الدراسات العلمية تنحاز لذكور الفئران، مما قد يؤذي الكثير من البشر

3 دقائق
لا تزال المرأة متأخرة عن الرجل في تضمينها في الدراسات الطبية الحيوية.

يمكن أن تؤثر الاختلافات البيولوجية بين الرجال والنساء على طريقة استجابتهم لبعض الأدوية والعلاجات، وذلك وفقاً لإحدى الدراسات الجديدة التي نشرت في مجلة "Nature Communications". وإذا كان ذلك يبدو من البديهيات، فربما لم تطلّع على العديد من الدراسات الطبية الحيوية. فكما أشار موقع بوبيولار ساينس في وقت سابق من هذا العام، يقوم الباحثون في مجال الطب الحيوي تقريباً بحصر دراساتهم على الحيوانات الذكور. إذ وجدت دراسة أجريت في عام 2011 بأن ذكور الحيوانات يتم تمثيلها في الأبحاث الطبية بما يصل إلى خمسة أضعاف من تمثيل الإناث.

وتعدّ هذه مشكلة، لأن ما يحدث عند الرجال ليس بالضرورة أن يكون نموذجاً لما يحدث عند جميع الناس. ويصعب بالفعل تطبيق نتائج أبحاث القوارض على البشر، ولكن استبعاد إناث الحيوانات من التجارب يمكن أن يساهم في تقليل قابلية التنبؤ بالاستجابة. وتشير الدراسة الجديدة إلى أن الجنس يؤثر على 56.6 في المئة من الصفات الكمية (مثل كثافة العظام) وعلى حوالي 10 في المئة من الصفات النوعية (مثل ما إذا كان رأس الفأر قد تشكّل بشكل طبيعي). وتبدو كافة هذه الأمور منطقية. فمن المعروف أن بعض الأمراض – كمرض الذئبة وإنتانات المسالك البولية على سبيل المثال – تكون أكثر انتشاراً لدى النساء منها لدى الرجال. كما تختلف صفات أمراض أخرى - مثل أمراض القلب - اعتماداً على الجنس. فعلى سبيل المثال، تشير الآثار الوقائية للأستروجين على جهاز الدوران الدموي إلى أن المرضى الإناث من الناحية البيولوجية يميلون إلى الإصابة بأمراض القلب في مراحل متقدمة من العمر بشكل أكبر من المرضى الذكور. فعندما ينخفض الأستروجين بعد انقطاع الطمث، يزداد احتمال الإصابة بأمراض القلب.

وفي حين أنه من المعروف منذ زمن طويل وجود هذه الفجوة في الأوساط العلمية، إلا أن الأثر الفعلي على النتائج كان أقل وضوحاً. وتهدف الدراسة الجديدة إلى قياس كمية الاختلافات بين الذكور والإناث الخاضعين للدراسة، والمعروفة باسم التمايز الجنسي. وقام الفريق بتحليل ما يصل إلى 234 صفة جسمية عند أكثر من 60 ألف فأر - 14250 فأراً منها من الحيوانات البرية التي توجد بشكل عادي في الطبيعة، و40192 من الفئران الطافرة من 2186 سلالة معطّلة الجينات المفردة. ويذكر بأن الفئران معطّلة الجينات قد تمّ تعديلها وراثياً، حيث قام الباحثون بتثبيط أحد الجينات لإظهار الدور الذي يلعبه. وكانت الفئران الـ 40192 تحوي 2186 جيناً معطّلاً (على الرغم من أنه لم يتم تعطيل أكثر من جين واحد عند كل فأر).

وكما اتضح، فإن الجنس أدى إلى تغيير آثار الطفرة بنسبة 17.7 في المئة في الصفات الكمية، و13.3 في المئة في الصفات النوعية. وفي بعض الحالات، كانت الطريقة الوحيدة لاكتشاف الفرق هي من خلال دراسة كلا الجنسين. إذاً فعلى الرغم من أن العلاجات الجينية قد تكون واعدة في علاج الأمراض البشرية، إلا أنّ التحيّز الجنسي في تجارب القوارض يمكن أن يشير بأن الرجال من الناحية البيولوجية يستفيدون من هذه التطورات بشكل أكثر بكثير من نظرائهم من الإناث.

ويعمل الباحثون ببساطة على تأكيد شيء يعترف به عدد متزايد من العلماء: ألا وهو أهمية الجنس. فالنساء اللواتي يحِضْن لديهنّ أعضاء غير موجودة لدى الذكور، ومن المحتمل أن ينجبن الأطفال. وهنّ يستقلبن الأدوية بشكل مختلف، وقد يستجبن بشكل مختلف تماماً لجميع أشكال التدخلات الطبية. وفي الواقع، يتم سحب الأدوية من السوق على الأرجح بسبب ردود الفعل السلبية عند النساء، وهو أمر يمكن تجنبه بسهولة إذا كان الشركات المصنّعة للأدوية صارمة في المساواة بين الجنسين عند اختبار الأدوية.

وعندما يتم تضمين الإناث في الدراسات، فإنه يتم اختبارها (كما أشار موقع بوبيولار ساينس في مقاله الأخير حول واقيات الشمس) عندما تكون في حالتها الأكثر شبهاً بالذكور من الناحية البيولوجية، أي في مرحلة انقطاع الطمث أو في الفترة السابقة للإباضة والحيض. ويقول الباحثون بأن القيام بذلك يجعل تجاربهم أبسط، لأن الدورات الهرمونية تضيف الكثير من المتغيرات إلى التجربة. كما أن حقيقة فشل ذلك في توضيح الحالات التي سيتعين على العديد من المرضى فيها أخذ هذه الأدوية فعلاً هي على ما يبدو غير هامة.

لقد مضى أقل من 27 عاماً منذ أن أنشأت المعاهد الوطنية للصحة مكتب أبحاث صحة المرأة كخطوة للتغلب على الاستبعاد المنهجي للنساء من الدراسات الطبية الحيوية. وكانوا قلقين من أن القرارات السريرية في مجال الرعاية الصحية يتم اتخاذها للجميع استناداً على نتائج الدراسات التي أجريت على الذكور فقط. وطالبت المعاهد الوطنية للصحة لأكثر من عقدين من الزمن بأن يتم تضمين النساء في التجارب السريرية، وهي الخطوة الأخيرة قبل وصول الأدوية إلى السوق. وعلى الرغم من ازدياد عدد النساء في التجارب السريرية من 9 في المائة في عام 1970 إلى 41 في المائة في عام 2006، إلا أن تمثيل النساء في التجارب السريرية ما يزال ناقصاً، وكذلك الأمر في التجارب على الحيوانات كما توضح هذه الدراسة الجديدة.

وتقول مؤلفة الدراسة جوديث مانكا، الأخصائية في علم الوراثة في كلية لندن الجامعية: "توضح هذه الدراسة مدى تكرار الاختلافات الجنسية في الصفات التي قد نفترض بأنها متشابهة عند الذكور والإناث. والأهم من ذلك، تشير حقيقة أن جنس الفئران قد أثر على نتيجة التعديل الوراثي إلى أن الذكور والإناث يختلفون تماماً بسبب الوراثة الكامنة وراء العديد من الصفات. وهذا يعني بأن دراسة الذكور فقط لا تُظهر سوى نصف الصورة."

المحتوى محمي