تحتوي بيئة كوكب الأرض على جميع المكونات المعروفة واللازمة للحياة، وهي الماء، ومصدر واحد على الأقل للطاقة، والعناصر والجزيئات المفيدة بيولوجياً. لكن الاكتشاف الأخير للفوسفين في سحب الزهرة والذي يُحتمل أن يكون حيوي المنشأ؛ يذكرنا بأن بعض هذه المكونات موجودة على الأقل في أماكن أخرى من النظام الشمسي أيضاً، مما يثير التساؤل: ما هي الأماكن الأخرى التي من المحتمل أن توجد عليها الحياة خارج الأرض؟
احتماليات الحياة خارج الأرض
1. المريخ
يُعد المريخ واحد من أكثر الكواكب احتمالاً لنشوء الحياة خارج الأرض، فهو أكثر الكواكب شبهاً بكوكب الأرض في نظامنا الشمسي. حيث يمتد يومه حتى 24.5 ساعة، ويحتوي على أغطية جليدية قطبية كالأرض، تتمدد وتتقلص مع الفصول، بالإضافة إلى مجموعة من المعالم السطحية التي تشكّلت نتيجة جريان الماء على سطحه عبر تاريخ الكوكب.
ويعد اكتشاف بحيرة أسفل الغطاء الجليدي القطبي الجنوبي، بالإضافة لاكتشاف غاز الميثان في الغلاف الجوي للمريخ -الذي يختلف باختلاف الفصول وحتى الوقت من اليوم- أمراً مهماً يؤهله لأن يكون مرشحاً مذهلاً لوجود حياة خارج الأرض عليه، لأن غاز الميثان ينتج عن العملات الحيوية. لكن المصدر الفعلي لغاز الميثان على سطح المريخ لم يعرف بعد.
من المحتمل أن تكون الحياة خارج الأرض وتحديداً في المريخ، قد وُجدت في السابق، لأن مناخ كوكب المريخ كان في الماضي أكثر اعتدالاً مما هو عليه اليوم. لكن جو المريخ اليوم جافّ ويشكّل غاز ثاني أكسيد الكربون معظمه، مما يترك الكوكب دون حمايةٍ وعرضة للإشعاع الشمسي والكوني. إذا كان المريخ قد احتفظ ببعض المياه تحت سطحه، فليس من المستبعد أن تظل الحياة قائمة عليه.
2. القمر «أوروبا»
من الممكن وجود حياة خارج الأرض على الأقمار أيضاً، لا الكواكب فقط.
اكتشف «جاليليو جاليلي» قمر أوروبا في عام 1610 إلى جانب أقمار المشتري الثلاثة الكبيرة الأخرى. وهو أصغر قليلاً من قمر الأرض ويدور حول كوكب المشتري على مسافة حوالي 670 ألف كيلومتر مرة كل 3.5 أيام. ويتعرض أوروبا للضغط والتمدد باستمرار بفعل حقول الجاذبية المتنافسة من كوكب المشتري وأقمار المشتري (جاليليو) الأخرى، وهي عملية تعرف باسم «انثناء المد والجزر».
يُعتقد أن قمر أوروبا نشط جيولوجياً، مثل الأرض، لأن انثناء المد والجزر القوي يسخّن باطنه الصخري والمعدني ويبقيه سائلاً ذائباً جزئياً. ويغطي الجليد المائي مساحاتٍ شاسعة من سطح أوروبا، حيث يعتقد العلماء أن هناك طبقة من المياه السائلة التي تجري تحت سطحه المتجمد، والتي تحافظ على حالتها السائلة بسبب الأثر الحراري لظاهرة انثناء المد والجزر، ويقدر العلماء عمق هذه الطبقة بأكثر من 100 كيلومتر.
ومن الأدلة على وجود هذه الطبقة من المياه السائلة الواسعة جداً، كما يقول العلماء، ظهور الينابيع من خلال شقوق الجليد السطحي، ووجود حقل مغناطيسي ضعيف، وتضاريس غير منتظمة على السطح، والتي قد يعود في تشكلها إلى تيارات المحيط السائلة التي تجري تحتها. تعزل طبقة الدرع الجليدي طبقة المياه السائلة تحتها من البرودة الشديدة والتلاشي في الفضاء، بالإضافة لحمايتها من إشعاع أحزمة المشتري الشديدة.
يُعتقد أن هناك فتحات حرارية مائية وبراكين في قاع المحيط المائي السائل، ومن المرجّح أن تدعم هذه الخصائص نشوء أنظمة بيئية غنية ومتنوعة جداً.
3. القمر «إنسيلادوس»
القمر إنسيلادوس، مثل أوروبا، قمر مغطى بالجليد مع محيط جوفي من الماء السائل. يدور إنسيلادوس حول كوكب زحل، وقد لفت انتباه العلماء أول مرة لاحتمال أن يكون صالحاً للسكن؛ بعد الاكتشاف المفاجئ للينابيع الحارّة الفوارة الضخمة بالقرب من القطب الجنوبي للقمر. تندفع هذه الينابيع من الشقوق الكبيرة على السطح، وبالنظر إلى مجال الجاذبية الضعيف للقمر إنسيلادوس، تتلاشى هذه المياه في الفضاء. إنها دليل واضح على وجود مخزون من المياه السائلة تحت الأرض.
14 hours watching the plume at Saturn’s moon Enceladus, our last dedicated observation of this singular scene https://t.co/EqLPb6MsbO pic.twitter.com/hW3BVUExcz
— NASA Solar System (@NASASolarSystem) September 10, 2017
كما اكتشفت مجموعة من الجزيئات العضوية على إنسيلادوس، بالإضافة لاكتشاف تلك الينابيع الفوارة. والأهم من ذلك، حبيبات صغيرة من جزيئات السيليكا الصخرية التي لا يمكن أن تتشكل إلا إذا كانت مياه المحيط تحت السطحية على اتصال مادي مع قاع المحيط الصخري عند درجة حرارة تبلغ 90 درجة مئوية على الأقل. هذا دليل قوي جداً على وجود فتحات حرارية مائية في قاع المحيط، مما يوفر البيئة الكيميائية اللازمة للحياة ومصادر الطاقة المحلية.
4. القمر «تيتان»
يُعد قمر تيتان أكبر أقمار كوكب زحل، وهو القمر الوحيد في النظام الشمسي الذي يمتلك غلافاً جوياً كثيفاً يحتوي على ضباب برتقالي كثيف من الجزيئات العضوية المعقدة. يحل الميثان مكان الماء في نمط الطقس الخاص بالقمر، والذي يشمل على الأمطار الموسمية وفتراتٍ من الجفاف، والكثبان الرملية السطحية الناجمة عن حركة الرياح.
يُشكل النيتروجين معظم الغلاف الجوي، وهو عنصر كيميائي مهم يُستخدم في بناء البروتينات لدى جميع أشكال الحياة المعروفة. مما يجعله أحد احتمالات الحياة خارج الأرض، وقد كشفت عمليات الرصد الرادارية عن وجود أنهار وبحيرات من الميثان السائل، والإيثان وربما وجود براكين جليدية؛ وهي سمات تشبه البراكين التي تنفجر بالمياه السائلة بدلاً من الحمم البركانية. يشير هذا إلى أن تيتان، مثل أوروبا وإنسيلادوس، لديها احتياطي تحت السطح من الماء السائل.
ونظراً لبعد قمر تيتان الهائل عن الشمس، تتدنى درجات الحرارة على سطحه حتى 180 درجة مئوية تحت الصفر، وهي درجة حرارةٍ قاسية جداً تؤدي لتجمد المياه السائلة، إلا أن المواد الكيميائية التي يزخر بها تيتان ترجح وجود أشكال للحياة خارج الأرض عليه، ويُحتم أن تكون بيئتها الكيميائية المناسبة مختلفةً جوهرياً عن كيميائية الكائنات الأرضية.
اقرأ أيضاً: ما سر كل هذا الاهتمام بكوكب المريخ