هل يمكن أن يقتلنا التوتر بالمعنى الحرفي للكلمة؟

3 دقائق

الشدة النفسية المزمنة لها عواقب سلبية


تنشأ الشدة النفسية المزمنة من عدة ظروف وعوامل، مثل الفقر، وتجارب الزواج الفاشلة، والأمراض المزمنة. ويمكن لتداعيات الشدة النفسية، مثل زيادة مستويات الكورتيزول وزيادة مستوى الالتهاب، أن تُنهك أجسام المصابين بها، سواءً على المستوى الخلوي أو على مستوى الأجهزة البيولوجية الرئيسية.

على مستوى الجهاز العصبي

تؤدي التجارب الحياتية والظروف الاجتماعية إلى إحداث تغيرات بنيوية في الدماغ. ويُلاحظ ذلك بشكل أعظمي في سنوات الطفولة، عندما تكون البنى العصبية الرئيسية في الدماغ لا تزال في طول النمو، مثل منطقة اللوزة المسؤولة عن مركز الهروب أو المواجهة. ويمكن للتجارب المأساوية في حياة الطفل أن تُبدل من تكوين هذه البنى التشريحية الدماغية بما يؤثر في الصحة النفسية للطفل لاحقاً. ويُقدر العلماء بأن حوالي 30% من اضطرابات القلق تنجم عن صدمة نفسية مبكرة. كما أظهرت أبحاث جامعة كولومبيا الأمريكية بأن الأيتام الذين أمضوا سنوات حياتهم الأولى في دور الرعاية الخاصة، قد تتضخم لديهم بنية اللوزة الدماغية بشكل غير اعتيادي، وأن تلك التغيرات البنيوية سوف تستمر حتى ولو انتقل الأيتام إلى كنف عائلات تُحيطهم بالرعاية والاهتمام.
على مستوى الجهاز القلبي الوعائي

تزيد الشدة النفسية المزمنة والأمراض المتعلقة بها، مثل القلق والاكتئاب، من خطر الأمراض القلبية، رغم أن الأطباء لا يدركون حتى الآن الأسباب الحقيقية وراء ذلك. وبحسب الرابطة الأمريكية لطب القلب، فإن الشدة النفسية تؤثر بشكل غير مباشر في الصحة القلبية الوعائية من خلال ارتفاع ضغط الدم، أو من خلال الجنوح لسلوكيات غير صحية، مثل التدخين أو الإفراط في تناول الطعام. كما يمكن للصدمات النفسية الشديدة، الناجمة مثلاً عن وفاة أحد الأقرباء، أن تُضعف القلب بشكل متسارع بسبب زيادة إفراز هرمونات الشدة النفسية. وتُدعى هذه الظاهرة باسم متلازمة القلب المنفطر.

على مستوى الجهاز الهضمي

يقول إيميران ماير، اختصاصي أمراض الجهاز الهضمي بجامعة كاليفورنيا الأمريكية، بأن الدماغ يتواصل مع الجهاز الهضمي بشكل وثيق. ولذا فمن غير المستغرب أن تترافق الشدة النفسية المزمنة مع مشاكل هضمية مؤلمة. وبحسب الأبحاث التي قام بها ماير، فإن بعض المرضى المصابين بمتلازمة الأمعاء المتهيجة تظهر لديهم مستويات غير طبيعية من الكورتيزول والهرمونات المحفزة لإنتاج الكورتيزول. كما يكون المصابون بمتلازمة الأمعاء المتهيجة أكثر عرضة للشكوى من أمراض نفسية متعلقة بالشدة النفسية، مثل القلق والاكتئاب.

%30 من البالغين الأمريكيين يقولون بأن الشدة النفسية تؤثر بشكل بالغ في صحتهم الجسدية، في حين أن 33% يقولون بأنها تؤثر في صحتهم النفسية.

على المستوى الخلوي

تمتلك جميع الخلايا تقريباً صبغيات وراثية، ويكون كل صبغيٍ منها مغطىً بجزء صغير من مادة جينية تُدعى القُسيمات الطرفية؛ وفي كل مرة تنقسم فيها الخلايا فإن هذه القسيمات الطرفية تصبح أقصر طولاً. وعندما تزول تلك القسيمات الطرفية تموت الخلية. لاحَظَ الباحثون بأن القسيمات الطرفية تكون أقصر لدى الأشخاص الذين يعانون من شدة نفسية مزمنة، مما يزيد من خطر الكثير من الأمراض المتعلقة بالتقدم بالسن. والآثار المترتبة على ذلك قد تكون كثيرة جداً، ففي العام 2014 وجد باحثون بأن الأطفال الذكور بعمر 9 سنوات الذين عاشوا ضمن بيئة اجتماعية مضطربة يمتلكون قسيمات طرفية أقصر بنسبة 19% من نظيراتها عند الأطفال الذين عاشوا في بيئات اجتماعية مستقرة.

على مستوى الجهاز المناعي

بحسب أبحاث جانيس جلاسر، اختصاصي طب النفس السريري بكلية الطب بجامعة أوهايو الأمريكية، فإن اللقاحات تكون أقل فعالية إذا كان الشخص الذي يحصل عليها مصاباً بشدة نفسية، كما تستغرق الجروح وقتاً أطول للشفاء في هذه الحالة. وقد أظهرت دراسات قام بها باحثون من جامعة كارنيجي ميلون الأمريكية بأن الشدة النفسية تزيد من خطر الإصابة بالزكام الشائع. وفي العام 2012 توصل العلماء إلى سببٍ محتمل: فعند الشخص السليم يساعد الكورتيزول على مقاومة الالتهاب في الجسم. أما عند المصاب بشدة نفسية مزمنة، فترتفع مستويات الكورتيزول، ويصبح الجهاز المناعي أكثر مقاومة لهذا الهرمون، ومن ثم يتجاهله. وبالتالي تصبح العناصر الالتهابية المسؤولة عن الإصابة بالزكام (وهي بروتينات تُدعى بالسيتوكينات) غير مراقبة.

على مستوى الجهاز الاستقلابي

يقول أنطونيو كونفيت، اختصاصي الأمراض النفسية بمعهد ناثان كلاين لأبحاث الطب النفسي: "تُعزز مستويات الكورتيزول من كمية الدهون حول البطن، وهو ما يزيد من خطر السكري، الذي قد يعيق بدوره استجابة الدماغ تجاه الشدة النفسية". وإن النظام الذي يُثبط الكورتيزول في الدماغ لا يعمل بشكل طبيعي عند الأشخاص المصابين بالسكري من النمط الثاني. كما تكون مستويات الكورتيزول الصباحي متدنية عند هؤلاء المرضى، بالإضافة إلى الضرر الذي يلحق بمنطقة الحصين في أدمغتهم، وهي المنطقة التي تحتوي على عددٍ كبير من مستقبلات الكورتيزول ، والتي تتأثر كثيراً بالشدة النفسية.

كيف تؤثر الشدة النفسية في النوم

يساعد هرمون الشدة النفسية (الكورتيزول) على تنظيم مستويات السكر في الدم. وتتبدل مستويات هذا الهرمون في أثناء اليوم بشكل يتوافق غالباً مع إيقاع النظم اليوماوي، حيث ترتفع لأعلى مستوياتها في الصباح، ثم تتراجع تدريجياً مع انقضاء اليوم، ثم تعود لترتفع مجدداً في ساعات الليل. وقد وجد باحثون من المعهد الوطني للصحة بأن المرضى المصابين بالاكتئاب تكون لديهم مستويات مرتفعة بشكل غير طبيعي من هرمون الكورتيزول. وعلى الرغم من أن العلماء لا يزالون يجهلون معنى ذلك، إلا أنه يشير إلى واحدة من الطرق العديدة التي يمكن لاضطرابات الشدة النفسية أن تؤثر فيها بالعمليات الحيوية في الجسم، وأن تفسدها.

المحتوى محمي