من الجزيرة العربية والمغرب.. أساليب عمارة مقاومة لعوامل المناخ

3 دقائق
العمارة التقليدية
حقوق الصورة: بيكساباي.

تعرضت الولايات المتحدة لسلسلة من الكوارث المناخية تسببت بخسائر بلغت قيمتها مليارات الدولارات على مدار عام 2021. كانت هناك موجات حرارة قياسية، وعاصفة شتوية أغلقت مدناً في جميع أنحاء تكساس وعواصف استوائية متعددة وحرائق غابات سجلت أرقاماً قياسية في ضخامتها، وأعاصير وعواصف بَرَد. ألحقت هذه الظواهر الطقسية أضراراً فادحة بالممتلكات العامة والخاصة، وألحقت الضرر بالناس في جميع أنحاء البلاد.

كيف يمكننا مواجهة الظواهر المناخية المتطرفة بأساليب العمارة المحلية؟

يعتمد التحضير لمواجهة ظواهر الطقس المتطرفة الناجمة عن أزمة المناخ في جزء منه على الاستثمار في البنية التحتية المرنة، وهو أمر اقترحته الإدارة الحالية بالفعل. في حين أن بناء البنية التحتية قد يبدو وكأنه من التقنيات المستقبلية، فإن أساليب مقاومة الظروف المناخية المتطرفة كانت موجودة بالفعل في جميع أنحاء العالم لعدة قرون في شكل العمارة التقليدية. ويتجلى هذا الشكل من العمارة من خلال استخدام مواد البناء التقليدية الموجودة بالأصل في المنطقة المعنية.

وفقاً لتقرير على موقع «أوكسفورد إربانيست»، والمكرس لاستكشاف الحلول لقضايا التنمية الحضرية، هناك احتمال لعودة العمارة التقليدية القديمة. تعتبر العمارة التقليدية، والمعروفة أيضاً بأساليب التصميم التقليدية والثقافية الخاصة بمنطقة معينة، بديلاً عن "الطراز الدولي" للمنازل الأوروبية المركزية التي أصبحت شائعة في جميع أنحاء العالم بعد الحرب العالمية الأولى. يشير التقرير إلى أنه طوال القرن العشرين، أصبحت ناطحات السحاب والمطارات ومراكز التسوق ومحطات الوقود المماثلة رمزاً للمدن الحديثة. ومع ذلك، فإن هذه العمارة لا تُبنى دائماً مع مراعاة تغير المناخ، ولا تعتمد على مواد من مصادر محلية أو على المعرفة الثقافية المحلية. في الواقع، يمكن أن تكون العودة إلى العمارة التقليدية إحدى الطرق لجعل مدننا أكثر مرونة في مواجهة المناخ المتغير باستمرار.

من المكسيك إلى الجزيرة العربية والمغرب: أساليب عمارة تكيفت مع الطقس القاسي

من الأمثلة المعروفة للهوية الثقافية والإقليمية للعمارة التقليدية نمط عمارة بويبلو. لقد ظهرت المنازل الدائمة والملحقة التي صُممت على غرار منازل المنحدرات الصخرية التي بناها أجداد البويبلو (الأناسازي) لأول مرة حوالي عام 1150 م، ولا تزال شعوب البويبلو تستخدمها حتى الآن. وينتشر نمط العمارة المسمى «سانتا في»، وهو مزيج من نمط عمارة بويبلو والعمارة الإسبانية في الحقبة الاستعمارية، في الولايات الجنوبية الغربية مثل أريزونا ونيو ميكسيكو، وقد اعتمدت المنازل المستوحاة من عمارة بويبلو على الطين المجفف من مصادر محلية غالباً، حيث تُعتبر الجدران الطينية السميكة عازلاً قوياً ضد الحرارة الشديدة وهي مصممة خصيصاً لحماية سكان تلك المنازل من الحرّ ومن برود ليالي الصحراء.

وعبر ولايات جنوب الولايات المتحدة التي تتميز بحرارة شديدة أيضاً، تتميز العمارة التقليدية في شكل بيوت «الشوزن»، والتي تمتلك سقوفاً عالية تسمح بارتفاع الحرارة داخلها، وأبواباً تسمح بتحسين تدفق الهواء داخل المنزل بحرية وتوفر فواتير المكيفات الباهظة.

في الواقع، تُستخدم العمارة التقليدية بالفعل في أكثر المناطق تعرضاً لموجات الحر عبر العالم كاستجابة لمشاكل المناخ، حيث لا يعتمد المهندسون المعماريون والمصممون على المواد المحلية وحسب، بل يعودون لاستخدام التصاميم التقليدية للتغلب على احتياجات الطاقة. على سبيل المثال، تم دمج تقنيات العمارة العربية التقليدية مثل «المشربية» في المباني الحديثة الشهيرة في أبو ظبي، وهي مدينة تقع في واحدة من أكثر البلدان المعرضة لموجات الحرارة القاسية في العالم. ويقوم المهندسون المعماريون في المغرب أيضاً، البلد المعرض بشكلٍ خاص لتغيرات المناخ، بدمج تصاميم العمارة التقليدية، مثل النوافذ الكبيرة المواجهة للشمال والنوافذ الصغيرة المواجهة للجنوب، في تصاميمهم لتوفير المزيد من الضوء الطبيعي وزيادة تدفق الهواء إلى أقصى حد من أجل التبريد الطبيعي والتهوية في المباني العامة مثل المدارس.

يقول المهندس المعماري المغربي «إدريس الكتاني» لشبكة سي إن إن: «أردنا استعادة الإحساس بتراثنا، ولكن بطريقةٍ عصرية. لقد حاولنا استخدام نفس الحلول الموفرة للطاقة التي تجدها في المدن الطينية الصغيرة في جنوب المغرب».

تقنيات محلية تلائم أماكن أخرى من العالم

يمكن استخدام هذه التقنيات في أي مكان، حتى في مناطق العالم الأقل تأثراً بالتغيرات المناخية. يقول كريس لوسون، العضو المنتدب في شركة التصميم «سي كي أركيتكرال» ومقرها المملكة المتحدة: «لقد عملت الشركة في منطقة كوتسوولدز وسط غرب المملكة المتحدة، وهي منطقة تكثر فيها البلدات التي تُبنى منازلها من مواد من مصادر محلية. على سبيل المثال، يمكن أن تأتي الأخشاب المستخدمة في المنازل من الأشجار المحلية المتكيفة مع الطقس المحلي في بريطانيا، ما يجعلها مادة بناء مثالية. ويمكن للبناة قطع حجارة الجير المحلية التي يحتاجون إليها لبناء المنازل، وهي مادةٌ صديقةٌ للبيئة وبديلٌ عن مواد البناء التي يتعين نقلها من مسافاتٍ بعيدة، والتي غالباً لا تكون ملائمةً لتحمّل متطلبات المناخ المحلي».

ويشرح قائلاً: «هذه المواد قوية جداً ويسهل العثور عليها، وتُعتبر عازلاً منيعاً مناسباً للطقس البريطاني، وصديقةً للبيئة نظراً لعدم الحاجة لنقلها لمسافاتٍ بعيدة. يمكن القيام بذلك في جميع أنحاء العالم أيضاً».

المحتوى محمي