لا يخفى على أحدٍ أن الهواء الطلق مفيد للصحة، ورغم أنه من الصعب تحديد فوائد قضاء الوقت في الطبيعة، لكن العلماء توصلوا إلى أن الوقت الذي نقضيه في الخارج يحسن الصحة العقلية، والنوم، ويخفض خطر الإصابة بالسمنة. فالأميركيون، على سبيل المثال، غالباً ما تضيع عليهم هذه المنفعة التي تأتي مع نسمات الهواء المنعش، إذ يقضي معظمهم ما معدله 93% من اليوم داخل المنازل. وتشير أبحاث حديثة إلى أن الحصول على جرعة من الهواء النقي تعزز الصحة، لكن هذا لا يعني أنه علينا البقاء لسنوات في الطبيعة. فوفقاً لدراسة نشرت في دورية «Scientific Reports»، يكفي قضاء ساعتين خارج المنزل في بيئة طبيعية كل أسبوع لإحداث تغيير ملحوظ في صحة الفرد.
استخدم الباحثون في هذه الدراسة بيانات مسح وطني لما يقرب من 20000 شخص في المملكة المتحدة. قدم المشاركون معطيات عن الوقت الذي يقضونه في الطبيعة، إلى جانب معلومات عن وضعهم الصحي، ومن خلال تحليل هذه المعلومات، اكتشف الباحثون أن المشاركين الذين أمضوا ما لا يقل عن ساعتين في الهواء الطلق كل أسبوع ذكروا أن صحتهم جيدة، عكس ما كان عليه الأمر في الأسابيع التي قضوا فيها وقتا أقل في الخارج.
من المثير للاهتمام أن كيفية قضاء هاتين الساعتين من الوقت في الخارج لا تؤثر على استجابة المشاركين. سواء تم قضاء الساعتين كلها دفعة واحدة (المشي لمدة ساعتين في الطبيعة نهاية كل أسبوع)، أو على فترات متباعدة (الذهاب إلى الحديقة على مدار الأسبوع)، أبلغ المشاركون عن الحالة الصحية الجيدة نفسها. وانطبق هذا حتى على المشاركين الذين يقطنون في مناطق من المملكة المتحدة، لا تحتوي على مساحة خضراء عديدة أو يتعذر فيها الخروج إلى الطبيعة.
يعتبر الوصول إلى الحدائق من قضايا الصحة العامة المهمة، لكن تشير هذه الدراسة الأولية إلى أنه حتى أولئك الذين لا يستفيدون منها لا يفوتون بالضرورة الفوائد المتأتية من التفاعل مع الطبيعة. كان لدى أولئك الذين يعيشون في المناطق الخضراء احتمال أكبر لقضاء ساعتين أو أكثر في الهواء الطلق كل أسبوع، ويعتقد الباحثون أن سبب هذه الزيادة هو الوقت الذي يخصصونه للوصول إليها.
يشير مؤلفو الدراسة إلى أن استخدام بيانات سبق جمعها من مشاركين أفادوا بها بأنفسهم تجعل من الصعب استخلاص استنتاجات قوية. فمن المرجح أن الخروج إلى الطبيعة لا يُشعر الفرد بصحة أفضل، لكن العكس، الأفراد الأصحاء هم بكل بساطة من يتمتعون بمزيد من الوقت والطاقة لقضاء الوقت خارج المنزل. مع ذلك، يقول مؤلفو الدراسة إن لديهم سبب للاعتقاد بأن الأمر مختلف في هذه الحالة، إذ عاد قضاء ساعتين في الهواء الطلق أسبوعياً بالفائدة على الأشخاص المسنين والعاجزين الذين يصعب عليهم قضاء الوقت خارجاً. وخلص الباحثون إلى أن الفائدة تعود على جميع الناس، وليس فقط على الأشخاص الأصحاء.
مع ذلك، قبل أن تدخل هذه الاستنتاجات في حسبان واضعي السياسات الصحية، هناك حاجة إلى مزيدٍ من البحوث المعمقة والتجارب الخاضعة للرقابة لتكرار هذه النتائج وتأكيدها. وتشير شيريل ميرزيل، أستاذة الصحة العامة والمديرة المشاركة في مبادرة صحة المجتمع بجامعة كولومبيا، إلى أنه حتى إذا تحقق هذا، فمن غير المرجح أن يبدأ الأطباء في وصف جرعات يومية أو أسبوعية من التنزّه في الهواء الطلق. ذلك أن تكليف الأطباء بإجراء تغييرات أمر غير فعال نسبياً، إذ يحتاج الأمر إلى سياسة صحة عامة تأخذ بعين الاعتبار منظور السكان.
تقول ميرزيل إن واضعي السياسات ومسئولي الصحة العامة ينبغي أن يفهموا كيف يمكننا إزالة الحواجز المادية والاجتماعية والاقتصادية التي تمنع الناس من الوصول إلى الحدائق العامة، وغيرها من المساحات الخضراء. قد يعني تطبيق هذه السياسات وجود حدائق أكثر أماناً، وتحسين إمكانية الوصول إلى المساحات الخضراء، والتأكد من حصول الأطفال في المدارس العامة والمسجونين أيضاً على مزيد من الوقت في الهواء الطلق. وتصرح ميرزيل أن ثمة أدلة تشير إلى أن قضاء الوقت في الهواء الطلق كل أسبوع مفيد للصحة، لكن السؤال الآن حسب قولها هو: «ما الذي يمكننا كمجتمع أن نفعله لجعل هذا ممكناً؟».