في سابقة من نوعها في الولايات المتحدة، قام فريق من علماء الأحياء بتعديل الحمض النووي لجنين الإنسان. ويُذكر بأن هذه التقنية قد استخدمت سابقاً من قبل العلماء في الصين، ولكن لم تستخدم من قبل في الولايات المتحدة، حيث لا يزال هناك نقاش حول أخلاقيات تعديل الأجنة مع عدم وجود إجماع في الأفق. ووفقاً لفريق الولايات المتحدة، فقد حققت هذه التجربة نجاحاً لا مثيل له.
وليس هناك الكثير من المعلومات حول الشيء الذي تم تعديله بالضبط، لأنه لم يتم نشر ورقة مرافقة للبحث حتى الآن. وذكرت مجلة إم آي تي تكنولوجي ريفيو لأول مرة يوم الأربعاء 26 يوليو أن شوكرات ميتاليبوف - عالم الأحياء في جامعة أوريجون للصحة والعلوم - قد استخدم تقنية كريسبر لإزالة الجينات من أحد الأجنة في المرحلة الأولى من الحمل. والأهم من ذلك، فقد أفادت بأن معدل التزيّق الجيني في هذه الأجنة كان أقل منه في المحاولات السابقة.
ويحدث التزيّق الجيني عند استخدام تقنية كريسبر على جنين يملك خلايا متعددة. إذ يمكن لتقنية كريسبر تصيّد جينات محددة وقصها، ولكن عندما يكون هناك خلايا متعددة - لكل منها نسخته الخاصة من الشفرة الوراثية - فلا يوجد ضمان بأنه سيتم تعديل الجين المستهدف في كافة الأماكن. وحتى لو نجح ذلك في 9 خلايا من أصل 10، فإن هذه الخلية غير المعدلة ستواصل إنتاج ملايين من الخلايا الأخرى. وفي كثير من الحالات، يمكن لهذه الجينات الشاذة أن تُحدث ما يكفي من الضرر لجعل العلاج غير فعال. وتفيد التقارير بأن فريق ميتاليبوف تجنب هذه المشكلة عن طريق إجراء تقنية كريسبر على بيضة مخصبة مباشرة بعد اتصالها مع الحيوانات المنوية، بحيث لم يكن هناك سوى خلية واحدة لتعديلها.
هل يعني ذلك بأننا سنحصل على أطفال معدّلين وراثياً حسب الرغبة؟
على الرغم من أن هناك مخاوف من استخدام الناس لتقنية كريسبر لإنتاج أطفال معدّلين وراثياً حسب رغبة الأهل، إلا أن الفائدة الأكبر ستكون لتعديل الجينات المرتبطة بالأمراض الوراثية الخطيرة. إذ أن بعض هذه الأمراض خطير جداً لدرجة أن الطفل لا يتمكن من البقاء على قيد الحياة أو يموت بعد فترة وجيزة من الولادة. بينما يؤدي البعض الآخر إلى أمراض موهنة مزمنة. وإن القدرة على تغيير الطفرات ووقاية الطفل من هذه المعاناة ستكون ذات قيمة كبيرة لبعض الآباء، على الرغم من أن هذه الفكرة قد تجعل الآخرين غير مرتاحين معها.
كما أن هناك مخاوف بسبب قيام تقنية كريسبر بتعديل كل الخلايا بشكل فعال في طفل المستقبل - بما في ذلك الخلايا الجنسية – إذ أن ذلك ينطوي على ما يسمى "تعديل الخط الإنتاشي". حيث أن ذلك ليس مجرد تغيير لجينات طفل واحد، ولكنه أيضاً تغيير لجميع الذرية المستقبلية لهذا الطفل. فهل لديك الحق في إحداث تغيير جذري في شجرة العائلة؟ وإذا كان هناك بعض الجوانب السلبية التي لا يمكن العلماء التنبؤ بها - أشياء يمكن أن تنتقل إلى الأبناء وذريتهم - فهل من الأخلاقي وضع ذلك في مجموعة الجينات؟
بالإضافة إلى أن الدرجة التي ينبغي السماح بها في تعديل الإنسان هي جانب أخلاقي آخر. وقد ذكرت الأكاديميات الوطنية للعلوم والطب بأن التعديل بتقنية كريسبر يجب ألا يستخدم لإجراء التحسينات مثل الذكاء الفائق (حتى لو كنا نعرف كيفية فعل ذلك أولاً، مع أننا لا نعرف)، وينبغي حصر استخدامه للإعاقات أو الأمراض الخطيرة. إلا أن ذلك لا يزال غامضاً جداً، ويلزم رسم حدّ فاصل في مرحلة ما. فهل الأمراض المميتة فقط هي التي يمكن استثناؤها؟ وماذا عن الاضطرابات غير المميتة والتي تدوم مدى الحياة؟ وماذا عن الإعاقة البدنية؟ هذه أسئلة صعبة لا بد من مواجهتها، ولكن الآباء والأمهات قد واجهوها فعلاً إلى حدّ ما.
ويمكن للأزواج الذين يعرفون بأنهم يحملون بعض الأمراض الوراثية أن يقوموا بإجراء الإخصاب في المختبر، واختيار زرع الأجنة التي أظهرت نتائج سلبية للطفرة فقط. وهذا الخيار لا يعدّ تعديلاً مباشراً تماماً - فلا أحد يقوم بتعديل أي جينات - ولكن من ناحية التأثير، فإن هؤلاء الآباء والأمهات يختارون استمرار خط إنتاشي واحد ويتركون الباقي ينقرض. بالنسبة لأولئك الأزواج، فإن فكرة وجود طفل مع اضطراب شديد هو أمر لا يمكن احتماله، وإذا كان بالإمكان تجنبه فهم يرغبون بذلك. وهو بالتأكيد ليس خياراً سهلاً، ولكن القدرة على إجرائه تجعل الكثير من الناس ممتنين. فالأزواج الذين لا يريدون إنجاب أطفال خوفاً من انتقال مرض خطير، يمكنهم الآن التحكم بصحة ذريتهم إلى حد ما. ولكن بعض الآباء والأمهات لأطفال يعانون من أمراض وراثية قالوا بأنهم يجدون فكرة تجنّب إنجاب أطفال مثلهم هي فكرة مهينة. إذ يبدو أن اختيار عدم إنجاب طفل مصاب باضطراب أو إعاقة يعني ضمناً بأن الشخص المصاب بهذه الأمراض غير مرغوب فيه أو أدنى من الآخرين إلى حد ما. فمجتمعنا يعاني بالأصل من مشكلة عدم معاملة الأشخاص ذوي الإعاقة بنفس طريقة معاملة الناس السليمين جسدياً. وإذا كنا نستطيع اختيار عدم إنجاب أطفال يعانون من هذه الأمراض في المستقبل، فماذا يعني ذلك حول رأينا بالإعاقة؟
ماذا يحدث بعد ذلك؟
هذه هي الأسئلة التي يجب على العلماء والمشرّعين البدء في طرحها بشكل جدي، ولكن لا يزال لديهم وقت للتفكير بكل شيء. ولم يسمح فريق ميتاليبوف لأي من الأجنة بالتطور لأكثر من بضعة أيام، ولذلك لن يولد أي طفل معدّل في الولايات المتحدة خلال الأشهر التسعة المقبلة. كما أن الكونجرس يحظر ذلك. ويحتوي مشروع قانون تمويل وزارة الصحة والخدمات الإنسانية على أسلوب يمنعهم بشكل خاص من الموافقة على التجارب السريرية التي من شأنها أن تسمح بتطور الجنين المعدل ليصبح طفلاً.
ولكن هذا لا يعني بأن العلماء في المناطق الأخرى لن يحاولوا. فالمملكة المتحدة فيها حظر مماثل، ولكن الكثير من البلدان الأخرى لا توجد فيها مثل هذه القوانين. كما أن التقدم العلمي لا يقتصر على الحدود الدولية، لذلك يمكننا أن نشهد ولادة طفل معدّل وراثياً في المستقبل القريب.
وعند نشر الورقة العلمية لهذه التجارب، فإننا سنعرف المزيد عن مدى نجاح مختبر ميتاليبوف في عملية التعديل (والشيء الذي كان يتم تعديله في المقام الأول). وقد ذكرت الأكاديميات الوطنية للعلوم والطب بأنه على الرغم من أن هناك حاجة إلى رقابة صارمة، إلا أن الأجنة البشرية المعدّلة تمثل أملاً في الوقاية من العديد من الأمراض الوراثية الخطيرة التي ليس لها علاج. ومن المؤكد أن يستمر النقاش حول الموضوع، غير أنه سيتزايد بسرعة مع تقدم البلدان الأخرى في ذلك.