2.2 مليار شخص يعانون من السمنة والمرض، ولكننا لا زلنا نستخدم معيار قياس خاطئ

3 دقائق
يمكن لشريط قياس بسيط أن يحل مشكلة مؤشر كتلة الجسم

لنفرض جدلاً أنك، وعلى عكس ما قد تقوله الإحصائيات، شخص طويل القامة. وعلى الرغم من أنك تحمل بعض الوزن الزائد حول وسطك، فقد تحب أن تخبر نفسك أنك بصحة ممتازة. وفي آخر زيارة إلى الطبيب، أخبرك أن مؤشر كتلة الجسم "BMI: Body Mass Idex" لديك متوسط تماماً. وشعرت بالسرور، لأن هذا يعني أنك لن تدفع مبالغ إضافية للتأمين الصحي. وكنت إلى حد ما مسروراً أيضاً لأنك لست بديناً، حيث يتسبب هذا بمشاكل لا تحصى، حيث توفي نسيبك البدين شاباً بسبب نوبة قلبية، وهو ليس بالمصير الذي ترغب به لنفسك.

غير أن مؤشر كتلة الجسم ليس بالمقياس الجيد لوضعك الصحي الفعلي. فقد تكون هذه الدهون غير ظاهرة على قامتك الطويلة، ولكنها ما تزال قادرة على التسبب بمشاكل خطيرة لك.

تتسبب السمنة حالياً بحوالي 4 ملايين حالة وفاة حول العالم، وذلك بعد الأمراض القلبية الوعائية التي تتصدر القائمة والسكري الذي يأتي خلفها مباشرة. نعرف أنه يمكننا مواجهة هذه المشاكل إلى حد ما، ولكن هذا يتطلب معرفة أين يمكن الخطر. وإذا كان مؤشر كتلة الجسم لا يكفي، فقد يجب أن نتوصل إلى طريقة أفضل لمعالجة المشكلة.

مؤشر كتلة الجسم معتمد تقريباً على مستوى العالم

لقد اعتدنا على التعامل مع السمنة من وجهة نظر مؤشر كتلة الجسم لدرجة أنه أصبح من الصعب أن نعتمد وجهة نظر أخرى. وهذا المؤشر معتمد من قبل مراكز التحكم بالأمراض والوقاية منها، ومنظمة الصحة العالمية، وحتى الجمعية الأمريكية لأمراض القلب. إذا كان مؤشر كتلة الجسم ما بين 25 و 30، فأنت بدين، وأي شيء فوق 30 يعتبر بدانة مفرطة. وهو التعريف الأساسي المعتمد في جميع الدراسات المتضمنة في تحليل شامل تم نشره في مجلة New England Journal of Medicine، وهو بالتالي ما يقوم عليه التحليل بأكمله. من المعروف أن مؤشر كتلة الجسم ليس بالمعيار الجيد للمشاكل الصحية، ولكنه منتشر إلى درجة لا يمكن تجنبها. حيث أن كل دراسة تعتمد على هذا المؤشر لأن كل دراسة سبقتها اعتمدت عليه، ما يجعلنا نقع في حلقة مفرغة من الدراسات التي تفتقر إلى الدقة.

لا بد أن نذكر أن الخطأ لا يكمن في هذه الدراسة تحديداً. فقد حاز هذا التحليل على الكثير من الإعجاب نظراً لعمق العمل واتساع مجال الدراسة. ولا يكمن الخطأ في طبيعة الدراسة التجريبية نفسها، ولكنه ببساطة يعتمد على نظام لم يكن قط دقيقاً. أي أنه يعتمد على معيار غير دقيق، ولكن يعود هذا لعدم وجود معايير أخرى.

لا يعبر مؤشر كتلة الجسم عن الأخطار الصحية الحقيقية

إذا عدنا في الزمن، سنجد أنه كان من الأذكى أن نعتمد على شيء مثل قياس الخصر. فقد أظهرت دراسة في 2015 أن رجلاً يتمتع بمؤشر كتلة جسم طبيعي مع دهون متراكمة في الوسط معرض للوفاة أكثر من رجل مفرط البدانة وفق مؤشر كتلة الجسم ولكن بدون تركز للدهون في الوسط. ويعود هذا إلى أن مؤشر كتلة الجسم يعتمد فقط على الطول والوزن، ولا يتعلق تقريباً بدهون الجسم. ولكن هذه الدهون هي التي تتسبب بالمشاكل الصحية، خصوصاً دهون البطن. ليس من الواضح بالضبط ما الذي يجعل هذه المنطقة ذات أثر كبير، ولكن هذا الأمر أثبت مراراً وتكراراً.

على الرغم من إمكانية قياس مؤشرات صحية أكثر دقة، مثل الكوليسترول، مقاومة الأنسولين، نسبة الجلوكوز... إلخ، فنحن نعتمد على مؤشر كتلة الجسم كطريق مختصر. غير أنه ليس طريقاً مختصراً، بل ممارسة خاطئة كان يجب على الأرجح ألا نعتمدها. وبالنظر إلى هذه المؤشرات البيولوجية، قد نكتشف مدى خطأ هذا المعيار.

أظهرت دراسة في 2016 أن 29% من الأشخاص ذوي البدانة المفرطة كانوا يتمتعون بصحة جيدة من الناحية الاستقلابية. كما بينت أمراً آخر يثير القلق، وهو أن 30% من الأشخاص ذوي الوزن الطبيعي لديهم اضطرابات صحية وفق نفس المعايير. هذه المجموعة الثانية هي التي يجب أن تثير قلقنا. حيث أن إخبار هؤلاء البدناء ذوي الوضع القلبي الوعائي الجيد أنهم يجب أن يخففوا من وزنهم لن يضرهم على الإطلاق. غير تجاهل احتمال وجود مشاكل صحية خطيرة لدى شخص ما لأنه يتمتع بمؤشر كتلة جسم جيد قد يؤدي إلى عواقب وخيمة. إضافة إلى فرض أعباء اقتصادية على هؤلاء "البدناء" وفقاً لمؤشر كتلة الجسم لديهم، حتى لو كانت مؤشراتهم الاستقلابية جيدة. حيث أنه يسمح قانونياً لشركات التأمين أن تستوفي منهم رسوماً إضافية. إن رافع أثقال مفتول العضلات ويلتزم بتدريباته قد يكون لديه مؤشر كتلة جسم مماثل لشخص مفرط البدانة طوال حياته ويتناول الأطعمة الضارة في كل وجبة، بل وقد يكون مؤشر كتلة الجسم لديه أعلى من شخص نحيل بشكل طبيعي وقليل الحركة مع بطن يكبر باستمرار بسبب شرب البيرة. هذا ليس منصفاً، بل ويتسم بالسخافة. لأن المعيار الذي يفترض به أن يقدر كتلة دهون الجسم ويسيء إلى الكثيرين من ذوي الصحة الجيدة والنشاط المستمر هو معيار سيء، ببساطة.

علينا أن نجد طريقة أخرى. تعتبر الطريقة الأدق، وهي التصوير المقطعي المحوسب، غير مناسبة للاستخدام العام والمتكرر، نظراً لما تتطلبه من تكاليف ووقت. قد تكون نسبة الخصر إلى الورك جيدة أيضاً، وأسهل للتنفيذ والمتابعة بطبيعة الحال. يمكن أيضاً أن نقيس فقط محيط الخصر، وهو أمر أكثر سهولة ويعطي مؤشراً جيداً عن الصحة، ولكن بشرط إجراء القياس بشكل صحيح. كما أن عيادة مايو ابتكرت مؤخراً مقياساً جديداً: مؤشر حجم الجسم "BVI: Body Volume Indicator". ويعتمد على برنامج لمسح الجسم لتحديد توزيع الوزن، ما يجعل تطبيقه على نطاق واسع صعباً، ولكنه خطوة ممتازة إلى الأمام. في الواقع، فإن أياً من هذه الطرق والمعايير أفضل من مؤشر كتلة الجسم. ولا نحتاج إلا إلى التخلي عن الاعتماد عليه. لأن هذه المسألة مسألة حياة وموت، حرفياً.

المحتوى محمي