يجب على الرياضيين المحترفين الحفاظ على لياقتهم البدنية عاليةً حتى يستطيعوا أداء مهامهم، لكنهم -كبقية الناس- تنخفض قوة أدائهم هذه مع تقدمهم في السن، ومعظمهم يتقاعدون قبل سن الأربعين. ومع ذلك فإن نخبة قليلة منهم يتجاوزون الحدود المتوقعة لما يمكن أن تفعله أجسام الذين تقدمت أعمارهم، مما يدفع بعض الناس للتساؤل عما إذا كان ممكناً أن يكون الرياضي الأربعيني بكفاءة الرياضي العشريني!
يصدق هذا الكلام على عصام الحضري (حارسُ المرمى المصري البالغ من العمر 45 عاماً)؛ فقد أصبح أكبرَ لاعب في تاريخ كرة القدم على الإطلاق. وكذلك توم برادي (لاعب الوسط في دوري كرة القدم الأميركية)؛ فقد لعب في المبارة النهائية للدوري عامي 2017 و2018 على التوالي، وقد سجل رقماً قياسياً قدره 4577 ياردة في الموسم الأخير وهو في الأربعين من عمره. كذلك من الواضح أن بارتولو كولون (الرامي في فريق تكساس رينجرز للبيسبول، والبالغ من العمر 45 عاماً) ليس لديه نية في أن يتراجع مستواه، وقد كان هذا الرامي المخضرم مرغوباً فيه من فريق نجوم الأندية حتى عام 2016، ولا يزال يتمتع بموسم رائع هذا العام رغم تقدمه في السن.
ما الذي يميز هؤلاء الرياضيين حتى يحافظوا على أدائهم عند أعلى مستوى بعد مُضيِّ سنوات على اعتزال زملائهم؟ وهل سيعتزلون اللعب يوماً ما؟
يقول بيتر كير (الأستاذ في قسم علم الحركة في جامعة ماكماستر): إن أكبر العوامل المؤثرة في ذلك -على ما يبدو- هو الحظ والعقلية؛ حيث يبدأ اللاعبون عادةً بين 30 و40 عاماً في التعرض لإصابات أكبر وأوقات شفاء أبطأ، وبالتالي فإن تفادي حدوث إصابة خطيرة في وقت متأخر من المسيرة الرياضية يعد أمراً أساسياً لطول العمر الرياضي، ونتيجة لذلك نجد اللاعبين الأكبر سناً في الفريق عادة ما يكونون في المراكز الأقل اتصالاً؛ مثل الظهير الخلفي، أو حارس المرمى، أو مسجل الأهداف الميداني، أو الرامي، حيث إن هذه الأدوار تعتمد أكثر على الخبرة والمهارة والحكمة، مع العلم الدقيق بمكان رمي أو ركل الكرة، أو مكان وضع الجسم لإيقافها؛ مما يجعل التقدم في السن مصدر قوة.
وقد يكون تجنب التعب أهمَّ من تجنب الإصابة؛ فمن المرجح -بعد منافسة دامت 30 سنة أو أكثر- أن تُضعف الكثير من دوافع الرياضيين، وقد يكون مفتاح الاستمرار في اللعب هو -بكل بساطة- الرغبة في القيام بذلك؛ يقول كير: "يعود الكثير من ذلك إلى ما يمكن أن يوصف بأنه عِناد ذو طراز قديم؛ حيث يظل هؤلاء الرياضيون في القمة ما داموا يستطيعون ذلك. وأعتقد أن هذا العناد يلعب دوراً كبيراً في رغبة البقاء في القمة والعمل بجد".
ولا شك أن التدريب مهم أيضاً؛ إذ من الممكن أن يساعد دمج ما يسمى الحركات البالستية (وهي تمارين يقوم فيها الرياضي باستخدام كامل قوته بأسرع ما يمكن) بالتمارين الرياضية، من خلال التدريب على فترات عالية الكثافة في الحفاظ على ألياف العضلات الكبيرة، بينما يمكن أن يؤدي رفع الأوزان إلى الإرهاق. ويُقسِم برادي -في دراسة أقل دقة- أن طريقته سيئة الصِّيت والمسماة (TB12) تصف "قابلية انطواء العضلات"، (لكن الباحثين يقولون إن هذا ليس شيئاً حقيقياً). ويعزو الحضري نجاحه إلى حمام الثلج؛ فهو يساعد في تقليل الألم والالتهاب والإرهاق من خلال تقليل تدفق الدم إلى العضلات، كما أن التمدد ضروري أيضاً لحماية المفاصل ومنع الإصابة؛ فكلما تقدمنا في السن، أصبحت عضلاتنا أكثر تصلباً، وقد يؤدي هذا التصلب إلى تغيير آليات حركتنا، مما قد يؤدي إلى الإصابة.
إذن، ما حدود السن الرياضية؟ هل سنرى شخصاً عمره خمسون عاماً يتنافس مع شاب عمره عشرون عاماً؟ على الأغلب لا؛ ففي النهاية ستنهار قوة عضلاتك، بغض النظر عن قوة عزمك، مما سيؤدي إلى فقدانك القوة والسرعة والرشاقة.
يقول كير: "أعتقد أن التغييرات الكبيرة تحدث بعد بلوغك سن الأربعين، نعم هناك أشخاص يلعبون في مستوى النخبة في أواخر الثلاثينيات في كل الرياضات تقريباً، ولكنه أمر نادر بعد الأربعين؛ حيث إن الأمر ينتهي بنا -مع خسارة كتلة العضلات- إلى نتحرك أبطأ قليلاً، لأننا نخسر بعضاً من هذه الألياف العضلية سريعة الانقباض، وهذه الألياف هي التي تضيف القوى الكبيرة، فإذا بدأت في فقدانها، صرت أضعف مع الوقت".
كما تتدهور قوة العضلات مع التقدم في السن من خلال عملية تسمى "ضمور اللحم"؛ إذ تبدأ الألياف العضلية -لا سيما الألياف العضلية سريعة الانقباض (والتي تعتبر مهمة في العدو السريع)- في الانخفاض من حيث العدد والحجم، وفوق ذلك فإن الخلايا العصبية الحركية (القادمة من الحبل الشوكي، والتي تندمج في تلك الألياف العضلية) تبدأ في الموت.
لو كنا صغاراً لكانت الخلايا العصبية الحركية الأخرى ستنهض من ركودها وتنمِّي فرعاً جديداً لتدعيم الألياف العضلية، ولكن يتم كبح هذا التعافي كلما تقدمنا في السن. وهناك تقارير متضاربة حول وقت بدء هذه العملية؛ فهناك بعض الدراسات تشير إلى أننا نُبدي علامات لذلك في وقت مبكِّر من الثلاثينيات، في حين يدَّعي آخرون أن هذه التغييرات لا تحدث حتى ندخل مرحلة الخمسينيات من أعمارنا.
قد يكون لفرق السن هذا علاقة بنمط الحياة؛ حيث يقول راسل هيبل (أستاذ العلاج الطبيعي وعلم الأحياء العضلي في جامعة فلوريدا): "إن المثل القديم يقول: (إن لم تستخدمه، فستفقده)؛ وبالتالي فهذه هي الطريقة التي يجب التعامل بها مع التقدم في السن؛ حيث إن الجسم الذي يتحرك يكون أقرب إلى استمرار الحركة فيه".
إن أفضل طريقة لمنع ضمور العضلات هي الاستمرار في ممارسة الرياضة، والعدَّاؤون الثمانينيون خير مثال على ذلك؛ ففي حين أنهم لم يعودوا في حاجة إلى الفوز بالجوائز إلا أن كبار السن (مثل كاثرين بييرز البالغة من العمر 85 عاماً) يكملون سباقات الماراثون بشكل منتظم؛ إذ إن الدافع والتدريب وتجنب الإصابات شيء مهم أيضاً عند هذه المجموعة من رياضيي النخبة، على الرغم من أن الوراثة قد تلعب دوراً مهماً أيضاً، ويبدو كذلك أن الرياضيين المسنين يكون الحفاظ على كتلة العضلات لديهم أفضل من أقرانهم ممن يخلدون إلى الراحة، لا سيما في الاتصال بين الخلايا العصبية الحركية والألياف العضلية؛ يقول هيبل: إن أحد الاحتمالات هو أن لديهم "معدل شيخوخة أبطأ".
ومع ذلك فلا ينبغي عليك أن تجري في سباقات الماراثون حتى تجرب فوائد التمرين، بل يرى هيبل أن معظمنا يمكنه -بل ينبغي عليه- أن يفعل أكثر مما يفعله الآن، وبغض النظر عن عمره؛ يقول هيبل: "إن النشاط البدني -وأنا أعني ما أقول- هو انتصار كبير لك، فهو أكثر عمل فعال يمكنك القيام به من أجل الحفاظ على صحتك مهما تقدمت في العمر".