسة ستيفاني براسِن، اختصاصية العلوم العصبية في مركز الطب الجامعي هامبورغ-إيبندروف.

اشتملت الدراسة على 48 متطوعاً: 28 منهم يتمتعون بحساسية طبيعية تجاه الإنسولين (غير مصابين بالسكري)، في حين أن 20 منهم لا تستجيب خلايا أجسامهم للإنسولين بشكل طبيعي، وهي الحالة التي تُعرف باسم مقاومة الإنسولين (السكري من النمط الثاني). طلب الباحثون من كل مشارك تقييم مجموعة من العناصر الطعامية وغير الطعامية في أثناء وجوده ضمن جهاز للتصوير بالرنين المغناطيسي. قام الباحثون بتكرار التجربة مرتين بفاصل زمني مقداره أسبوع. التزم المشاركون بالصيام لمدة 10 ساعات (طوال الليل) قبل إجراء التجربة، وذلك لإثارة شهيتهم للطعام لدى رؤية صوره. ثم طُلب من المشاركين استنشاق 8 بخات من رذاذ الإنسولين أو رذاذ سائل غير فعال (دواء وهمي). وبعد نصف ساعة من استنشاق الرذاذ، أي عند وصول تأثير الإنسولين إلى الدماغ، قام المشاركون بتقييم شهيتهم لمجموعة متنوعة من المواد الطعامية وغير الطعامية على مقياس من أربع درجات. كما جرى تصوير الدماغ في أثناء ذلك لتحديد المناطق النشطة فيه.

وجد الباحثون بأن الأشخاص الذين يتمتعون بحساسية طبيعية تجاه الإنسولين قد تراجع إعجابهم بصور الأطعمة بنسبة 5% بعد استنشاق رذاذ الإنسولين، وذلك بالمقارنة مع استنشاق الرذاذ الوهمي. وقد بلغت نسبة التراجع 27% في بعض الحالات. وقد أظهرت صور الدماغ نتائج مماثلة.

وتعتقد براسن بأن هذه هي المرة الأولى التي تجري فيها دراسة التأثير المباشر للإنسولين على السلوك البشري ومسارات المكافأة في الدماغ. ففي الحالة الطبيعية تُحفز الصور الشهية للأطعمة مسارات المكافأة في الدماغ على تحرير الناقل العصبي دوبامين، والذي يزيد من شهية الشخص للطعام وبالتالي الإقبال على تناوله.

إلا أن الباحثين أشاروا إلى أنه قد يكون بوسعهم تخفيف تلك الشهية للطعام عن طريق ضخ المزيد من الإنسولين نحو الدماغ، مما يؤدي إلى تعطيل آلية الاتصال بين الخلايا العصبية المسؤولة عن تناقل الشعور بالشهية للطعام ولذته، تماماً كما لو أصبحت الخلايا خرساء أو صماء. ومع وصول الإنسولين إلى جميع الخلايا في مسالك المكافأة في الدماغ، يواجه الدوبامين صعوبة في الوصول إلى الخلايا وتحفيزها على التقاطه وتمريره إلى الخلايا المجاورة. بمعنى آخر، يتحول صراخ الخلايا إلى همس غير مجدٍ.

وقد أشار الباحثون إلى أن رذاذ الإنسولين لم يترك نفس الأثر على أدمغة المشاركين الذين يعانون من مقاومة تجاه الإنسولين، وهي الحالة التي تؤدي إلى ارتفاع مستوى سكر الدم أو السكري من النمط الثاني. يمكن لهذه الحالة أن تنجم عن الإفراط في تناول الطعام، أو بسبب التقدم في السن. بالنسبة لهؤلاء المشاركين كانت نتائج الدراسة أقل وضوحاً، وفي حالات محدودة وجد الباحثون بأن المشاركين أصبحوا أكثر إقبالاً على الطعام بعد التعرض لرذاذ الإنسولين.

تقول براسن إنه من غير الواضح تماماً ما سبب ذلك. ربما بسبب أن الإنسولين أقل تأثيراً في خلايا هؤلاء المشاركين، مما يجعل تحرير الدوبامين أمراً أكثر صعوبة. ولكن عند معظم هؤلاء تكون المقاومة تجاه الإنسولين أمراً قابلاً للعكس. ولذا يعكف فريق البحث على تحري ما إذا كان الالتزام بحمية منخفضة السعرات الحرارية لمدة 3 أشهر قد تساعد على استعادة الإنسولين لفعاليته، وبالتالي يصبح رذاذ الإنسولين فعالاً في كبح الشهية.

وفي معرض التعليق على نتائج الدراسة، يقول مانفريد هولشميد، اختصاصي الطب النفسي السريري بمعهد الطب النفسي والبيولوجيا العصبية السلوكية بجامعة توبنجن الألمانية: "أعتقد أنه سيكون أمراً عظيماً فيما لو استطعنا التغلب على مقاومة الخلايا الدماغية للإنسولين". ويقترح هولشميد إعادة إجراء التجربة باستخدام جرعات أعلى من الإنسولين أو مع استخدام عناصر مُحسسة للإنسولين تساعد على التغلب على المقاومة الذاتية تجاه الإنسولين (عند الأشخاص الذين يعانون من السكري من النمط الثاني).

من الجدير بالذكر أن اختيار الإرذاذ الأنفي لم يكن بسبب سهولة إعطائه للمشاركين، وإنما لأنها الطريقة الأفضل لإيصال تلك المادة إلى الدماغ في ظروف التجربة. ففي دراسات سابقة، قام الباحثون بحقن الهرمون بشكل مباشر في أدمغة الحيوانات، إلا أن هذه الطريقة غير مناسبة عند البشر.

ويجب التنويه إلى أن حقن الإنسولين في أي مكان آخر من الجسم لن يكون مجدياً لسببين: الأول أنه قد يؤدي إلى هبوط مفاجئ في مستوى سكر الدم لدى المشارك، والثاني أنه من الصعب دفع الهرمون لتجاوز الحاجز الدموي الدماغي. إذ يعمل هذا الحاجز على منع المواد غير المرغوبة من الدخول إلى الدماغ، وُيشكل عقبة كبيرة أمام المواد ذات الحجم الجزيئي الكبير مثل الإنسولين للوصول إلى الدماغ. يُذكر بأنه حتى سبعينيات القرن الماضي لم يدرك العلماء وجود تراكيز من الإنسولين تتجول حول الدماغ. ولكن باستخدام الرذاذ الأنفي تمكن الباحثون من تجاوز جميع العقبات وإرسال الإنسولين مباشرةً إلى الجهاز العصبي المركزي من خلال العصب الشمي.

وهذه ليست المرة الأولى التي يتمكن فيها العلماء من الالتفاف على الحاجز الدماغي الدموي وإيصال الإنسولين إلى داخل الدماغ. إذ يعكف باحثون حالياً على تحري ما إذا كان رذاذ الإنسولين سيعود بالفائدة أيضاً على مرضى ألزهايمر. إذ تمتلك الخلايا العصبية في العديد من مناطق الدماغ، مثل منطقة الذاكرة والإدراك، مستقبلات للإنسولين. وبالتالي قد يكون من الممكن يوماً ما استخدام رذاذ الإنسولين لكبح الشهية غير الطبيعية تجاه الطعام، وقد يساعد أيضاً على تجنب فقدان الذاكرة الذي يترافق مع التقدم في العمر.

المحتوى محمي