يتسبب الارتجاج بتغيرات دائمة في الدماغ حتى بعد الشعور بالتعافي

3 دقائق
بعد ثلاثة أشهر من الارتجاج، لا تزال أدمغة لاعبي الهوكي المراهقين تبدو غير طبيعية.

في كندا، يبدأ الكثير من الأطفال التزلج على الجليد حتى قبل أن يتمكنوا من المشي. ولكنهم لا يشاركون في مباريات هوكي الجليد حيث تصطدم الأجسام ببعضها إلا في سن الحادية عشرة، لذلك ليس مستغرباً أن يكون بطل الهوكي الشهير واين جريتزكي قد تعرض لارتجاج المخ لأول مرة وهو في هذه السن الصغيرة.

وإذا تعرضوا للإصابة، فإن الأطفال في سن ما قبل المراهقة يتم استبعادهم من الملاعب حتى يخضعوا لبروتوكولات العودة إلى اللعب، فبعد أن تشفى الأعراض الأولية، فإن النهج الموصى به للرياضيين هو زيادة النشاط تدريجياً، والتأكد من أن الصداع والدوار لا يعودان بشكل متكرر، وفور تجاوزهم لهذه الزيادة التدريجية دون مشاكل، يسمح الأطباء بعودتهم إلى حلبة التزلج.

لكن تظهر دراسة جديدة  أنه حتى عندما تبدو على لاعبي الهوكي الصغار الذين يعانون من الارتجاج علامات التعافي التام، ويقوم الأطباء والمدربون بإعادتهم إلى الملاعب، فإن المسح الضوئي لا يزال يظهر تشوهات في الدماغ. وقد نشرت هذه النتائج في أكتوبر 2017 في دورية "نيورولوجي"، لتضاف إلى عدد متزايد من الدراسات التي تبين أن التغيرات العصبية تبقى قائمة حتى بعد زوال الأعراض السريرية للارتجاج. وقد يبدو الرياضيون أنهم عادوا إلى حالتهم الطبيعية في عدد من الاختبارات الإدراكية والجسمية، ولكن ليس في صور الرنين المغناطيسي.

يقول رافي مينون، مدير مركز رسم الخرائط الوظيفية والأيضية في معهد روبارتس للبحوث التابع لجامعة أونتاريو الغربية: "المشكلة هي أن هذه الاختبارات لا تبدو حساسة جداً على المدى الطويل. فاللاعبون يعودون إلى طبيعتهم بسرعة، لكن بيانات التصوير بالرنين المغناطيسي تظهر أن الدماغ لا يزال يتعافى".

وتابعت دراسة مينون مجموعة من لاعبي الهوكي الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 11 و 14 عاماً. وكان أربعة عشر لاعباً يعانون من ارتجاج في المخ خلال الموسم الرياضي، وقد خضعوا للتصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي، ولاختبارت الإدراك والذاكرة والتوازن، مرة بعد يوم إلى ثلاثة أيام من الإصابة، ومرة أخرى بعد ثلاثة أشهر. وتمت مقارنة نتائج اختباراتهم مع نتائج 26 لاعباً سليماً كعينة معيارية.

واحتاج الأطفال في المتوسط إلى 24 يوماً للعودة إلى اللعب، بينما عاد جميعهم إلى المباريات بعد مضي ثلاثة أشهر. عند هذا الحد، كانت نتائج اختبارات الإدراك والذاكرة والتوازن لديهم طبيعية، ولكن بقيت تغيرات في بعض تراكيب الدماغ وتغيرات في أنماط الاتصال بين أجزاء الدماغ. يقول مينون إن أنواع التشوهات تتفق مع تلك التي ظهرت في الدراسات السابقة التي أجريت على مجموعات أخرى من السكان الأكبر سناً، ولكنها تشكل مصدر قلق خاص بالنسبة للرياضيين الصغار الذين لا تزال أدمغتهم في مرحلة النمو.

وليس من الواضح تماماً ما هو تأثير التغيرات العصبية. وعلى أي حال، يبدو أن الرياضيين يتصرفون ويشعرون بشكل طبيعي. لكن مينون يقول إن التغيرات التي طرأت على أنماط التنشيط والتوصيل يمكن أن تعوض عن الأضرار الحاصلة. وهو يعتقد أن الأمر قد يشبه الطريقة التي يحاول فيها الدماغ العمل مع تراكم الأضرار الناجمة عن أمراض مثل مرض ألزهايمر، حيث تكون التغيرات بلا أعراض ظاهرة، إلى أن تظهر الأعراض. يقول مينون: "قد يبدو الوضع مثالياً تماماً، حتى يستنفد الدماغ القدرة على التعويض".

وعلى الرغم من عشرات الدراسات ذات النتائج المماثلة، فمن غير المرجح أن تتغير التوصيات المتعلقة بالشفاء من الارتجاج قريباً. وقد أشارت دراسة مراجعة نشرت في أبريل 2017، والتي ألقت نظرة قريبة على معظم البحوث الحالية حول بيولوجيا الأعصاب خلال التعافي من الارتجاج، أن الجزء الأكبر من البيانات المتاحة يشير إلى أن التغيرات في الجسم والدماغ بقيت بعد زوال الأعراض. ومع ذلك، فقد خلص واضعو الدراسة إلى أنه لا يزال هناك ما يكفي من المعلومات حول ما تعنيه هذه التغييرات لإجازة تغيير المعايير الحالية للعودة التدريجية إلى ممارسة الألعاب على أساس الأعراض السريرية.

ويقول مات جامونز، الرئيس السابق للجمعية الطبية الأميركية للطب الرياضي، الشيء ذاته: "لا أعتقد أن أي شخص مستعد لأن يقول إنه يجب علينا تغيير ممارستنا المعتادة". وقد عمل جامونز على إصدار بيان الجمعية الطبية الأميركية للطب الرياضي حول الارتجاج عام 2013.

وأكد جامونز على أن عملية الشفاء من الارتجاج ليست واحدة في جميع الحالات، وقرار العودة للعب يمكن أن يختلف من رياضي لآخر. وغالباً ما تتضمن المحادثات مع الرياضيين وأولياء أمورهم مناقشات حول بعض العناصر الأقل فهماً والتي تتعلق بالشفاء من الارتجاج، مثل التغيرات العصبية طويلة الأمد، ويمكن لهذه العوامل أن تلعب دوراً في عملية صنع القرار. يقول جامونز: "عندما تخبر طفلاً بأنه لا يستطيع العودة للمشاركة في الرياضة، فهناك عواقب لهذا الأمر. لكن من المنطقي القول إننا إذا كنا نستطيع أخذ المزيد من الوقت، فليكن ذلك".

وعلى الرغم من أن البحث قد يُدخل المحادثة في بعض القرارات، فإن جامونز يرى أن الأدلة ليست قوية بما فيه الكفاية للإشارة إلى تغييرات في البروتوكولات الخاصة بشفاء الارتجاج أو التوصيات المؤسسية. ويرجع ذلك أساساً إلى أن الباحثين لا يعرفون كيفية وإمكانية كون التغيرات العصبية التي شوهدت في صور المسح التي شملتها هذه الدراسات ضارة على المدى الطويل. يقول جامونز: "نحن بعيدون عن النظر إلى التصوير الذي يظهر تغيرات مستمرة دون أية أعراض، وعن أن نكون قادرين على معرفة سبب ذلك".

وأحد العوامل المعقدة، كما يقول جامونز، هو أن تقنية المسح الضوئي فعالة جداً. فإذا كسرت ذراعك، على سبيل المثال، فإنها سوف تلتئم في حوالي ستة أسابيع. ولكن إذا قمت بعمل تصوير بالرنين المغناطيسي بعد ستة أسابيع، فستجد أن المسح ما زال يظهر التغيرات في مكان الكسر. يقول جامونز: "إن السؤال هو ما إذا كانت هذه التغيرات المستمرة مهمة أم لا".

ويدرك مينون أن التأثيرات الفعلية للتغيرات العصبية المشاهدة في هذه الدراسة وغيرها، ما تزال غير مؤكدة. ومع ذلك فهو يرى أن التوصيات المتعلقة بالارتجاج تتغير لتعكس نهجاً أكثر تحفظاً للعودة إلى اللعب. يقول مينون: "أعتقد أنه سيكون مهماً للمصابين، على الأقل للأطفال، أن ينظروا إلى هذه الدراسات ويتوخوا الحذر حتى نفهم المزيد عنها".

المحتوى محمي