بطولها الذي لا يتجاوز نصف سنتيمتر، وبأناقتها التي تصل إلى حد الإبهار، تعد ذكور عنكبوت الطاووس واحدة من درر عالم العناكب، وإذا كنت لا تعيش في بعض مناطق أستراليا وتقضي هناك وقتاً طويلاً في فصل الربيع تراقب العناكب، فربما تكون قد تعرفت عليها من خلال الصور المتحركة؛ حيث تسترعي رقصاتها المميزة -التي تتودَّد بها للإناث- الانتباهَ على شبكة الإنترنت المتعطشة دوماً لصور الحيوانات الغريبة، والآن يُلهم هذا العنكبوت الصغير ذو الألوان الصاخبة الباحثين في مجال الروبوتات الليِّنة في جامعة هارفارد، ولا يتجاوز طول روبوتهم الجديد -الذي يحمل شكل عنكبوت الطاووس- نصف سنتيمتر، وهو ذو خصائص مذهلة.
يقول كبير المؤلفين توماسو رانزاني (الذي يعمل الآن في جامعة بوسطن، رغم أنه قدَّم هذا العمل في جامعة هارفارد): "أتت فكرة تصميم وصناعة الروبوت اللين -المستوحاة من عنكبوت الطاووس- من حقيقة أن هذه الحشرة الصغيرة تجسِّد تحديات كثيرة لم تجد حلولاً في عالم الروبوتات اللينة"؛ فالعنكبوت حيوان صغير ويستطيع الحركة في نطاق صغير جداً، وللتحضير لرقصة التزاوج، فإن لديه -وفقاً لرانزاني- "هامشاً واسعاً من حرية الحركة، والذي يستطيع فيه التحكم في حركته باستقلالية"، وهو بالطبع شيء رائع يستطيع الباحثون الاستفادة منه باستخدام الماء المصبوغ.
الماء جزء أساسي من قدرة الروبوت العنكبوتي على الحركة؛ حيث إن هذه السوائل تجري عبر ممرات دقيقة في جسمه، وهي مصممة خصيصَى لتتسبب في تحريك العنكبوت بطرق معينة، ورغم أن الباحثين لا يستطيعون تحريكه تماماً كما يتحرك العنكبوت الحقيقي الذي استلهموا فكرتهم منه، فإنهم يقولون إن هذا الروبوت -أو روبوتاً آخر يشبهه- سيكون قادراً على القيام بمهام جراحية دقيقة مقارنةً بالقدرات الحالية للروبوتات الليِّنة.
وإذا شاهدت هذا المقطع المرئي الخاص بالروبوت في أثناء حركته فسترى كيف أن السوائل -التي يتم ضخُّها عبر ممرات صغيرة في جسمه- تتسبب في تحرك الكائن الصغير بطرق متعددة؛ أي ما مجموعه 12 درجة من الحركة، وستة أنواع أخرى من التعديلات، بما في ذلك اللون والتركيب الهيكلي.
وبالنظر إلى أن الأوردة مثلاً تعد -من حيث قدرة هذا الروبوت على الحركة- ضمن النطاق الصغير أو حتى المتوسط، فمن الواضح أن له تطبيقات طبية محتملة، كما يقول كام لينج (وهو مهندس روبوتات من جامعة يوتا، ويعمل أيضاً في مجال الروبوتات اللينة ذات الاستخدامات الطبية، والذي لم يشارك في الدراسة الحالية): "إذا كنت تريد الدخول إلى جسم الإنسان، فأنت في حاجة إلى استخدام شيء ليِّن".
لكن عنكبوت الطاووس الصغير ليس جاهزاً للربط على قناع جراحي حتى الآن، فهذا التصميم هو مجرد دليل على مفهوم لطريقة جديدة في بناء الروبوت تعرف باسم "MORPH"، وهي اختصار لعبارة: الطي الموائعي الجزيئي للأجهزة الهوائية الهيدروليكية القابلة لإعادة التشكيل.
وقد قام الفريق ببناء العنكبوت في عملية واحدة على مدار عدة أيام؛ حيث قاموا أولاً بإنتاج 12 طبقة من السيليكون، كل منها ذات نماذج مزخرفة مثل رقاقة الكمبيوتر، ثم استخدموا أشعة ليزر دقيقة لجعل هذه النماذج أكثر تنظيماً؛ ولذلك قامت الطبقات -عندما تم لصقها كلها معاً- بتشكيل ما يعرف بـ "دارة موائعية جزيئية مدمجة"، هذه الدارة هي التي تسبِّب حدوث الطي عندما يتم ضغطها بالسوائل، وإذا تم استخدام شيء مثل الماء أو الهواء فمن الممكن أن ينتقل العنكبوت إلى وضع جديد ثم يعود إلى شكله الأصلي، ولكن السوائل التي تتحول إلى مادة صلبة عندما تتعرض لمنبِّه -مثل الحرارة أو الأشعة فوق البنفسجية- يمكنها أن تترك العنكبوت "مطوياً" بشكل دائم في أحد الأشكال الجديدة.
يبدو هذا بسيطاً، لكن رانزاني يقول إن وضع الطبقات بدقة أثناء عملية الربط، وقطعَ المسارات بالليزر، كل منهما يعد عملية دقيقة للغاية؛ حيث إن طبقات العنكبوت وممراته أدق من شعرة الإنسان.
وعلى الرغم من أنه يبدو جذاباً بالفعل، إلا أن رانزاني يقول إن روبوت عنكبوت الطاووس هو مجرد البداية؛ حيث إن "هذا الجهاز هو دليل على مفهوم عملية التصنيع، ونحن نعتقد أنه سيمهِّد الطريق لجيل جديد من الروبوتات الليِّنة، التي يمكنها استغلال حجمها الصغير وأجسامها المرنة القابلة لإعادة التشكل في استكشاف بيئات غير منظَّمة ومعقدة للغاية".
لذلك خذوا حذركم يا من تعانون من رهاب العناكب.