قد يبدو لك العثور على ورقة نقدية أثناء سيرك في الشارع على أنه ضربة حظ، ولكن الأكثر صواباً ربما هو أن تشكر نفسك على ذلك بدلاً من الحظ. لقد حاول الباحثون عبر مختلف الاختصاصات العثور على جانب حقيقي قابل للقياس لما نعبر عنه بكلمة "حظ". وقد خلُصَت أغلبية تلك الدراسات إلى أن ما يعتبره شخصٌ ما حظاً يتعلق في الواقع بعلم النفس أكثر من الاحتمالات، وهو فعلياً مجرد نظرة ذاتية إيجابية تبقي الاحتمالات الجديدة مفتوحة، وتعثر على أنماط في أحداث عشوائية. إليكم أحدث النتائج.
لعبة الاحتمالات
لنفترض أنك انتهيت للتو من رمي قطعة نقدية في الهواء أربع مرات متتالية، حيث حصلتَ في كل مرة على الوجه "شعار" (طرّة)، وبالتالي عندما ترميها الآن للمرة الخامسة ينبغي أن تحصل على الوجه "كتابة" (نقش)، أليس كذلك؟ الجواب هو: لا. خطأ. فإن فرص الحصول على "شعار" أو "كتابة" ما زالت متساوية 50/50، تماماً كما كانت في المرات الأربع السابقة وكذلك ستبقى في كل مرة تليها. يُطلَق على هذا الاعتقاد الخاطئ اسم "مغالطة المقامر"، ووفقاً لدراسة نشرت في 2015 في مجلة "Proceedings of The National Academy of Sciences"، فإن أدمغتنا تحاول البحث عن أنماط مشابهة. يقول "يانلونج سن"، بروفيسور في علم نشوء الأمراض الميكروبية والمناعة في كلية تكساس أي أند إم الطبية، وأحد مؤلفي الدراسة: "من أهم وظائف الدماغ البشري التعامل مع حيرة العالم الحقيقي بهدف التوصل إلى قواعد ناظمة له". تقوم عصبوناتنا بتحديد هذه الأنماط بشكل طبيعي وتلاحظ بشكل خاص توقيتها، وفقاً للبروفيسور سن. وتميل العصبونات إلى الأنماط المتبدلة، وهو أسلوب الدماغ الذي يمثل "الارتداد إلى متوسط القيم" (تنزع قيم المتغير الذي يتم قياسه أثناء دراسة ظاهرة معينة إلى قيمة متوسطة كلما زادت عدد مرات القياس)، أي تصحيح الأنماط التي تبدو صعبة التحقق إحصائياً. يقول سن: "تبين دراستنا أن الدماغ قد يكون أذكى مما كنا نعتقد، وذلك لقدرته الذاتية على كشف ومعرفة تجمعات مخفية تصعب ملاحظتها من البيانات الإحصائية ولكنها هامة في البيئة المحيطة". غير أن هذه المعلومات لا تغير وجهة نظر سن حول مفهوم الحظ بشكل عام. ويقول: "بوصفي عالماً وإنساناً، أؤمن بوجود الحظ، وذلك لأنه أمر لا يمكنني أن أتلاعب به أو أتوقع سلوكه لأتصرف على أساسه".
الفوز المتتابع
عند المراهنة على لعبة تعتمد على الاحتمالات، مثل النرد أو الروليت، يتبين أن أسلوبك في المراهنة يغير من احتمالات فوزك. حيث أن الشخص الذي يفوز برهانين متتاليين لديه احتمال 57% في الفوز بالرهان التالي، أما الشخص الذي يخسر رهانين متتالين لديه احتمال 40% فقط في الفوز بالرهان التالي. لماذا؟ وفقاً لدراسة نشرت في 2014، فإن المراهنين يخافون من ارتداد الرهانات إلى المتوسط، أي أنهم إذا فازوا في رهان أو أكثر، فمن المرجح أن يخسروا في الرهان التالي، وبالتالي، يحاولون التقليل من هذا الأثر بوضع رهانات أقل مخاطرة مع زيادة عدد مرات الفوز.
عندما يضع الفائزون رهانات أقل مخاطرة، فهذا يعني أنهم سيستمرون بالفوز على الأرجح، أما عندما تتابع الخسارات، يميل الخاسرون إلى وضع رهانات ذات مخاطرة أكبر بهدف تحقيق فوز كبير، ما يعني أنهم على الأرجح سيتعرضون للمزيد من الخسارة. إن الحدث الفعلي الذي يراهن عليه المقامر لا يصبح أكثر أو أقل أرجحية، غير أن النتائج السابقة تؤثر على كيفية وضعه للرهان ومقدار المبلغ الذي يراهن به في المرات اللاحقة.
الخرافات والتطيّر
إن اللجوء إلى حركات مثل تقاطع الأصابع (بهدف تمنّي الحظ الجيد لشخص ما)، والنقر على الخشب (لتجنّب الحسد)؛ ما هي إلا ممارسات تتكرر في حياتنا اليومية ولكن جذورها تعود إلى خرافات، لا يعرف أغلبنا من أين جاءت أصلاً. غير أن هناك دراسات تُظهر أن هذه الخرافات ذات مفعول حقيقي، وإن كان مختلفاً بعض الشيء عمّا نعتقد.
في إحدى هذه الدراسات في 2010، أعطي مجموعة من لاعبي الغولف كرات قيل لهم أنها "كرات محظوظة"، وتبين أن أداءهم تحسن بشكل ملحوظ بالمقارنة مع لاعبين آخرين أعطيت لهم كرات قيل لهم أنها "كرات عادية تشبه كل الكرات التي يستخدمها الآخرون". كما تحسّن أداء المشاركين في الاختبار أيضاً عندما سُمح لكل منهم بحمل "تميمة حظ" من المنزل، وذلك أثناء محاولتهم حل أحجية تغيير الحروف، والتي تقوم على تشكيل كلمات من كلمات أخرى بتغيير ترتيب الأحرف. وضع الباحثون نظرية لتفسير هذه النتائج تقول إن الأشخاص الذين حملوا التمائم ركزوا على الأحجيات لوقت أطول لأنهم أحسوا بأنهم أكثر قدرة على حلها، وكأنهم يحظون بمساعدة من قوة خارجية ما.
إن كنت من عشاق كرة القدم، فلا شك أنك شاهدت أحد حراس المرمى وهو يضع تميمة حظ خلفه داخل المرمى عندما يحين موعد ركلات الترجيح معتقداً أنها تمده بقوة تركيز إضافية لصد الكرات.
المحظوظون
لا يأتي الحظ الجيد ببساطة، حتى مع من يعتبرون أنفسهم محظوظين. قام ريتشارد وايزمان، وهو بروفسور في علم النفس في جامعة هيرتفوردشاير في إنجلترا، بإجراء عدد من الدراسات لمحاولة تحديد الفرق بين المحظوظين وتعساء الحظ. وفي إحدى هذه الدراسات، طلب من بعض الأشخاص ممن يصفون أنفسهم بأنهم محظوظون أو تعساء الحظ أن يقرؤوا جريدة. وكتب في إحدى الصفحات قائلاً: "قل للمشرف على الاختبار إنك رأيت هذه العبارة وسوف تفوز بـ 250 جنيهاً". كان الناس الذين وصفوا أنفسهم بأنهم محظوظون أكثر قدرة على رؤية الإعلان، وذلك وفقاً لما كتبه وايزمان، أما "تعساء الحظ" فقد كانوا أكثر توتراً، ما قلل من قدرتهم على الملاحظة. وقد وضع وايزمان "أربعة مبادئ" للحظ على موقعه الإلكتروني، وتتمحور جميعها حول أهمية الانفتاح على التجارب الجديدة، والانتباه إلى الفرص عندما تأتي.
الصدفة السعيدة
قد يفضي الاجتماع بصديق قديم عن طريق الصدفة إلى نتيجة جيدة، مثل عقد شراكة مهنية ناجحة، أو تجديد علاقة حب قديمة. وقد أجرى ستيفان ماكري، وهو محاضر في مادة تفاعل المعلومات في جامعة لندن، مجموعة من الدراسات لتحديد ما هي الصدفة السعيدة، بناء على طريقة تلقيها وفهمها من قبل الناس.
يقول ماكري: "أعتقد أن الحظ يحمل معاني مختلفة بالنسبة للناس. ويعتبره البعض مرادفاً للصدفة السعيدة (أو ما يعرف بالسرنديبية). غير أن البعض الآخر كان يميز بين الاثنين بشكل واضح، حيث يعتبرون أن الحظ خارج عن سيطرتنا وتأثيرنا تماماً، أما الصدفة السعيدة لا يمكن السيطرة عليها ولكن يمكن التأثير عليها". وفي إحدى الدراسات المنشورة في 2014، سأل ماكري عدداً من المهنيين المبدعين عن أسلوبهم لزيادة فرص وقوع صدفة سعيدة، ويقول: "تضمنت الإجابات: تغيير الروتين، والعمل في بيئات مختلفة مع أشخاص مختلفين، وتغيير الأمور في مكان العمل، وبشكل عام إجراء تغييرات متنوعة لتفادي الوقوع في نفس الروتين". عندما نتأمل حدثاً سعيداً، فهذا يترافق على الأغلب بفهم لكيفية تغيير هذا الحدث لحياتنا نحو الأفضل، وهو ما يسميه ماكري بالتبصر. وعلى الرغم من أنه لا يمكن التحكم بهذه الفرص السعيدة، إلا أن هناك الكثير مما يمكن للمرء أن يفعله لكي يضع نفسه في مكان ووقت محدد، آملاً بأنه في الموضع الصحيح. كما أن السلوك الإيجابي والمبادر يدفع الناس إلى تقدير الفرصة والاستفادة منها بشكل أفضل.