عندما تتحول أوراق الأشجار نحو اللون الأصفر، تنطلق المعارك المنزلية حول "منظم الحرارة". فهذا أحد أفراد العائلة يريد أن يضبط "المنظم" على حرارة أعلى فوراً، فيما يصرّ الآخر على توفير المال بانتظار الوقت حتى أول نوفمبر بالضبط تماماً لا يتقدم ولا يتأخر يوماً واحداً. وعندما يستقر الوضع على رفع درجة الحرارة، ينبثق جدل آخر ما بين "التكلفة" و"الدفء"، حيث يدور الخلاف حول إلى أي درجة يجب أن نرفع الحرارة وفي ذات الوقت لا تأتينا فاتورة كبيرة.
لكن العلم جميل وهو يدلنا على أنه بالإمكان طرد البرد من منزلك دون هدر الكثير من الطاقة. فمن شأن الاستفادة من حركيات "انتقال الحرارة"، وعزل منزلك عن المحيط الخارجي وتدفئك جسدك، أن تعزز من الأريحية والدفء الذي تشعر بهما في المنزل دون أن تضطر لمسّ "منظم الحرارة". وفيما يلي الطريقة التي ستمكنك من جعل منزلك دافئاً.
استفد من حركيات "انتقال الحرارة"
تبدأ عملية الاحترار (أي كسب الحرارة) في منزلك، وفي الواقع في أي مكان آخر، مع مفهوم يدعى "الحَمْل الحراري"، أي انتقال الحرارة نتيجة لحركة الأجزاء الساخِنة من الهواء أو الماء. فبالاستناد إلى الحقيقة العلمية التي تفيد بأن الهواء الساخن يرتفع صعداً والهواء البارد ينزل سفلاً، بمقدورك جعل الهواء الدافئ يمكث في منزلك وفي ذات الوقت فسح المجال أمام الهواء البارد لكي ينسّل من منزلك، حيث سيجد مكاناً له عادة ما يتمثل في القبو، أو الطابق السفلي من منزلك.
وبغية أن تستفيد أقصى ما يمكن من الحرارة التي يطلقها موقدك، تحتاج إلى تحويل منزلك إلى نوع من جهاز نفث حرارة عمودي، الذي يبطئ من عملية ارتفاع الهواء الساخن نحو الأعلى، ويترك الهواء البارد ينزل للأسفل، مما يضمن لك الاحتفاظ بأكبر قدر ممكن من الحرارة والحدّ من تسرب الدفء.
ملاحظة جانبية: لا ينبغي أن يكون هدفك هو منع الحرارة من التسرب مطلقاً. بل في الحقيقة يجب عليك بدل الإفراط في عزل منزلك حرارياً، أن تتأكد من أن أعلى نقطة في منزلك، والتي عادة ما تكون العليّة، لديها تهوية مناسبة لإخراج الهواء الساخن الرطب الذي ينشأ في كل مبنى يعيش فيه البشر. وهذا لأن سقف منزلك خلال فصل الشتاء يحتاج إلى أن يظل في درجة حرارة موحدة عبر كافة أجزائه لتجنب تشكّل الانسدادات الجليدية. وهذا ما يحدث عادة عندما يكون منتصف سقف المنزل دافئاً لكن حوافه باردة. في تلك الحالة، سيذوب الثلج أولاً ثم يعاود التجمد، مما يشكل قطعة كبيرة من الجليد على مزاريب السطح، التي بدورها ستمنع الماء من السقوط من على المبنى. وعندما يحدث ذلك، فقد يتسرب في نهاية المطاف داخل منزلك، مما سيكلفك فاتورة إصلاح أعلى بكثير من فاتورة التدفئة التي نهدف لتقليصها.
اجعل منزلك دافئاً
من بديهيات الهندسة المعمارية أن تكون أجزاء المبنى التي يعيش فيها الناس ويعملون جافة ومعتدلة الحرارة. لذلك يفصل المهندسون المعماريون هذه المناطق "المكيفة" بحاجز يسمى "غلاف المبنى". لا يوجد "غلاف مبنى" (حاجز بين الأماكن المكيفة وغير المكيفة) يمنع تسرّب الهواء تماماً، وهذا أمر جيد كوننا نحتاج للتنفس نحن البشر، لكن هذا يعني أيضاً أن بعض الحرارة ستتسرب في نهاية المطاف. مع ذلك، بمقدورك اتخاذ بعض الخطوات لإبقاء الدفء داخلاً والبرد خارجاً.
ابدأ هذه الخطوات بالتحقق من تهوئة منزلك: افتح منافذ التهوئة ونظفها من أي غبار أو عوائق تمنع مرور الهواء. ذلك أن التدفق الحُرّ للهواء دون عوائق سيساعدك على الاحتفاظ بدرجة حرارة دافئة ومستحبة. أما فيما يخص المنازل التي تحتوي على تدفئة مركزية، فلا تنسى منافذ عودة الهواء البارد، القادم من تلك الفتحات التي عادة ما تتموضع في حائط منزلك على مستوى حافة الحائط (طوق خشبي بين أرضية الغرفة وجدرانها). تصمم تلك الفتحات عادة لمنح الهواء البارد منفذاً للخروج، والذي يؤدي خروجه أن تصبح الغرفة أكثر دفئاً.
مثلما هو الحال مع فتحات التهوئة، بمقدور مراوح السقف أن تساعدك على التحكم في تدفق الحرارة أيضاً. فإن كان سقف منزلك يحمل هذه المراوح، فاضبطها على الدوران في اتجاه عقارب الساعة، مما سيجبر الهواء الساخن على النزول نحو الأسفل. لكي تقوم بذلك، اطفئ المروحة، ثم انتظر حتى تتوقف تماماً، بعدئذ استخدم سلماً للصعود إليها والنظر إلى علبة المحرك. من المفترض أن تجد هناك مفتاح تحويل يتيح لك تغيير إتجاه دوران المروحة.
تتمثل الخطوة التالية في البحث عن التسربات. بهذا الصدد، يُعدّ أي منفذ يؤدي نحو الخارج، مثل الباب والنافذة، منبعاً محتملاً للهواء البارد. بغية تحييد هذه المصادر للهواء البارد، قم بتفحص الأشرطة المقاومة للطقس على الأبواب والنوافذ، فإذا ما رأيت صدعاً أو تقشراً، انزع الشريط القديم واستبدله بآخر جديد. وإذا ما كنت تعتزم أن تبقى نوافذ منزلك مغلقة لهذا الموسم الشتوي، بمقدورك أن تقلل التسريبات بواسطة تغليفها ولفها بالبلاستيك باستخدام عُدّة ختم البضائع ومجفف شعر. صحيح أنك لا تستطيع تغليف الأبواب الداخلية مثلما فعلت مع النوافذ إلا أنه بمقدورك وضع حواجز سفلية تمنع تسرب الهواء الدافئ نحو الخارج.
بمناسبة الحديث عن النوافذ، يمكنك أيضاً أن تستخدم الستائر وأقمشة النافذة بشكل أكثر استراتيجية. أولاً عليك أن تعرف أي جانب من منزلك يستقبل الشمس وأي جانب يبقى في الظل. بعد ذلك وخلال ساعات النهار، اكشف عن النوافذ في الجانب المشمس من منزلك لتسمح للضوء والحرارة بالدخول، واستر نوافذ الجانب الظليّ لمنع الهواء البارد من الدخول. أما في الليل، فغطيّ جميع النوافذ لتمنع الحرارة من الانسياب نحو الخارج.
لعلك لم تفكر في قبو منزلك كمصدر للتسربات الحرارية، إلا أنك إن أحكمت إغلاقه بشكل صحيح، فسيعينك ذلك على منع الهواء البارد من دخول منزلك أصلاً. وما دمت نزلت للقبو، نوصيك بتركيب غلافٍ فوق سخّان الماء وأن تعزل حرارياً أول مترٍ من الأنابيب الداخلة والخارجة من سخّان الماء خاصتك. ذلك أن هذا التدبير سيجعل عمل السخان أكثر كفاءة، مما يوفر عليك المزيد من المال.
هناك طريقة أخرى لجعل النظام الحراري لمنزلك أكثر فعالية، وهي تتمثل في تركيب منظم حرارة ذكي تصنعه الكثير من الشركات، أشهرها ناست (Nest). بعد تركيبه سيقوم منظم الحرارة الذكي بضبط الحرارة بشكل أكثر دقة. من بين الأدوات الأخرى المفيدة لهذا المسعى: مرطّب الجو العزيز! قد تكون "الرطوبة الراكدة الساخنة" من أعدائك في فصل الصيف، إلا أنه ولكي تجعل شتائك أكثر راحة ودفئاً لأقصى حد، لا بد من أن تحافظ على مستوى رطوبة يتراوح ما بين 40 إلى 50 بالمئة. لكن إن بدأت ترى تكثف الرطوبة والندى على نوافذك، فلا بد أن تضبط الرطوبة على درجة أقل.
دفّئ جسدك
عندما ينكمش الزئبق في مقياس الحرارة، ستجد نفسك ترتجف برداً حتى في أحكم المنازل إغلاقاً وعزلاً. ذلك أن الشعور بالبرد لا علاقة له البتة بفقدان الحرارة: لأن جسدك سيحافظ بشكل عام على درجة حرارته الأساسية لمدة تصل إلى الساعة. تكمن المسألة هنا في الدفء، وهي أصعب نوعاً ما من ناحية ضبطها وإدارتها.
على سبيل المثال، تقوم الأجهزة بتدفئة معظم المباني وتبريدها وفق خوارزمية تفترض أن جميع من فيها رجل في منتصف عمره، الأمر الذي يؤدي ببعض الناس أن يرتدوا سراويل قصيرة في عز شهر يناير في حين يرتدي آخرون كنزات صوفية ثقيلة. للأسف لم يبتكر البشر حتى الآن خوارزمية تدفئة تناسب الجميع. ذلك أن بعض العوامل مثل مؤشر الكتلة الجسدية، ونشاط منطقة ما تحت المهاد (الذي يعده العلماء منظم حرارة الدماغ)، ومعدل الأيض، وحتى طول القامة هي التي تحدد تعرّق البعض وارتجاف الآخرين حتى عندما نضعهم تحت نفس الظروف. لكي تحل هذه المشكلة، لا داعي أن تعبث بمنظم الحرارة، بل عليك أن تغير ما ترتديه وتخدع عقلك قليلاً!
عندما تحاول اختيار ملابسك ليوم شتوي، تعتبر أفضل طريقة لضمان دفئك وراحة جسدك أن ترتدي عدة ملابس فوق بعضها تكون رقيقة وتمنح الدفء في نفس الوقت. وسبب تعديد الطبقات هو كونها ممتازة في عزل الهواء المحيط بك عن جسدك. فكلما ازداد عدد طبقات الثياب، كلما منعت كميات أكبر من الهواء من الوصول لجسدك، وهذا ما يحافظ على دفئك. المنفعة الأخرى لتعديد الثياب هو أنه في حال شعرت بالسخونة المفرطة، يمكنك أن تتخفف من بعضها بسرعة. هذا ما لا يقتصر على ما ترتديه فحسب بل على ينطبق أيضاً على بطانيات السرير، لذا زوّد من عددها على فراشك قدر ما تستطيع.
لا تنس أيضاً أن تغطي أكبر قدر ممكن من بشرتك، لأن الكنزات الصوفية لن تمنع ارتجافك عندما تمس قدماك العارية الأرضية الباردة.
هذا عن الملابس لكن ماذا عن التصرفات والسلوكيات؟ لأن لها تأثيراً هي كذلك على درجة حرارتك. بهذا الصدد ومع أن الخروج من تحت بطانيات السرير أمر صعب جداً، إلا أنه ينبغي عليك المحافظة على الحد الأدنى من النشاط البدني، على سبيل المثال التجول في منزلك هنا وهناك على امتداد فترات زمنية منتظمة. سيرفع هذا النشاط البدني حرارة جسدك ويقنع جسمك بأنك أكثر دفئاً بالفعل.
أما الطريقة الأخرى للشعور بالدفء فهي إعداد مشروب لذيذ ساخن. في الواقع لا تغيّر المشروبات الساخنة حرارة جسدك، إلا أن فمك يبقى أحد أكثر الأماكن حساسية للبرد في جسمك، ولا بد من العناية به هو كذلك. لذلك قم بتدفئة تلك المنطقة بمشروب ساخن، فلربما تخبر أعصاب الفم منطقة ما تحت المهاد في الدماغ أن جسمك "تمام التمام" ودافئ.
قد لا تنتهي حروب منظم الحرارة في منزلك، ولا يتوقف الجدل حولها. إلا أن عزل منزلك بإحكام وارتداء طبقات متعددة من الثياب، سيجعلك أكثر حرارة ودفئاً ومن ثمة أنعم بالاً.