اكتشاف حوت رباعي الأرجل كان يعيش على اليابسة

2 دقائق

تنتمي الحيتان إلى المحيط كما نعلم. قد يكون ذلك صحيحاً اليوم، لكّن الحيتانيات (الحيتان والدلافين، وخنازير البحر) تنحدر من 4 ثدييات ذات أرجل كانت تعيش على الأرض في الماضي. يفيد بحث جديد نُشر في دورية «كارّنت بيولوجي» باكتشاف أنواع جديدة كلياً من أسلاف الحوت الذي عاش على اليابسة وفي البحر على سواحل البيرو، مما يمنحنا نظرة أعمق على رحلة التطور الغريبة التي مرّت بها هذه الثدييات البحرية.

قد نتخيّل هذه الحيوانات على أنها مخلوقات بحرية بسيطة بزعنفتين، لكنها في الواقع نشأت وتطورت من أكثر من 50 مليون سنة من الحيوانات الثدية ذوات الظلف (الحافر المشقوق)، والتي كانت تعيش على اليابسة.

كانت أسلاف الحيتان في البداية تشبه الغزلان الصغيرة، وتمتلك 4 أصابع، وتوجد في نهاية كلّ منها حافر صغير. تُشير إحدى الأحفوريات المُتحجّرة المكتشفة في الهند -التي تُعتبر الحلقة المفقودة- إلى أن آخر أسلاف الحيتان كان ينتقل إلى الماء في أوقات الخطر، لكنّها كانت تعود إلى اليابسة للولادة وتناول الطعام. وقد كانت تقضي وقتاً طويلاً في السباحة في المياه الضحلة بحثاً عن النباتات المائية واللافقاريات، وفي مرحلةٍ لاحقة، أصبحت تبحث عن الأسماك الصغيرة والبرمائيات لتقتات عليها.

تعود أقدم حفريات الحيتان الأولى إلى 53 مليون سنة مضت، وقد عُثر عليها في مواقع في جبال الهيمالايا الهندية الشمالية. وتكشف السجلات الأحفورية المُكتشفة قصة انتقال الحيوانات المائية التدريجي، مثل ثعالب الماء والقنادس، من العيش على اليابسة إلى الانتقال إلى المياه العميقة معظم الوقت، مع الاحتفاظ بالقدرة على المشي على اليابسة.

رحلة المحيط

منذ حوالي 42 مليون سنة، حين كان ما يزال يعيش على الأرض؛ انتقل «بيرجوسيتوس باسيفيكوس» أو «الحوت الرحّال» الذي وصل إلى المحيط الهادئ واكتشف حديثاً في رحلةٍ ملحمية إلى الجانب الآخر من العالم. كانت قارتا إفريقيا وأميركا الجنوبية أقرب إلى بعضهما بمقدار نصف المسافة الحالية في عصر الأيوسين الأوسط (قبل 48 إلى 38 مليون سنة تقريباً). مع ذلك، فإن قيام هذا الحيوان بالسباحة كلّ هذه المسافة يُعد أمراً مذهلاً. يبلغ طول الحوت أقل من 3 أمتار، ولم يكن قد تكيّف آنذاك تماماً مع الحياة البحرية.

لم تكن الأطراف الخلفية للبيرجوسيتوس أقصر بكثير من طرفيه الأماميتين، وكان له حوافر صغيرة في نهاية كل إصبع، مما يشير إلى أنّها كانت ما تزال قادرة على الخروج من الماء والمشي على اليابسة. ومع ذلك، تُشير صفات أخرى للهيكل العظمي أنّه كان متكيفاً جداً مع الحياة المائية. على سبيل المثال، تحتوي عظام قدميه الخلفيتين على زوائد تلتصق بها الأربطة والأوتار، مما يشير إلى أنّه امتلك أقداماً مُبططة. كما تحمل عظام الذيل الشبيهة بذيل القندس علاماتٍ تدلّ على أنها قد اُستخدمت كمساعدٍ على السباحة، وذلك رغم عدم وجود دليلٍ فيما إذا كانت بنيتها تشبه بنية ذيل الحيتان في الوقت الحالي أم لا.

كان البيرجوسيتوس من آكلات اللحوم كما يظهر من أسنانه الحادة القوية، والتي من المُحتمل أنّها قد ساعدته على تقطيع الأسماك العظمية الكبيرة؛ مثلما تفعل العديد من الحيتان اليوم. لكّن أسنانه كانت تشبه أسنان أكلة اللحوم الحالية، فقد كانت تحتوي على أنياب وطواحن أوليّة، وطواحن معقّدة قوية. بينما أسنان حيتانيات اليوم تضم صفاً من العديد من الأسنان البسيطة فقط، وبالتالي لا تمضغ فرائسها، بل تمسك بها وتبتلعها كلّها بدلاً من ذلك.

بقيت عظام الحوض متّصلة بالعمود الفقري على مدى آلاف السنين لتمكين البيرجوسيتوس من السباحة بشكلٍ أكثر كفاءةً، بينما تحولت الأطراف الأمامية إلى زعانف، وتقلصت الأطراف الخلفية الصغيرة تدريجياً، واختفت في النهاية.

انتقلت الحيتان الحديثة بالطبع منذ فترةٍ طويلة إلى المحيطات التي نشأت منها أسلاف الثدييات البرية البعيدة الأولى. وكلّ ما تبقّى من رحلتها التطورية على الأرض كان عبارة عن بقايا عظامٍ متصّلة بالحوض في بعض الأنواع، وهو ما يعكس من الناحية التشريحية أصل أسلافها البريّة. ولكّن من يعلم أين ستكون هذه الحيتان بعد 50 مليون سنة أخرى.

المحتوى محمي