يعتبر العلم مقياساً جيداً لقياس التقدم وكذلك لأوجه القصور التي نُعاني منها كجنس بشري، وتعكس الإنجازات والاكتشافات في عام 2019 تلك الازدواجية، من الاحتفال بالإنجازات العظيمة إلى تسليط الضوء على المشاكل التي كنّا نأمل أن نتجنبها.
إليك قائمتنا لأبرز الأخبار العلمية التي حدثت هذا العام.
1. لوحة فنية كونية لثقب أسود
حلقة متوهجة من الإشعاع، والتي تنبعث من المادة المُعذّبة، من الغاز والغبار وحتى الضوء، من خلال تشوه في نسيج الزمكان، كأنها لوحة فنية كونية مُبدعة للغاية، يسحبها أفق الحدث لهذا الثقب الأسود.
يمكن التعبير عن قوانين الفيزياء في عدد من المعادلات الرياضية المدمجة، لكن رؤية هذه القوانين ببساطة هو أمر مثير للدهشة والانبهار، وهو ما شهدناه مع أول صورة لثقب أسود، التقطها فريق تلسكوب أفق الحدث هذا العام. يقع هذا الثقب الأسود في مركز مجرة «مسييه 87»، التي تبعد عنّا 55 مليون سنة ضوئية، ويملك كتلة تساوي نحو 6.5 مليار من كتلة الشمس.
2. النجوم القزمة البيضاء تتحول إلى بلورات
كشف علماء الفلك بجامعة وارويك عن أول دليل مباشر على تبلور النجوم القزمة البيضاء، أو تنتقل من الحالة السائلة إلى الصلبة، وأن سماؤنا مملوءة بتلك النجوم. يساهم هذا الكشف نحو معرفة الأعمار الدقيقة لهذه الأقزام البيضاء الأكثر برودة، وبالتالي معرفة أعمار النجوم القديمة في مجرتنا درب التبانة. يرجع كثير من الفضل في هذا الاكتشاف إلى مشاهدات القمر الاصطناعي «جايا»؛ بفضل القياسات الدقيقة التي يستطيع القيام بها، قد فهمنا ما بداخل هذه الأقزام البيضاء بطريقة لم نتوقعها أبداً.
3. الهبوط على الجانب البعيد من القمر
هبط المسبار الصيني «Chang'e-4» على الجانب البعيد من القمر، وهو الجانب الذي لا نستطيع رؤيته من الأرض. قبل نجاح هذه المهمة، لم تتمكن أي دولة أو وكالة فضاء من الهبوط على الجانب الآخر من القمر في الماضي.
هبط المسبار في القطب الجنوبي-حوض أيتكين «South Pole-Aitken Basin»، وهو موقع لاصطدام هائل حدث قبل نحو 3.9 مليار سنة، حيث تقع فوهة أيتكين عند نهايته الشمالية والقطب القمري الجنوبي عند النهاية الأخرى، تاركاً فوهة بلغ قطرها نحو 2500 كيلومتر وبعمق نحو 13 كيلومتر، وهي واحدة من أكبر الفوّهات الناتجة من تصادم في النظام الشمسي، وأكبر وأعمق وأقدم حوض على سطح القمر.
من خلال هذه المهمة، سيتمكّن العلماء من دراسة بعض من أقدم الصخور القمرية، كما يأمل الفريق العلمي أيضًا في دراسة أجزاء من الصخور المُذابة التي تملأ موقع الهبوط، مما يتيح لهم التعرف على الاختلافات في تكوينها.
4. كشف ورصد الزلازل على كوكب المريخ
أعطى المسبار «إنسايت» التابع لوكالة ناسا -الذي هبط على سطح المريخ في نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2018- العلماء قدرة غير مسبوقة لكشف ورصد الزلازل على سطح الكوكب الأحمر. تمكن المسبار، من خلال المقياس الخاص بالزلازل، من الكشف عن أول زلزال على المريخ في أبريل/ نيسان الماضي. ومنذ ذلك الحين، سجل الباحثون أكثر من 100 من الأحداث الزلزالية، ومن خلال قراءة الموجات الزلزالية على سطح المريخ، يأمل العلماء في الكشف عن أدلة حول التكوين الداخلي للكوكب الأحمر.
ومع بحثنا المستمر لاستعمار الكوكب الأحمر في المستقبل، كشف العلماء، من خلال النظام التجريبي «EXPOSE-R2» التابع لبرنامج BIOMEX في محطة الفضاء الدولية، أن العديد من المواد والهياكل البيولوجية الأرضية بقيت على قيد الحياة في ظروف صعبة للغاية خلال اختبار للتحمل لمدة 18 شهراً في الفضاء.
وشملت الاختبارات عينات من الكائنات الحية المختلفة، مثل البكتيريا والطحالب والفطريات، والتي تعرضت لفراغ الفضاء والأشعة فوق البنفسجية المكثفة والتغيرات الشديدة في درجات الحرارة على السطح الخارجي لمحطة الفضائية الدولية على مدى فترة الاختبار. وبهذه النتيجة، يتحقق الهدف الرئيسي من هذه التجربة، من حيث المبدأ النظري، فإن الكائنات التي تعيش على الأرض في ظل ظروف بيئية قاسية للغاية، يمكنها أيضاً أن توجد على سطح كوكب المريخ.
5. جوجل تعلن تحقيق التفوق الكمومي
مثل قطة شرودنجر الشهيرة، يبدو أن ادعاء الوصول إلى التفوق الكمومي حياً وميتاً في وقت واحد.
أعلن باحثون من جوجل تحقيق إنجازاً ضخماً يُعرف باسم التفوق الكمومي، حيث تمكنوا من صُنع الكمبيوتر الكمومي الأول في العالم، الذي يمكنه تنفيذ عملية حسابية في مدة 3 دقائق يستحيل على جهاز كمبيوتر عادي القيام بها من الأساس. لكن في المقابل، زعم الباحثون في IBM أن جوجل لم تقم بأي شيء خاص.
يُبرز هذا الصراع الاهتمام التجاري المكثّف بالحوسبة الكمومية، حيث تتزاحم وتتصارع شركات التقنية العملاقة للوصول إلى طليعة هذا المجال، وقد نراه منتشراً في المستقبل القريب بالفعل.
6. العثور على أقدم جمجمة لواحد من أسلاف البشر
عثر الباحثون على حفرية لجمجمة شبه كاملة في إثيوبيا، يعود تاريخها إلى 3.8 مليون سنة، لأحد أسلاف البشر الأوائل يُسمى أسترالوبيتك أنامنسيس «Australopithecus anamensis»، وهو أقدم سلف معروف لدينا. قدمت هذه الجمجمة، والمعروفة باسم «MRD»، للباحثين أول نظرة على وجه هذا السلف القديم الغامض، والذي كان يُعرف سابقاً من مجرد عدد قليل من شظايا حفريات العظام.
يُظهر عمر هذه الجمجمة أيضاً أن هذا السلف القديم قد عاصر سلفاً آخراً للإنسان، وهو أوسترالوبيثيكوس أفارينيسيس «Australopithecus afarensis»، لنحو 100 ألف سنة على الأقل. وكان الهيكل العظمي الكامل تقريباً المعروف باسم «لوسي» أحد أعضاء هذا السلف الأخير، والذي جاب قارة أفريقيا منذ 3.9 و3 مليون سنة.
7. تطوّر هام في مكافحة فيروس إيبولا
يسلط فيروس إيبولا هذا العام الضوء على ما تحقق في كل من إنجازات التقدم العلمي والتحديات المستمرة عميقة الجذور لتطوير مستوى الصحة في الدول الفقيرة والبيئات الأصعب. قتل تفشي فيروس الإيبولا عام 2014 في غرب أفريقيا أكثر من 11 ألف شخص، مما لفت انتباه العالم إلى مخاطره، وأبرز إهمال العالم في البحث والتطوير في مجال الأمراض المعدية التي نادراً ما تشكل خطراً عالمياً.
في نهاية العام، أصبح لدينا لقاح فيروس إيبولا مرخص، واثنين من العقاقير العلاجية الفعالة. يمكننا الآن علاج المصابين وكذلك منع انتشار المرض، مما يسمح لنا بالانتقال من مجرد احتواء رد الفعل على انتشار المرض إلى الوقاية الأولية، نتيجة لأشكال التعاون الكبيرة والمبتكرة، والتي أوضحت لنا كيفية تطوير تقنيات جديدة وفعالة، في الحاضر وكذلك المستقبل.
8. الكشف مخاطر السجائر الإلكترونية
شهد هذا العام على مجهودات العلماء والباحثين في تحديد سبب مرض أصاب الرئة، وأسفر عن مقتل أكثر من 40 شخصاً وأصاب أكثر من 2000 شخص. حيث اتضح أن شكلاً من أشكال فيتامين E، والذي يوجد في عدة أنواع من السجائر الإلكترونية، كان هو السبب.
والآن، يحاول مشرّعي القانون أخذ هذه الصناعة المتنامية في اعتبارهم بعد ظهور مخاطرها، والتي ازدهرت في السنوات الأخيرة مع لجوء المراهقين إليها بديلاً عن التدخين العادي.
9. معدلات مخيفة للانقراض
كشف تقرير للأمم المتحدة أن ما يقرب من 500 ألف إلى مليون فصيلة ونوع من النباتات والحيوانات تواجه خطر الانقراض خلال العقود القليلة القادمة. يشير التقرير إلى أن 40% من البرمائيات، وأكثر من 33% من جميع الثدييات البحرية والشعاب المرجانية، وعلى الأقل 10% من أنواع الحشرات، كلها مهددة بالانقراض، ويرجع هذا إلى حد كبير لتصرفات البشر. ووجد الباحثون أيضاً أن أكثر من 500 ألف نوع من الكائنات الأرضية لم يعد يملك بالفعل ما يكفي من موطنه الطبيعي الذي يضمن بقاءه على قيد الحياة على المدى الطويل.
تساهم نتائج هذا التقرير مع مجموعة متزايدة من الأدلة التي تشير إلى أن الأرض تمر بموجة سادسة من الانقراض الجماعي، بمعنى أن هذه هي المرة السادسة في تاريخ الكوكب التي تعاني فيها الأنواع المختلفة من انخفاض عالمي كبير في أعدادها.
كان عام 2019 عاماً مهماً للعلم، حيث شهد على نهاية عقد من التطور والإنجازات، وكذلك التحذيرات الهامة بشأن التغير المناخي والمخاطر الناتجة بسببه، سنبدأ العقد الجديد في انتظار المزيد، وعلى أمل إيجاد حلول للمشاكل التي واجهتنا في العقد الماضي.