اكتشاف فراغ ضخم داخل الهرم الأكبر باستخدام فيزياء الجسيمات والأشعة الكونية

3 دقائق
رسم توضيحي يظهر الوضع التقريبي للفراغ في الهرم

في الطبقات العليا من الغلاف الجوي للأرض، تضرب عاصفة ذات إشعاع شديد الطاقة الهواء الرقيق، وينتج عن هذا التأثير تساقط جسيمات دون ذرية مشحونة كالميونات التي تتساقط باتجاه الأرض. تتدفق بعض الميونات عبر السحب ثم عبر الحجارة، وتتوقف لأطول فترة في الهياكل العظمية المتحجرة للمخلوقات البحرية الميتة منذ زمن طويل، بينما تتابع ميونات أخرى لتعبر عبر الهواء مرة أخرى، وعبر الحجارة من جديد، حتى نتلقفها نحن عبر فيلم فوتوجرافي.

الصورة الملتقطة هي صورة شفافة وقريبة لأحد أعظم عجائب الدنيا، وهو الهرم الأكبر أو هرم خوفو الذي يبلغ ارتفاعه 139 متراً، والذي بني قبل حوالي 4545 سنة. وفي دراسة نشرت في الثاني من نوفمبر 2017 في دورية "نيتشر"، أعلنت مجموعة من الباحثين أنهم ومن خلال وضع أفلام فوتوجرافية مخصصة، تدعى أفلام المستحلب النووي، في القاعات السفلى من الهرم اكتشفوا فراغاً غير معروف من قبل في الأجزاء العليا من الهرم. وكانوا يأملون في أن تعطيهم الميونات الساقطة من السماء صورة شعاعية للهرم من الداخل، وهو ما حدث لحسن الحظ.

وبالإضافة إلى رؤية غرفة الملك المكتشفة سابقاً، وتأكيد ملاحظة سابقة (وهي وجود بقعة حرارية في الهرم)، رأى الباحثون أيضاً فراغاً كبيراً، يبلغ طوله حوالي 100 متر داخل الهرم، معزولاً عن الدوائر التي سبق التحقيق فيها. ويعتبر حجمه الضخم مثيراً لاهتمام للباحثين الذين يرغبون في معرفة المزيد عن كيفية بناء الأهرامات، حيث لم يتبق سوى القليل من الأدلة غير المكتشفة بعد عن تقنيات بناء الأهرامات.

ومن غير الواضح ما هو هذا الفراغ، ويحرص الباحثون على عدم تسميته بغرفة أو قاعة. وكما أخبر عالم المصريات مارك ليهنر عدداً من وسائل الإعلام بما فيها جريدة نيويورك تايمز، فإن اكتشاف تجاويف في الهرم ليس أمراً نادراً. يقول ليهنر: "الهرم الأكبر هو أقرب إلى شكل الجبنة السويسرية، ملئ بالفراغات".

وتبقى طبيعة وغاية ومحتويات هذا الفراغ لغزاً، على الرغم من معرفتنا لأبعاده التقريبية، لكن التوضع الدقيق والشكل ما يزالان غامضين، وقد يكون هناك مجموعة من الفراغات المنفصلة.

ومن غير المحتمل أن يحتوي الفراغ على كنز مخفي، فقد كشفت آلاف السنين من سرقة المقابر والحفريات معظم الأشياء ذات القيمة النقدية، وخاصة في الآثار العملاقة مثل الهرم الأكبر، الذي كان أعلى مبنى في العالم لآلاف السنين، لكن لا يزال هناك الكثير مما يمكننا اكتشافه عن كيفية بناء الهرم من خلال تحليل وضع الحجارة داخل البناء الضخم.

لقد مضى ذلك الزمن الذي كان فيه علماء الآثار يفجرون المواقع بالديناميت من أجل استكشافها، ففي عام 1837، تورط فريق تنقيب إنجليزي في نسف جزء من الأهرامات. وحتى عندما لا يكون هناك تفجير، فإن حفر موقع ما هو بحد ذاته عملية تدميرية، ومع مرور الزمن، تعلم علماء الآثار طرقاً جديدة للحصول على المعلومات، وقد تعلموا من حبات الطلع، والرماد، والتربة التي تغلف القطعة الأثرية بقدر ما تعلموا من القطعة الأثرية نفسها. والسياق الذي يتم فيه اكتشاف مادة ما هو ما يجعل هذه المادة ثمينة علمياً، وليس كونها منحوتة من المرمر أو مصبوبة في الذهب. لهذا فإن علماء الآثار اليوم يقومون بتوثيق كل شيء بدقة عندما يعملون على أحد المواقع.

وفي محاولة للحفاظ على تلك البيانات للمستقبل، والحفاظ على البيانات التي لم نعرف بعد أننا نبحث عنها، يستخدم علماء الآثار على نحو متزايد تقنيات غير مدمرة (مثل التصوير الميوني) لرؤية الهياكل من الداخل أو تحت الأرض، دون كسر أو فتح أي مقابر أو هياكل. وهو ما سيصبح حدثاً حافلاً مع بناء بارز للغاية كالهرم الأكبر، الذي صمد في وجه ويلات الزمن، وفقد أجزاءاً منه على مر السنين. وسيتطلب أي نوع من التنقيب في مثل هذا الموقع التراثي المهم، والذي يعود على البلد بعائدات سياحية بالقطع الأجنبي، اهتماماً مكثفاً، وبالطبع إذناً من السلطات.

وهناك بعض الخطط للنظر إلى داخل الهرم، وذلك باستخدام المزيد من التقنيات غير المدمرة، والتي يمكن أن تعطينا فكرة أفضل عن أبعاد هذا الفراغ. ويقول أحد المتعاونين في المشروع لهيئة الإذاعة البريطانية إنهم كانوا يستكشفون خيار حفر ثقب بقطر ثلاثة سنتيمترات تقريباً خلال الهرم وإرسال روبوت طائر ليستكشف المكان.

وأياً كانت الطريقة التي سيتم استخدامها للنظر داخل هذا الفراغ، سواء كانت المسح الضوئي، أو إرسال روبوت طائر، فإنها لن تكون بسرعة الحفر من الجوانب. ولكن حفظ الدليل الأثري، والهيكل نفسه للأجيال القادمة يستحق منا ضريبة الصبر.

المحتوى محمي