هل يوجد ارتباط بين تعاطي الكحول والخرَف؟ الأمر معقَّد

3 دقائق
ما تزال الأدلة غير واضحة.

تخيل لو أخبرك أحدهم أن عدم شرب الكحول يجعلك أكثر عرضة للإصابة بالخرف؟ لا شك أن هذا التصريح جريء، ولكن بعض التقارير الإعلامية قد وضعته، وتركت الجمهور يتساءل عما إذا كان تناول الكحول أفضل لأدمغتهم.

وقد أثارت مقالة حديثة في المجلة الطبية البريطانية الجدل العلمي حول العلاقة بين الامتناع عن الكحول وتطور الخرف، وشملت الدراسة تسعة آلاف موظف مدني يعملون في لندن، كانت أعمارهم تتراوح بين 35 و 55 عاماً عندما بدأت الدراسة بين عامي 1985 و 1988. وعندما انتهت الدراسة في عام 1993، كان متوسط ​​أعمارهم 50 سنة، وتم تحليل السجلات الطبية للمشاركين لتحديد تشخيص الخرف (بعد أكثر من 23 سنة -في المتوسط- من انتهاء الدراسة)، ووجدت النتائج أن الامتناع عن تعاطي الكحول في منتصف العمر كان مرتبطاً بزيادة مخاطر الإصابة بالخرف بنسبة 45% مقارنة بالأشخاص الذين استهلكوا ما بين وحدة إلى 14 وحدة من الكحول أسبوعياً.

أما أولئك الذين كانوا يشربون أكثر من 14 وحدة في الأسبوع فكانت النتائج أقل إثارة للدهشة، حيث إن كل سبع وحدات زائدة عن الـ 14 وحدة في الأسبوع، كانت تزيد خطر حدوث الخرف بنسبة 17%، وقد خلصت الدراسة إلى ما يلي:

"تشير هذه النتائج إلى أن الامتناع عن تعاطي الكحول والإفراط في استهلاكه يرتبطان بزيادة خطر الإصابة بالخرف، بالرغم من أن من الممكن أن تكون الآليات الأساسية مختلفة في المجموعتين".

إزعاج مربك

إذن ما الذي سنفعله للقيام بهذا البحث؟ دائماً ما نجد في دراسات كهذه أن إحدى العثرات الكثيرة لاستكشاف العلاقة بين متغير التعرض (الكحول) ومتغير النتيجة (الخرف) هي وجود عوامل الإرباك؛ إذ هي أسوأ كابوس إحصائي، وهي متغيرات يمكن ربطها بشكل مبرر مع كل من متغير التعرض ومتغير النتيجة.

وفي هذه الدراسة، كان الممتنعون عن الكحول الذين يعانون من مستويات مرتفعة من الأمراض (مثل أمراض القلب والسكري والبدانة) هم الأكثر عرضة لخطر الإصابة بالخرف، وقد تكون الإصابة بمرض جسدي هي سبب امتناع هؤلاء الأشخاص عن شرب الكحول، وقد تكون هذه الأمراض الجسدية نفسها هي سبب تطور الخرف. وبالتالي يمكن أن يكون المرض الجسدي غير المرتبط باستهلاك الكحول عاملاً مربكاً لكل من الامتناع عن تعاطي الكحول والخرف، وقد يكون الشرب مجرد رنجة حمراء (وهي مغالطة منطقية تتمثل في عرض حجج أو أسباب جاذبة خارجة عن الموضوع لتشتيت الانتباه عن الموضوع الأصلي).

الامتناع عن تعاطي الكحول له فوائده.
حقوق الصورة: ليتيم/شاترستوك

وهناك مشكلة كبيرة أخرى في الدراسات التي تستكشف العلاقة بين الامتناع عن تعاطي المسكرات والخرف، وهي النطاق العمري الذي تمت تغطيته؛ فقد بدأت الدراسة تبحث في عادات الشرب عند الحد الأدنى بعمر 35 عاماً، وانتهت عندما كان متوسط ​​العمر 50 عاماً، ولكن ماذا عن الأشخاص الذين كانوا يُفرطون في الشرب في سنوات عمرهم الأصغر أو الأكبر من 55 عاماً؟ وهذا مهم جداً؛ إذ إن من المرجح أن تكون شريحة كبيرة من المجموعة التي تمت دراستها جزءاً من جيل "الطفرة السكانية"، وقد شهد هذا الجيل أعلى ارتفاع في معدل إساءة استخدام الكحول على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، وهي فترة من الزمن خارج نطاق الدراسة.

ويجب أن ندرك أيضاً أن ما بين الربع إلى الثلثين من الأشخاص المسنين يبدؤون في شرب معدل أكبر من الحد الموصى به (البالغ 14 وحدة) لأول مرة بعد سن الستين، وقد تكون هذه الأنماط من الشرب في الأعمار قبل فترة الدراسة وبعدها قد أثرت على النتائج، وقد يكون هؤلاء الذين تم تصنيفهم على أنهم ممتنعين عن تعاطي الكحول خلال فترة الدراسة قد بدؤوا يشربون في وقت لاحق من عمرهم.

مستوى روحي آخر

وقد أفاد الراحل غريفيث إدواردز (وهو أستاذ في طب نفس الإدمان) منذ أكثر من 50 عاماً بما يلي:

"إن من التفاؤل المفرط أن نفترض أن التمثيل النسبي المنخفض للفئات العمرية الأكبر سناً يفسر فقط بكبار السن الذين تلقوا العلاج الذي يحتاجونه عموماً، أو عادوا إلى الشرب الطبيعي. ويبدو أن هناك تلميحاً -في جزء من هذه النتيجة- لانخفاض العمر المتوقع بسبب تعاطي الكحول".

والبشر الآن يتمتعون بعمر أطول، فقد زاد عدد الذين يعيشون في عمر السبعين وما بعده؛ وهو ما وفَّر فرصة للنظر إلى الكحول والخرف بمزيد من التفصيل، ومن خلال دراسة الاختلافات بين الخرف المرتبط بالكحول وبين الأشكال الأكثر شيوعاً للخرف (مثل مرض ألزهايمر) سنرى أنها مختلفة من نواح كثيرة؛ فعلى سبيل المثال: نادراً ما تشاهَد مشاكل اكتشاف الكلمات (الموجودة في مرض ألزهايمر) في الخرف المرتبط بالكحول، وهو ما يحدث أيضاً في وقت مبكر جداً مع حدوث تغيرات في السلوك.

ويحتاج الباحثون إلى التأكد من أنهم يحددون الخرف المرتبط بالكحول بشكل أكثر دقة؛ من أجل أن تكون هذه الأنواع من الدراسات حاسمة، وإذا لم يكن الأمر كذلك فمن المرجح جداً أنهم ينظرون إلى الأنواع الأخرى من الخرف مع عوامل الخطر الأخرى؛ مثل ارتفاع ضغط الدم أو مرض السكري.

وأخيراً فإن الكحول عقار يضر بأعداد متزايدة من كبار السن، ونحن في حاجة إلى الوصول إلى الحقائق الصحيحة لتأثيره على الدماغ؛ فمن الممكن ألا نستطيع التعامل مع حقيقة الشرب، لكن كل ما يتطلبه الأمر هو مجرد وميض من الأمل بخصوص فوائد امتناع المرء عن تعاطي الكحول؛ من أجل إذكاء نيران المعلومات المضللة.

أما أولئك الذين يشربون الكحول، فإن الذين يشربون منه كميات أعلى من حدود المخاطر المنخفضة قد تلقوا -مرة أخرى- تحذيراً صحياً، وهو أمر يجب علينا أن نواصل الاهتمام به، ولكننا نحتاج أيضاً إلى إيصال رسالة تفيد أن الخرف المرتبط بالكحول يحتاج إلى إعادة اكتشافه والتحقيق فيه مرة أخرى.

المحتوى محمي