لا شك في أن من الصعب نسيان الشعور الذي ينتابك حالما تنزل عن إحدى منصات اللعب الدوارة في مدينة الملاهي، حيث تسقط على الأرض وأنت تنظر إلى الأعلى لترى السماء وهي تستمر في الدوران، مع أنك توقفت عن الحركة، إلا أن هذا الشعور بالدوار لا يزال مستمراً. فلماذا؟
بصرف النظر عن الطريقة التي تستخدمها في الدوران -الدوران بسرعة في دوائر حول نفسك، أو الدوران وأنت جالس على كرسي المكتب، أو قضاء بعض الوقت في ركوب منصة اللعب الدوامة رفقة أصدقائك- فإن جسدك يتصرف بالطريقة نفسها.
عندما تدور حول نفسك بسرعة، تستقبل عيناك الكثير من المعلومات المختلفة خلال وقت قصير جداً، وهو أمر قد يتسبب في الإرباك. ولكن جسمك مستعد للتغيرات المفاجئة من هذا القبيل، وهو يحاول جاهداً لكي يبقي مجاله البصري في حالة طبيعية. إن كان ما تراه قد بدأ يدور مع كل حركة يقوم بها جسمك، عندها سيكون العالم مكاناً مربكاً للغاية. وفي الواقع، سيكون من الصعب جداً القيام بأي شيء.
إن العملية التي تحافظ على اتزانك لا شأن لها بعينيك على الإطلاق، فكل شيء يبدأ داخل أذنيك. فبعيداً عن المنطقة الخارجية التي يمكنك رؤيتها، تتوضع ثلاث قنوات هلالية الشكل (تشبه شكل المعكرونة المنحنية كمرفق اليد)، وجميعها متعامدة فيما بينها.
هذه القنوات مبطَّنة بجدائل صغيرة للغاية من الشعر. وفي داخل كل قناة منها (حيث تجد عادةً الجبنة ضمن وجبة المعكرونة التي على شكل الأكواع مع الجبنة) هناك طبقتان من السائل الهلامي الكثيف.
يطلق العلماء على الطبقة الأولى اسم اللِّمف الداخلي (الكُيَيس)، والثانية اسم القُبيبة (القُرَيبة). أثناء دورانك، تتموّج هذه السوائل داخل قنوات الأذن، فتتصادم تموّجاتها بتلك الجدائل الشعرية المتناهية في الصغر، مما يجعلها تتحرك للأمام والخلف. هذه الحركات الشعرية بالغة الأهمية، حيث "تدرك" الأذن الاتجاه الذي تتحرك فيه الخلايا الشعرية، وتستخدم الخلايا العصبية لترسل إشارة إلى الدماغ تتضمن كل تلك المعلومات.
وعندما تتوقف عن الحركة، فإن تلك السوائل تتوقف عن التموّج وتتوقف الشعيرات عن التقاط الحركة، وهو ما يرسل إشارة تنبه الدماغ حتى تتوقف. ولكن هذه العملية لا تسير على نحو مثالي أبداً، فعندما تتحرك بسرعة كبيرة -كما لو كنت تدور في مسارات دائرية عدة مرات أو تقضي وقتاً طويلاً مع أصدقائك فوق منصة لعب دوّارة- فإن ذلك السائل داخل أذنيك يتموَّج بسرعة أكبر، وهذا منطقي لأنك تدور بسرعة كبيرة.
وتظهر المشكلة عندما تتوقف؛ حيث إن عضلاتك قادرة على البدء بالعمل والتوقف بسرعة كبيرة من دون أي مشاكل، لكن ذلك السائل لا يعمل بسرعة، فعلى الرغم من توقفك، يستمر هذا السائل بالحركة، ويستغرق الأمر منه بعض الوقت حتى يتوقف أخيراً. فبينما يواصل حركته تواصل هذه الشعيرات التقاط الحركة وترسل إشارات إلى الدماغ تقول: "أنا أتحرك".
فيستقبل الدماغ تلك الإشارة، ولكنه يعلم في الوقت ذاته أن الجسم ساكن بلا حراك، وبالتالي سيكون الشعور الناتج هو حالة من الدوار الشديد، ومن حسن الحظ أنها حالة مؤقتة.