الطفيليات التي لا نريد أن تنقرض

3 دقائق
التغير المناخي لن يؤثر على المخلوقات الجذابة فقط

قد يتخيل البشر عالماً خالياً من القراد أو البراغيث أو الديدان الكلوية العملاقة. ولكن الطفيليات تربط الشبكات الغذائية وتخدم أغراضاً حيوية في كل الأنطمة البيئية. والعلماء ليسوا متأكدين مما سيحدث إذا فقدناها.

كانت عالمة الأحياء كولن كارلسون تحضّر الفطائر مع صديقتها عالمة الطفيليات عندما بدأتا الحديث عن التأثيرات التي سيحدثها التغير المناخي على الطفيليات.
وكانت تعتقد أنه سيكون من المستحيل تعقب أنواع كافية لدراسة علمية شاملة. واتخذت كارلسون ذلك تحدياً، وتعاونت مع آنا فيليبس، عالمة الحيوان في متحف سميثسونيان للتاريخ الطبيعي، و 16 عالماً آخرين من ثمانية بلدان مختلفة. وأنشؤوا قاعدة بيانات ضخمة تضم أكثر من 100 ألف نوع من الطفيليات، ثم خفّضوا دراستهم إلى حوالي 50 ألف نوع. ومن خلال تتبع كيفية تحرك واختفاء هذه الطفيليات مع تغير المناخ، توقعت كارلسون وفريقها كيف ستتغير أعداد الطفيليات مع استمرار التغير المناخي. ووجد الباحثون أن ثلث الطفيليات معرض لخطر الانقراض.

تقول كارلسون: "نادراً ما نرى توقعات لمعدلات الانقراض بهذا الارتفاع بالنسبة للمجموعات الكبيرة".

ومن الصعب التنبؤ بالكيفية التي سيغير بها تغير المناخ النظم البيئية بحلول عام 2070. وتتفق معظم الأنماط المناخية حتى عام 2030، ثم تتزايد درجات الحرارة بسرعات مختلفة وتوقعات متفاوتة. ولكن حتى في أفضل السيناريوهات، فإن الطفيليات -بحسب كارلسون- تواجه إعادة تشكيل خطيرة.

ستتحرك المخلوقات التي تعيش حالياً في مناخات أكثر دفئاً نحو الشمال، ما يعني أن المزيد من الطفيليات قد تنتقل إلى الولايات المتحدة وكندا. وليس من الواضح كيف ستتصرف الطفيليات التي تطورت ضمن بيئة واحدة في مكان مختلف. ولكن هناك حقيقة لا تبشر بخير، وهي أنه من المرجح أن يصبح هناك عدد قليل من الحيوانات المفترسة الطبيعية مع انخفاض المنافسة على الموارد التي تحتاجها. تقول كارلسون: "أعتقد أن هذا يشكل حالة هائلة من المجهول. وستبدأ موجة جديدة من الطفيليات الغازية".

وبينما تستعد بعض الطفيليات لمطاردة مناطق جديدة، تواجه مجموعة واسعة من الأنواع تهديدات بالانقراض التام قادمة من مصدرين: موت مضيفيها، وتغير موطنها الأساسي. وتقضي معظم الطفيليات جزءاً من حياتها على الأقل في بيئة مفتوحة، غالباً كيرقة. وتسبح في المجاري المائية أو المستنقعات التي تجعلها عرضة لمناخات متغيرة.

ووجد الباحثون أن الطفيليات التي تؤثر على البشر من المرجح أن تواجه الانقراض مثل تلك التي تستهدف الأنواع الأخرى. ومع ذلك، كانت هناك مجموعة واحدة من الديدان الطفيلية -وهي شائكات الرؤوس- التي واجهت تهديدات أقل من المجموعات الأخرى. ولا تصيب هذه الديدان البشر عادة، فهي متخصصة في الأسماك والبرمائيات واللافقاريات والطيور والثدييات الأخرى. ولم يكن الباحثون متأكدين بالضبط من السبب الذي يجعل هذه المجموعة تنجح أكثر من غيرها، فقد تكون محظوظة جغرافياً وحسب. لكن المؤلفة المشاركة في الدراسة آنا فيليبس تقول إن هذا الاستثناء الغريب أثار نقطة مهمة لديها. وتقول: "أردنا أن نتعامل مع مختلف أنواع الطفيليات بشكل عام، وليس فقط مع ما يؤثر على البشر". ويقدر العلماء أن 86 إلى 99.999 في المائة من الأنواع لا تزال غير مكتشفة. وستؤثر عمليات الانقراض على النظم البيئية التي ما زلنا لا نفهمها، مما يجعل معرفة الكيفية التي ستتأثر بها المخلوقات الأخرى أمراً مستحيلاً. وحتى بالنسبة للأنواع التي نعرفها بالفعل، فإن تأثير الدومينو ما يزال غير واضح.

فعلى سبيل المثال، هناك الآفة التي تصيب الشمال الشرقي حالياً، وهي قراد الغزال، التي تنشر داء لايم وغيره من أنواع العدوى الشنيعة. ويتوقع أن يتسع موطنها بنسبة 213 في المائة بحلول عام 2080، وفقاً لدراسة أجريت في عام 2005. ولا يعرف العلماء ما هو الأثر الذي سيلحقه هذا الانتشار على النمل والعناكب والدبابير والطيور التي تأكل القراد (والمخلوقات الأخرى التي تأكلها)، أو الغزلان والبشر الذين يعانون من آثارها على أجسامهم.

وأصبح مستوى التهديد لكل نوع معروفاً الآن في قاعدة بيانات عامة. وكان يفترض أن تواجه كارلسون طريقاً مسدوداً بعد تناول فطائر الصباح دون أن تتلقى مساعدة من مجموعة المتاحف، كالمتحف الوطني الأميركي للطفيليات الذي تم إنشاؤه قبل أكثر من مائة عام. تقول فيليبس: "لم يكن بوسع الباحثين عام 1892 أن يفهموا الأشياء التي نقوم بعملها مع النمذجة البيئية اليوم. ولا يمكن أن نتخيل ما الذي يمكن أن نستخدمه مع الأنواع في المستقبل".

عادة ما تنتهي الدراسات العلمية بدعوة لمزيد من البحث. ولكن في هذه الحالة، فإن المجهول يفوق اليقين الذي يحاول التنبؤ بالطريقة التي سيستجيب بها العالم الطبيعي مع هذه الخسارة. تقول فيليبس: "نحن لا نعرف كيف سيكون تأثير خسارة هذه الأنواع من الطفيليات وتركها لمصير الانقراض. من الصعب حقاً -حتى مع السيناريوهات الأكثر تفاؤلاً- أن نتنبأ كيف سيكون مشهد التنوع الحيوي في عام 2070".

المحتوى محمي