تتعرَّض حالياً 17 ولاية في شرق الولايات المتحدة لتحذيرات حرارية؛ حيث تصل درجات الحرارة إلى 35 درجة مئوية تقريباً في بعض المناطق مثل فيلادلفيا وهارتفورد وناشفيل، كما أن الرطوبة المصاحبة لهذا الطقس تجعل ملايين الأشخاص يشعرون بدرجة الحرارة كأنها تتراوح حول 40 درجة مئوية، وهي درجة كافية لتُسبِّب قلقاً صحياً.
تقول سوزان بيفرز (المسؤولة الطبية في فرع الربو والصحة المجتمعية في مراكز مكافحة الأمراض): "لا يدرك الأشخاص في بعض الأحيان أنهم في حاجة إلى اتخاذ بعض الاحتياطات الإضافية؛ أي أنهم في حاجة إلى التهوين على أنفسهم، وألا يقوموا بالكثير من الأنشطة في الخارج، وأن يشربوا الكثير من الماء".
ومن المعلوم أن الحرارة شيء خطير؛ إذ تشهد الولايات المتحدة مئات الوفيات المرتبطة بالحرارة كل عام (كما أن الطقس الحار هو أكثر أنواع الطقس فتكاً)، ومن المحتمل أن نشهد المزيد في المستقبل؛ حيث سيؤدي تغير المناخ إلى تكرار الموجات الحرارية بشكل متزايد، مما سيؤدي بدوره إلى مزيد من الوفيات، وهذه الأمراض المرتبطة بالحرارة خطيرة حتى عندما لا تكون قاتلة؛ إذ إن من الممكن أن تؤدي إلى تفاقم المشاكل الصحية الموجودة.
كما أن جسم الإنسان مصمَّم للعمل بالشكل الأمثل عند درجة حرارة معينة، وهي 37 درجة مئوية على وجه الدقة، وتعد تغيرات هذه الدرجة طبيعية إذا كانت بحدود نصف درجة مئوية أو نحو ذلك، ويمتلك الجسم آليات مختلفة لإعادة الحرارة إلى استقرارها؛ فإذا بدأت ترتفع هذه الدرجة فإننا نتعرَّق ونُطلق الحرارة لنبرِّد أنفسنا، ولكن عندما ترتفع درجات الحرارة ويكون الهواء رطباً -كما يحدث خلال موجة الحر في شهر أغسطس- فإن كل هذه الآليات لا تكون فعالة.
وتنتقل الطاقة الحرارية بشكل طبيعي من المكان الدافئ إلى المكان الأكثر برودة، وعندما تكون درجة الحرارة خارج الجسم أقل منها داخل الجسم، فإن الحرارة تتلاشى، أما إذا كانت درجة الحرارة في الخارج أكبر منها في الداخل أو قريبة منه، فحينئذ لن تتلاشى، بالإضافة إلى أن العرق سيتبخر من سطح الجلد؛ مما يُزيل الحرارة. لكن عندما يكون الهواء المحيط مليئاً بالرطوبة، فإن العرق يكون أبطأ تبخراً، ولا يتمكَّن من تبريدنا أيضاً.
وعندما يحاول الجسم أن يبرد، فإنه يرسل الدم إلى سطح الجلد (لإطلاق الحرارة)، ويسحب الماء من مجرى الدم إلى الغدد العرقية، لكن المشكلة تكمن في أن ذلك يسرِّع الجفاف، ويؤدي إلى توافر كمية أقل من الدم لنقل الأكسجين إلى الأعضاء الداخلية والدماغ. ولأن الدم يحتوي على كمية أقل من الماء، فحينئذ يصبح الجريان صعباً عليه.
وحين يستمر هذا الأمر لمدة طويلة ولا يتم تعويض السوائل، فيمكن أن يحدث الإنهاك الحراري؛ تقول بيفرز: "إذا كنت تعاني من التعرُّق الشديد والتشنّجات والوهن، فقم بالتوقف عما تقوم به واشرب المشروبات الباردة واخلد إلى الراحة"، وتشمل الأعراض الأخرى الدوخة والغثيان والصداع.
كما تقول بيفرز إنه يمكنك علاج الإنهاك الحراري في المنزل، ولكن إذا بدأ الشخص يرتبك أو تظهر عليه أعراض عصبية أخرى، فهذه علامة على ضربة الشمس، ولا بدَّ حينئذ من المساعدة الطبية المتخصِّصة، وتضيف: " إذا حدث أي تغيُّرات في الحالة العقلية فاطلب الرعاية الطبية على الفور".
ويعدُّ الأطفال الصغار وكبار السن معرَّضين بشكل خاص لخطر الإصابة بالأمراض المرتبطة بالحرارة؛ وذلك لأن قدرتهم على تنظيم درجة حرارة جسمهم الداخلية أضعف في المقام الأول، وقد يعاني كبار السن أيضاً من حالات صحية كامنة مثل مشاكل القلب أو الجهاز التنفسي، مما يجعل أعراض الإنهاك الحراري أكثر خطورة. ولذلك عليك أثناء موجة الحر أن تتفقَّد الجيران المسنين، وأن تُبعد الأطفال عن الشمس، وألا تترك أي أطفال أو حيوانات أليفة في السيارة.
وتقول بيفرز أيضاً بأنه لا بد من شرب الكثير من الماء لضمان السلامة في الطقس الحار، وليس عند الشعور بالعطش فقط، كما عليك ارتداء الملابس الفضفاضة والخفيفة، وتجنّب الألوان الداكنة التي تمتص الحرارة، وابق بعيداً عن الشمس، وتجنّب بذل أي جهد غير ضروري، ولا تشرب المشروبات الكحولية أو التي تحتوي على الكافيين؛ حيث إنها تسبِّب الجفاف، كما يمكن أن يساعد الاستحمام على الحفاظ على برودة الجسم، على الرغم من أن الرطوبة العالية قد تجعله أقل فعالية. ويقول الباحثون إن المراوح ليست مفيدة كثيراً في الحفاظ على البرودة، على عكس الاعتقاد الشائع؛ وذلك لأنها تقوم ببساطة بدفع الهواء الساخن في الأرجاء بدلاً من تدوير الهواء البارد في الغرفة، مما قد يجعل حرارتك ترتفع.
وتقول بيفرز: "حاول أن تبقى تحت تكييف الهواء؛ حيث إن التعرُّض لمكيف الهواء -ولو لساعات قليلة- يمكنه أن يساعد الجسمَ على التعامل مع الحرارة"، وإذا لم يكن لديك تكييف هواء في المنزل، فعليك أن تقضي بعض الوقت في أحد الأماكن العامة كالمركز التجاري أو المكتبة.
أما بالنسبة للأشخاص الذين تتطلب وظائفهم العمل في الخارج حتى أثناء موجة الحر، فتوصيهم بيفرز بالتزام التعاون فيما بينهم، مع أخذ استراحات في الظل أو في الداخل، وشرب الكثير من الماء، وتضيف: "حاول التعرُّض للحرارة والتعود عليها تدريجياً، ولا تنتقل من عدم العمل خارج المنزل أبداً إلى العمل في الخارج لعشر ساعات يومياً".
وتقول بيفرز أخيراً إن أخذ المخاطر المحتملة على محمل الجد مهمٌ لضمان السلامة في موجة الحر، وتضيف: "إن الناس لا يدركون خطورة الحرارة".