فيما يلي مقتطفات من كتاب "الإحراج: التفسير العلمي لكوننا محرجين اجتماعياً، وما هو المدهش في ذلك"، بقلم تاي تاشيرو والصادر عن دار نشر هاربر كولنز.
قدم تشارلز داروين عدداً من الأفكار العلمية المبكرة عمّا يجعل الإنسان أسيراً للعواطف. افترض داروين أنه وفقاً للقانون الطبيعي "البقاء للأصلح"، كان على البشر أن يستجيبوا بسرعة للظروف التي تهدد سلامتهم أو سعادتهم. لم يكن لدى الناس رفاهية التشاور الواعي عندما يتعرضون لهجوم من قبل مفترس، أو يتصارعون من أجل الموارد الشحيحة. المشاعر انعكاسية ولا إرادية، مثل ركلة ساقك عندما يضرب الطبيب ركبتك بمطرقة مطاطية. بنفس الطريقة الانعكاسية، عندما تنتابك مشاعر مثل الغضب، يثير دماغك على الفور ردود فعل فيسيولوجية مثل زيادة تدفق الدم، وتوتر العضلات الذي يهيئك للرد على التهديد. إن إحساسك القوي بمشاعر سلبية سيزيد من تركيزك على التهديد، حيث يحفز الغضب الاستجابات الخاصة بالمواجهة والقتال، في حين يحفز الخوف لديك الاستجابات الخاصة بالهرب.
تترافق مشاعر الإحراج أيضاً مع ردود فعل فيسيولوجية قوية – قلب يخفق بشدة، سرعة في التنفس، وعضلات متوترة – ولكن خلافاً للخوف والغضب، الناجمين عن التهديدات التي تواجهه سلامتنا ومواردنا، ينتابنا الشعور بالإحراج كردة فعل على ظهور انحرافات صغيرة في تصرفاتنا عن التوقعات الاجتماعية. بالرغم من أن السحّابات المفتوحة (في السراويل)، ومناداة زوجة صديقك باسم زوجته السابقة تعد مواقف غير مثالية، إلا أنها ليست مواقف خطرة، أو أشياء تصدر عن نية خبيثة. إذاً لماذا تحفز الزلات الاجتماعية غير المؤذية نسبياً مثل هذه المشاعر القوية؟
عند إحدى مستويات اللاوعي، نحن نعلم أن ارتكاب الكثير من الانتهاكات للقواعد الاجتماعية الصغيرة قد يؤدي إلى النفي الاجتماعي. فعقولنا لديها آلية تحفيز عاطفية حساسة للغاية عندما يتعلق الأمر بتنبيهنا إلى التوقعات الاجتماعية التي لم نلبيها، لأن حاجتنا إلى الانتماء تعد أمراً أساسياً للغاية بالنسبة لسعادتنا.
جون برايس تانجني هي أستاذة علم النفس في جامعة جورج ماسون، التي وجدت من خلال برنامج بحثي مكثف أن هناك مجموعة من "مشاعر الوعي الذاتي" التي تنتابنا بعد ارتكاب الأخطاء الاجتماعية، وكل منها لديه وظيفة مختلفة. تشمل مشاعر الوعي الذاتي هذه الارتباك، الشعور بالذنب، الشعور بالخجل أو الخزي، وأود إضافة، الشعور بالإحراج. كنت أكره الموقف عندما أحمر خجلاً خلال المرات التي أشعر بها بالارتباك. كان شعوراً سيئاً بما يكفي لأقترف عملاً محرجاً بالفعل، ولكن احمراري خجلاً كان بمثابة إقرار علني مني بالحرج الذي جعل الأمور تصبح أسوأ.
قام ماثيو فاينبرج وزملاءه من جامعتي كاليفورنيا وبيركلي، بإجراء سلسلة من الدراسات لاختبار فكرة أن الإحراج يخدم الوظيفة الاجتماعية التي تثبت للآخرين أنهم يحملون قيماً اجتماعية إيجابية، أي أنهم يهتمون بسعادة الآخرين، وأنهم عادة ما تحركهم دوافعهم لتجنب إلحاق الأذى أو إزعاج الآخرين.
وجد فاينبرج أن الأشخاص الذين أظهروا مزيداً من الحرج أثناء سردهم لإحدى أكثر اللحظات التي مروا بها حرجاً، تم تصنيفهم من قبل الآخرين بأنهم يتمتعون بمستوى أعلى من السلوك الاجتماعي الإيجابي، وهم جديرون بالثقة أكثر من غيرهم.
وتجدر الإشارة إلى أن المراقبين أفادوا بأنهم سيهتمون بشكل أكبر بالانضمام إلى أشخاص أبدوا مستويات عالية من الإحراج مقارنة بأصحاب المستويات المنخفضة. بعبارة أخرى، نال الأشخاص الذين أظهروا مشاعر الحرج تقييماً اجتماعياً أعلى من غيرهم. يعد الشعور بالذنب إحساساً آخر يرتبط بمشاعر الحرج، والذي يجعلك تشعر بالسوء تجاه سلوكك، ويحفزك على إصلاح الضرر الاجتماعي الحاصل: بالاعتذار، تنظيف بقعة منسكبة، أو الفع للتعويض عن شيء ألحقت به ضرراً.
إن ردود الفعل هذه كلها على الهفوات الاجتماعية التي ترتكبها، تساعدك لكي تؤكد للآخرين أنك مدرك بأن ما فعلته كان أمراً خاطئاً، وأنك تشعر بندم شديد، وبأنك تتخذ الإجراء اللازم لتصحيح الأمور. إن كلاً من الشعور بالإحراج والذنب يساعدنا على التحسن بعد ارتكاب أفعال محرجة لأنهما يظهران للآخرين بأننا "ندرك الأمر". أي أن هناك علامات ظاهرية على إدراكنا بأننا قد انتهكنا قاعدة اجتماعية، وبأننا نشعر بالسوء إزاء أي إزعاج نتسبب به للآخرين.