غالباً ما نفكر في خسارة الوزن على المدى القصير، على أمل فقدان كيلوجرامين لقضاء عطلة، أو خمسة كيلوجرامات لحضور حفل زفاف. وبطبيعة الحال، فإن هذا النوع من النظام الغذائي المتذبذب ليس هو الأفضل لصحتنا. وإذا كنت تريد أن تسأل كم يجب أن يكون وزنك، فعليك أن تفكر على المدى الطويل بالوزن الذي يحافظ على صحتك؟
وقد كان هذا السؤال هو الشغل الشاغل للباحثين لفترة من الزمن، وذلك لسبب وجيه. فمعدلات السمنة العالمية مرتفعة وتتزايد باطّراد، وذلك بوجود 1.3 مليار شخص بالغ يعانون من زيادة الوزن، و600 مليون آخرين مصنفين على أنهم يعانون من السمنة المفرطة.
وصحيح أن العضلات تزن أكثر من الدهون، ولكن معظم الناس الذين يزنون بضعة كيلوجرامات زائدة يكون وزنهم الزائد على شكل أنسجة دهنية. وعلى عكس العظام والعضلات، فإن الخلايا الدهنية يمكن أن تولّد الالتهاب، ما يسمح لنا بعلاج العدوى وحماية أجسادنا من مزيد من الضرر. ولكن وجود الكثير من الخلايا الدهنية يتسبب في إطلاق أجسامنا للبروتينات الالتهابية طوال الوقت. وتشير العديد من الدراسات إلى أن هذا يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بالسرطان.
كما أن حمل الخلايا الدهنية الزائدة يؤثر أيضاً على المسارات الفيزيولوجية الأخرى، والتي يمكن أن يؤدي الكثير منها -كارتفاع ضغط الدم، وارتفاع نسبة السكر في الدم (ارتفاع مستويات الجلوكوز في الدم بشكل مستمر)، وارتفاع نسبة الكوليسترول في الدم- إلى مشاكل قلبية مميتة.
نحن جميعاً بحاجة إلى بعض الدهون في الجسم. إذاً، متى تكون هذه الكمية زائدة عن الحد؟ وباستخدام مؤشر كتلة الجسم (كتلة الجسم مقسومةً على مربع ارتفاع الجسم) ومعدلات الوفيات الإجمالية، توصل العلماء الذين يدرسون هذه القضية في البداية إلى نتيجة مدهشة: على مستوى عدد السكان الكلي، شكلت العلاقة بين مؤشر كتلة الجسم والوفيات خطاً بيانياً منحنياً على شكل حرف U، والتي كانت أخفض نقطة فيها (حيث كانت الوفيات عند أدنى مستوى لها) ضمن مجال مؤشر كتلة الجسم الذي يعتبر تقريباً وزناً زائداً (حوالي 24.5، بينما 25 هو مؤشر الوزن الزائد).
ولكن بعض العلماء - بمن فيهم أندرو ستوكس، وهو باحث في الأمراض المزمنة والصحة العالمية من جامعة بوسطن- تحدوا هذه الاستنتاجات. وبدلاً من الخط البياني على شكل حرفU، شهدت دراسات المتابعة التي قامت بها مجموعته زيادة خطر الوفيات مع ارتفاع مؤشر كتلة الجسم. وأقل فئات المخاطر، بحسب ستوكس، هي في مكان ما ضمن نطاق الوزن "المنخفض-الطبيعي"، وتزداد المخاطر بشكل مستمر مع ارتفاع مؤشر كتلة الجسم.
ويرى ستوكس أن الدراسات السابقة فشلت في حساب عاملين مهمين. يقول: "إن فئة الوزن الطبيعي المستخدمة في معظم الدراسات تجمع بين الأشخاص ذوي المخاطر المنخفضة والأوزان المستقرة، والأشخاص الذين يعانون من مخاطر عالية والذين فقدوا وزنهم". وإذا كان الأشخاص موضوع الدراسة يمضون معظم حياتهم وهم يعانون من السمنة المفرطة ثم يفقدون أوزانهم، فإنهم قد يراكمون سنوات من الآثار الصحية السلبية. ولا تختفي كل هذه المخاطر مع فقدان الوزن. يقول ستوكس: "إن الكثير من الأبحاث حول السمنة حالياً تستخدم مجرد لمحة سريعة عن الوزن".
ويرى ستوكس أن الأمر مطابق للطريقة التي ندرس بها التدخين. فلا يمكنك ببساطة مقارنة غير المدخنين بالمدخنين. ويشمل غير المدخنين أولئك الذين لم يدخنوا أبداً بالإضافة إلى الذين كانوا يدخنون لعدة عقود ثم أقلعوا عن التدخين.
ويقول ستوكس إن التدخين في حد ذاته عامل حاسم آخر في هذه الدراسات المتعلقة بمؤشر كتلة الجسم. ويمكن أن يمثل التدخين تحيزاً كبيراً في تقدير المخاطر المرتبطة بالبدانة، لأن هذه العادة تؤثر على وزن الجسم من خلال الآثار الأيضية والشهية المنخفضة. وبإخفاقك في أخذ التدخين في الاعتبار، قد يتضمن تحليلك الأشخاص الذين يعانون من انخفاض وزن الجسم ولكنهم يدخنون بشدة، مما يزيد من فرص الوفاة المبكرة لديهم. وبحسب ستوكس وزملائه، فبمجرد إزالة تلك القيم المتطرفة، تتضح العلاقة بين الوزن الزائد للجسم والوفيات المبكرة.
وبطبيعة الحال، فإن نطاق مؤشر كتلة الجسم الطبيعي واسع جداً. على سبيل المثال، فإن شخصاً يبلغ طوله 162 سنتيميتراً سيكون لديه مؤشر كتلة جسم طبيعي إذا كان يزن ما بين 49 كيلوجراماً و65.7 كيلوجراماً. ويرى ستوكس أننا إذا أردنا أن نعرف أي شريحة من النطاق هي الأفضل، فإن لدى الباحثين الكثير من العمل للقيام به .
ثم هناك مسألة ما إذا كان مؤشر كتلة الجسم هو المقياس الصحيح للاستخدام دائماً. فغالباً ما يُنتقد مؤشر كتلة الجسم كمؤشر ضعيف لقياس الصحة. ولأن العضلات تزن أكثر من الدهون، يمكن أن يكون لرافع الأثقال مؤشر كتلة جسم ضمن نطاق أصحاب الوزن الزائد، دون النظر إلى الاختلافات الأخرى التي قد يخضع لها الإنسان. بل إن شخصين لهما نفس مؤشر كتلة الجسم ونفس الكمية من الدهون قد يواجهان مخاطر مختلفة ناشئة عن الدهون، إذا كان أحدهما يحمل دهوناً أكثر في بطنه والآخر يحمل دهوناً أكثر في الوركين. وتبين الدراسات التي تقارن مؤشر كتلة الجسم بأساليب متفوقة مثل مقياس امتصاص الأشعة السينية ثنائي البواعث (ديكسا)، وهو نوع من الأشعة السينية التي يمكن أن تحدد بالضبط كمية ومكان الدهون في الجسم، أن الخطأ المحتمل في التصنيف ليس تافهاً. ولكن ستوكس يقول إنه على مستوى عدد السكان الكلي، فإن مؤشر كتلة الجسم هو مُعامل جيد جداً للاستخدام. فالاختلافات في الدقة موجودة، ولكنها خطأها ليس كبيراً بحيث تكون عديمة الجدوى عندما نقوم بعمل قواعد عامة حول المخاطر في مجتمع بأكمله.
ولكن الأهم هنا هو أننا نتحدث عن مخاطر ضمن المعدل العام. ولا يعني هذا على الإطلاق أن شخصاً يملك مؤشراً مثالياً لكتلة الجسم لا بد أن يعيش عمراً أطول من شخص يعاني من السمنة المفرطة. هناك الكثير من العوامل الأخرى التي تلعب دوراً في تحديد صحتنا، بما في ذلك علم الوراثة، وممارسة الرياضة، والنظام الغذائي، وخاصة الإجهاد. وعادة ما يتضافر وزن الجسم وكمية الدهون التي نحملها مع هذه الخصائص الأخرى، ولكنها تبقى عاملاً واحداً فقط. ولا يمكن تحديد صحة الفرد برقم موجود على مقياس، وينبغي للمرء أن يتحدث دائماً إلى الطبيب فيما يتعلق بالتغييرات الرئيسية لنمط الحياة.
ومع ذلك، وبينما لا يوجد توافق علمي في الآراء حول النطاق الذي يكون فيه مؤشر كتلة الجسم الطبيعي يعادل أدنى معدل وفيات عام، فإن ستوكس يجازف بتخمين الحد الأدنى، ليكون ربما 20 إلى 22. وهو يشير أيضاً إلى أن العديد من الدراسات (على القوارض والرئيسيات) تظهر أن تقييد السعرات الحرارية يمكن أن يزيد طول العمر. وهو يعتقد أن أحد المجتمعات التي يجب علينا دراستها أكثر أولئك الناس الذين لديهم دائماً مؤشر كتلة جسم منخفض جداً. إن تذبذب وزنك في محاولة للحصول على أدنى حد ممكن من العتبة الصحية هو بالتأكيد فكرة غير سديدة، ولكن أن تعيش حياتك بأكملها مع مؤشر كتلة جسم بالحد الأدنى-ربما حتى تحت 20- يمكن أن يقلل من خطر الأمراض كالسرطان، والداء السكري. يقول ستوكس: إنه سؤال مهم، وهو سؤال لا يطرحه الكثير من الباحثين للنقاش.