عندما تريد عمل فحص تصوير بالرنين المغناطيسي -أبعد الله عنكم البلاء ومتعكم بالصحة والعافية- فسيدخلونك في أنبوب كبير وصاخب، ومثير للخوف إن كنت تفزع من الأماكن المغلقة؛ لذلك فإن العديد من الناس لا يرى تجربة هذا الفحص ممتعة أبداً، أما بالنسبة للآخرين -مثل الأطفال أو المرضى جداً- فإن الأمر أسوأ بكثير. ولذلك يستكشف العلماء والباحثون الآن استخدام آلية جديدة لجعل هذه الآلات التشخيصية تعمل بوتيرة أسرع، وهذه الآلية تتمثل في استعمال الذكاء الاصطناعي في أخذ البيانات الخام التي تُولِّدها آلة التصوير بالرنين المغناطيسي، ومن ثم إنشاء صور للفحص يستطيع أطباء الأشعة قراءتها وفهمها.
لكن لماذا نجد فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي بطيئة أصلاً؟ يفسِّر لنا دانييل سوديكسون (وهو أستاذ في قسم الأشعة بكلية الطب في جامعة نيويورك) سبب ذلك، وهو أنها تحتاج إلى التقاط كل البيانات الضرورية لإنتاج صورة فحص جيدة يمكن لطبيب الأشعة فهمها وتفسيرها، وعلى سبيل المثال يحتاج أخذ صورة فحص للركبة إلى فترة تتراوح من 15 إلى 20 دقيقة، فيما يحتاج الدماغ إلى 30 دقيقة، أما تصوير القلب فيمكن أن يستمر لساعة كاملة. لكن ماذا إن استطعنا تشغيل آلة التصوير بوتيرة أسرع دون أن نؤثر على إنتاجها لصورة قابلة للقراءة والتشخيص؟
يقول سوديكسون بخصوص هذا الأمر إن الذكاء الاصطناعي "يستطيع أن يلتقط كمية بيانات أقل، مما يعني أنه سيجعل عملية التصوير أسرع، وفي الوقت نفسه يحافظ على المحتوى المعلوماتي الثريّ لصور الرنين المغناطيسي كله، بل ويحسِّنه أيضاً"، وفيما يلي سنستكشف طريقة القيام بذلك.
يشغل العلماء جهاز الفحص السريع بالرنين المغناطيسي، وينتج عن تلك العملية جمع كمية أقل من البيانات الخام، ولكن بدلاً من تفسير تلك البيانات الخام بالطريقة التقليدية -التي تتضمن إجراء عملية حسابية مجرَّبة ودقيقة ولا تعتمد على الذكاء الاصطناعي- يقومون بتدريب ذكاء اصطناعي على القيام بعملية تحويل البيانات إلى صور فحص، أما إن حاول العلماء والأطباء تفسير البيانات الخام التي أصدرتها عملية المسح السريع بالرنين المغناطيسي فإن النتائج ستكون سيئة؛ وذلك بسبب نقص المعلومات في الأساس، أما مع استخدام الذكاء الاصطناعي فستصبح النتائج أفضل.
ويتمثل الهدف الآن في جعل آلات التصوير بالرنين المغناطيسي تعمل بوتيرة أسرع عشرة مرات، وفي الوقت نفسه تنتج صور فحص تتمتع بالدقة المطلوبة، وفي هذا السياق عمل العلماء في جامعة نيويورك على هذه الفكرة منذ سنة 2016، وفي الآونة الأخيرة أعلنوا عن تعاونهم مع قسم الذكاء الاصطناعي التابع لشركة فيسبوك -والذي يدعى فَير (FAIR)- للمُضيِّ قدماً في تحقيق هذا الهدف.
أما عن فوائد تسريع عملية التصوير بالرنين المغناطيسي فهي عديدة؛ من بينها تقليص مدة مكوث المرضى داخل الآلات، وزيادة عدد الفحوصات اليومية التي تُجريها المراكز الطبية والمستشفيات، كما تشير الدراسة إلى فائدة أخرى هي أن بإمكان الطبيب -إذا استطعنا تشغيل آلات التصوير بالرنين المغناطيسي بسرعة كافية- أن يطلب إحدى هذه الفحوصات الرنينية بدلاً من أن يطلب الفحوصات التقليدية بالأشعة السينية أو التصوير المقطعي المحوسب (CT)، فيستطيع بذلك أن يحفظ صحة المريض من تلقِّي دفقة من الإشعاعات كان سيتلقاها عند عمله لتلك الفحوصات؛ لأن التصوير بالرنين المغناطيسي لا يستخدم الأشعة.
لا شك أن هذا المشروع يقدِّم منهجية مهمة لدمج الذكاء الاصطناعي في الطب؛ فغالباً ما يستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل ما الذي تحتويه الصور في الحياة اليومية، وقد تكون هذه الصور مثلاً لطبق باستا أو هوت دوغ رفعها أحد المستخدمين على حسابه في وقع يلب (Yelp)، أما في قطاع الطب، فقد بحثت العديد من الدراسات الحديثة إمكانية استخدام الذكاء الاصطناعي في اكتشاف مرض السل في فحوصات الرئة بالأشعة السينية أو اكتشاف علل الرُّكب في فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي. وفي عمل تعاوني بين شركة ديب مايند (التابعة لألفابيت، الشركة الأم لغوغل) ومستشفى مورفيلدز آي (Moorfields Eye) في إنكلترا، سيعمل الذكاء الاصطناعي على تحليل فحوصات ثلاثية الأبعاد للجزء الخلفي من عيون المرضى، بل من الممكن أن يقترح العلاج أيضاً.
لكن الإستراتيجية مختلفة في حالتنا هذه؛ لأن الذكاء الاصطناعي هو من سيُنشيء صورة الفحص أصلاً.
يقول سوديكسون: "إن الذكاء الاصطناعي يتمتع بالقدرة على رصد التحولات التي لا تتَّضح للعقل البشري لأول وهلة"، في إشارة منه إلى عملية تحويل البيانات الخام إلى الصور التي يقرأها علماء وأطباء الأشعة فيما بعد، ويضيف: "وقد رأينا حتى الآن بوادر إيجابية تشير إلى أن الذكاء الاصطناعي بإمكانه فعل ذلك حقاً".
وبطبيعة الحال تبدو فكرة "إنشاء صورة فحص بناء على بيانات خام أقل من المعتاد" فكرة خطرة، وتبرز أسئلة قلقة مثل: ماذا لو حوَّل الذكاء الاصطناعي تلك البيانات بطريقة تُنتج صورة جيدة لكنها تفوِّت شيئاً شديد الأهمية؟ تمزقاً ضئيلاً مثلاً في إحدى العضلات أو ورماً ضئيل الحجم؟ يدرك العلماء والباحثون في هذا المشروع هذه المخاوف؛ حيث يقول سوديكسون إنها تمثل أكبر حجر عثرة أمامهم حتى الآن، ويصرِّح "لا بد لنا أن نتأكد من إنتاج صور فحص تطابق الواقع والحقيقة"، ويضيف: "إن في جعبتنا الكثير من الطرق لاختبار ذلك".
ولم يتوصل الذكاء الاصطناعي حتى الآن إلى إنتاج صور (انطلاقاً من عملية فحص أسرع) أفضل من الصور التي تنتجها الفحوصات العادية والتي تُجرى بسرعة طبيعية، مع أنه أثبت بالفعل كفاءته في إنشاء صور جيدة انطلاقاً من كمية بيانات خام أقل، وبمستوى أفضل من الطرق السابقة التي تفعل ذلك، ويقول سوديكسون أخيراً: "لقد وجدنا أن الذكاء الاصطناعي يؤدي بشكل أفضل من أي طريقة لدينا سابقاً، لكن المشكلة تكمن في أنه لم يصل بعد إلى الجودة العالية التي تتمتع بها الفحوصات الكاملة".