تحدد قوى الطبيعة شكل كل شبر من كوكب الأرض، أما في كاليفورنيا، فيتحكم بهذا الأمر عاملان مهمان هما: هطول الأمطار والزلازل.
وقد كان الباحثون لمدة طويلة يعتقدون أن هذين العاملين غير مرتبطين. حيث يمكن للزلازل -وليس الأمطار- أن تفسد مستويات المياه الجوفية. وكان يعتقد أن الأمطار والثلوج لا تؤثر بشكل كافٍ على الأرض بحيث تؤدي إلى حدوث الزلازل. ولكن دراسة نشرت في يونيو 2017 في مجلة العلوم، ربطت بين الأمطار الموسمية والزلازل، خاصة الزلازل الصغيرة جداً.
يشهد الجزء الأكبر من كاليفورنيا موسمين مميزين، أحدهما رطب والآخر جاف. حيث تمتلئ خزانات المياه خلال الموسم الرطب، وتتراكم الكتل الثلجية على قمم الجبال، وتمتلئ الأرض بالرطوبة. أما في الشهور الجافة، فتبدأ كل المياه بالتحرك والذوبان والتبخر. وتتركز هذه الكميات الهائلة من المياه في منطقة واحدة لتشكل عبئاً كبيراً قد يضغط على الأرض لعمل ثنية صغيرة فيها بحجم 2.5 سم.
وقد قام عالما الأرض كريستوفر جونسون ورولاند بورغمان من جامعة كاليفورنيا بيركيلي، بقياس تلك الثنيات الموسمية في الأرض باستخدام شبكة من الحساسات تدعى "إيرث سكوب" والتي تتعقب الحركات الصغيرة للأرض تحت أقدامنا. وتشمل الشبكة أيضاً قياسات أجهزة تحديد المواقع (كتلك الموجودة في الهواتف النقالة)، بحيث تسجل حركة سطح الأرض في استجابته للضغط الذي يسببه -على سبيل المثال- تجمع محدد من المياه في كل موسم.
يقول بورغمان: "هذا الأمر مرتبط بثقل الثلوج والمياه التي تضغط على الأرض، وكيفية انحناء الأرض تحت تأثير هذا الضغط".
ما الذي وجده العالمان خلال بحثهما؟
وبالنظر إلى التغيرات الحاصلة نتيجة هطول الأمطاربين عامي 2006 و2014 ، ومطابقتها مع سجلات الزلازل خلال نفس الفترة من الزمن، كان الباحثان قادرين على الربط بين الزلازل والأمطار الموسمية في كاليفورنيا.
يقول بورغمان: "يشير هذا إلى وجود تفاعلات قوية بما يكفي بحيث تؤثر التغيرات في التجمعات المائية على صفائح الأرض أثناء حدوث الزلازل الصغيرة". وتكون معظم الزلازل عبارة عن هزات أرضية خفيفة أعلى من 2.0 على مقياس ريختر، وهي أخف بكثير من الزلازل العنيفة التي حدثت في الماضي.
ووجد الباحثان أن تأثير الحمل المائي على الزلازل يعتمد كثيراً على شكل الفالق الذي نشأ فيه الزلزال. والفوالق هي عبارة عن تشققات في قشرة الأرض تسمح بحركة سطح الأرض، ويمكن أن يتم توجيهها بطرق متنوعة جداً.
يقول بورغمان: "عندما تبرز قمم جبال سيرا في كاليفورنيا خلال شهور الصيف، يقل الإجهاد المتولد من الضغط على طول الفالق الزلزالي. ونحن نرى المزيد من الزلازل الصغيرة خلال تلك الفترة".
ولكن في مناطق أخرى من الولاية، كفوالق نطاق القص (وهو المنطقة التي تتقصف فيها الصخور وتتفتت) في شرق كاليفورنيا، فإن شكل الفوالق يتم توجيهه بشكل مختلف. حيث يؤدي إضافة المزيد من المياه خلال شهور الصيف إلى المزيد من الزلازل. ولذلك، يوجد بعض المناطق التي قد يتوقع أن تشهد تغيرات موسمية في الزلازل، ولكن قد لا يكون هذا خلال نفس الموسم في جميع الأماكن. ويرى بورغمان أن الأنماط التي نراها في الزلازل الصغيرة يجب تطبيقها على الزلازل الأكبر أيضاً. ولكن هناك حاجة إلى المزيد من المعلومات لمعرفة مدى تأثير دورة الماء الموسمية على حدوث الزلازل.
يقول بورغمان: "الأمر يشبه محفزات الزلازل الأخرى، كالزلازل المستحثّة (وهي الزلازل التي تنشأ بسبب نشاط بشري معين كالتنقيب عن النفظ) في وسط الولايات المتحدة. فالنشاط البشري يعطي الفوالق ضغطاً زائداً يجعلها تتحرك في وقت مبكر، أو يجعل حركتها تأخذ وقتاً أطول.
ولا يمكن إثبات وجود علاقة سببية بين الأمطار والزلازل. و بالنسبة لزلزال مفرد، لا يمكن معرفة إذا كان مجرد إضافة قدر صغير من الضغط، سيكون له تأثير في النهاية. فهل يعني هذا أن الكميات الضخمة من الثلوج والأمطار التي تشهدها كاليفورنيا هذا الموسم ستترجم إلى زلازل ذات قوة أشد؟ وهذا سؤال يتم طرحه كثيراً على بورغمان. والجواب المباشر لهذا السؤال، هو أن الباحثين ما زالوا لا يملكون الجواب.
وقد ركزت النتائج التي توصل إليها جونسون وبورغمان على كل الدورة الزمنية التي تبلغ تسعة أعوام لحل معضلة التغيرات الموسمية. ولم يكونا قادرين على البحث في كل سنة على حدة للمقارنة بين السنوات كثيرة المطر مع السنوات الجافة. ولكنهما يأملان أن تكون الأبحاث المستقبلية قادرة على البحث في كل سنة أو كل موسم على حدة.
المال يؤثر
ولكن ولكي يستمر البحث، يحتاج الباحثون للوصول إلى شبكة عالية الدقة من الحساسات ليتم توزيعها على امتداد الولاية. ويرى بورغمان أن هذا البحث لا يمكن إنجازه بدون إنشاء وتطوير تلك الشبكة. ويقول عن ذلك: "يمكننا رؤية كل شيء يحرّك الأرض، من الصفائح التكتونية إلى الزلازل إلى حمولات المياه، ولكن مصير هذه الشبكة معلق حالياً مع استمرار النقاش حول ميزانية التمويل. وسينتهي التمويل الأولي المقدم من المؤسسة الوطنية للعلوم عام 2018، ويفترض أن هناك حلاً ما سيتم إيجاده لاستمرار دعم البحث، خاصة وأن المسوح والمواصلات والكثير من الأشخاص يعتمدون على هذه المعلومات حالياً، ولكننا لم نتوصل لهذا الحل بعد. ولذلك فنحن جميعاً قلقون إلى حد ما حول استمرار هذا العمل بنجاح".
العمل المستقبلي
ويخطط بورغمان لتوسيع عمله ليشمل البحث في الطرق الأخرى التي يؤثر بها الماء على حركة الأرض. فالأنهار الجليدية التي عرفت لزمن طويل بأنها تضغط على القشرة الأرضية، تذوب بسرعة. ويخطط بورغمان للتوجه إلى ألاسكا لرؤية مدى تأثير هذه التحولات الضخمة في وزن الماء على الزلازل في منطقة تهتز باستمرار كولاية كاليفورنيا.
كما أن هناك أملاً في أن يساعد هذا العمل في فهم الزلازل بشكل عام. فالزلازل بطبيعتها تحدث تحت الأرض، في أماكن وبمستويات يصعب مراقبتها. يقول بورغمان: " لا أعتقد أن هذا سيساعدنا في التنبؤ بالزلازل، ولكنه سيساعدنا في نهاية المطاف في الوصول إلى فهم أفضل لمخاطر الزلازل".
وفي حين ما يزال التنبؤ بزلازل محددة بالطريقة التي نتنبأ فيها بالعواصف الكبيرة شديد التعقيد بحيث لا يمكن تنفيذه، فإن الباحثين يستخدمون عملاً مثل هذا لأخذ لمحة عامة وتقريبية عن مستقبل الزلازل في منطقة من المناطق. ويساعد فهم مدى الارتباط بين الزلازل والطقس السكان في المناطق المعرضة للزلازل في معرفة ما الذي يمكن توقع حدوثه في المستقبل.
يقول بورغمان: "كلما استطعنا تحسين قدرتنا على معرفة هذا الارتباط، زادت فرصة فهم كيفية عمل الفوالق الزلزالية، وكان بإمكاننا تعقب القوى المؤثرة عن قرب، وزاد فهمنا للعوامل التي تؤثر في حدوث الزلازل".