يمكن للطعوم العظمية البشرية أن تكون أمراً معقداً. ففي بدايات استخدامها، كانت عموماً تتطلب جراحتين، الأولى لإزالة قطعة من العظم من أحد أجزاء الجسم، والثانية لزرع هذه القطعة في جزء آخر. وعلى مدى عقود من الزمن، حاول العلماء تبسيط العملية باستخدام عظام اصطناعية بدلاً من العظام الطبيعية، ومن أنجح البدائل الواعدة: المرجان، والذي يشبه العظم البشري في بنيته.
ولكن من سوء الحظ أن هياكل المرجان تتألف من كربونات الكالسيوم، والذي يتفكك داخل الجسم البشري قبل أن ينمو العظم عليه، وبالتالي لا يمكن استخدامه بهذا الشكل. وعلى الرغم من أن الباحثين تمكنوا من تطوير أنواع من المرجان لا تتفكك بنفس السرعة بعد استخدامها كطعوم، فإن المشاكل لم تختف.
يرغب العلماء بمعرفة المزيد حول كيفية تشكل هياكل المرجان بحيث يمكن تحسين استخدام المرجان في الطعوم العظمية البشرية، بسبب التشابه البنيوي بين العظام البشرية وهياكل المرجان. كما يمكن لهذه النتائج أن تتيح للعلماء إيجاد أساليب جديدة لشفاء التشققات العظمية البشرية، ومعالجة المشاكل الأكثر عمقاً في الهيكل العظمي والعمود الفقري على وجه الخصوص. إضافة إلى هذا، يمكن لهذه المعلومات أن تساعد على حماية الحياد المرجانية، والتي بدأت تتعرض لخطر متعاظم بسبب ارتفاع درجات حرارة المحيطات، والملوثات، وزيادة مستوى حموضة مياه البحر، وارتفاع منسوبها.
يشغل جيل جوبز منصب بروفسور في الكيمياء في إحدى جامعات الشرق الأوسط، وهو أحد أفراد الفريق الذي يعتقد أنه أول من اكتشف المرحلة التي يتنقل فيها المرجان اليافع من مرحلة السباحة إلى مرحلة الاستقرار، عندما يبدأ بتشكيل الهيكل الصلب. ويقول: "إن العمليات المعقدة، مثل بناء الهيكل الصلب للجسم، يجب أن تبدأ في أولى المراحل المبكرة من الحياة". إضافة إلى هذا، فقد تمكن الفريق من تحديد البروتينات التي يتم توليدها في كل مرحلة من العملية، وهو ما يتيح معلومات كثيرة حول تحول الهياكل المرجانية، وهي عملية تعرف باسم التمعدن. يقول جوبز: "إن الأمر أشبه ببناء ناطحة سحاب جيدة، حيث يجب أن تفهم الكثير من الأشياء على مستويات مختلفة".
يمكن لفهم هذه العملية أن يحسن من "قدرتنا على توقع تأثير التغير المناخي على توزعات وبنية المرجان"، وفقاً لتالي ماس، وهي أحد أعضاء الفريق البحثي، وتضيف: "تتعرض الحياد المرجانية للتراجع في جميع أنحاء العالم، وكما في جميع الأنواع اللافقارية، فإن تطور اليرقات المرجانية حساس للغاية للتغيرات البيئية بالمقارنة مع المرجان البالغ. قد يساعد بحثنا على تأمين احتياجات المرجان اليافع، بحيث تزيد فرص نجاته في هذه الظروف المتغيرة في المحيطات، وربما حتى يمكننا أن نساعد على إطالة عمره".
يوافقها جوبز قائلاً: "إن الأمر يشبه تماماً رعاية الرضع وتقديم الاحتياجات الضرورية لنموهم. حيث أن فهم عملية التمعدن وكيفية تأثرها بتغيرات حرارة المحيطات أو ارتفاع حموضتها قد يسمح لنا بتزويد المرجان بالمواد التي يحتاجها للتغلب على هذه التغيرات". إضافة إلى جوبز وماس، يتضمن الفريق أيضاً أنات أكيفا والدكتور إيدو بينكاس، وقد نشرت الدراسة في مجلة Nature Communications.
يمكن لهذه النتائج أيضاً أن تحسن من استخدام المرجان في الطعوم العظمية، كما يقول جوبز مقارناً التطعيم بإصلاح السيارة: "يمكننا ببساطة أن نأخذ محركاً من سيارة ما، ولتكن سيارة سباق، ونزرعه في جسم سيارة أخرى، ولتكن سيارة فولكسفاجن بيتل، وعلى الأرجح ستكون العملية ناجحة. غير أن معرفة تفاصيل عمل محركي السيارتين سيتيح لنا تجنب مشاكل عدم التوافق. من المؤكد أن السيارة ستعمل على المدى القصير وتحقق مهمتها على الأرجح، ولكن سيكون هناك مشاكل على المدى الطويل، وستؤدي إلى إنقاص عمرها".
يضيف جوبز: "يمكن أن نطبق نفس المبدأ على الطعوم العظمية، حيث توجد أيضاً آثار جانبية غير مرغوب بها. إن فهم تفاصيل عملية التمعدن على المستوى الأساسي يشبه معرفة مهمة كل جزء من المحرك بالضبط، وما هو المطلوب بالضبط لإنجاح عمله".
يبدأ المرجان حياته على شكل سليلة (شكل مستطيل) من العوالق تسبح بحرية في البحر. لاحقاً، تستقر السليلة ويبدأ تشكل الهيكل الخارجي، وخلال هذه المرحلة، تبدأ السليلة بإفراز كربونات الكالسيوم بسرعة للمساهمة في تشكيل وحماية المستعمرة المرجانية، ويعتبر التطور الصحيح للسليلات للوصول إلى المرحلة المستقرة أمراً هاماً لتطور الحياد المرجانية بالشكل الصحيح، وفقاً للباحثين.
يشرح جوبز قائلاً: "خلال موسم التوالد المرجاني في البحر الأحمر، قمنا بجمع الأفراد السابحة حديثة الولادة –تسمى البلانيولا- باستخدام شبكات خاصة وأخذناها إلى المختبر من أجل الفحص ومتابعة النمو والتطور". وضع العلماء هذه المرجانيات في مياه بحرية ضمن أطباق اختبار، لتكرار نفس الظروف التي تحيط بها في البحر. ومن ثم درسوها في مراحل مختلفة من التطور، مع تحليل عملية تشكل الهيكل.
درس العلماء أيضاً عملية التعبير الجيني (تحويل المعلومات الجينية إلى مركبات وظيفية) في مرحلتي السباحة والاستقرار. يقول جوبز: "الأثر الفوري لهذه النتائج هو فهم عملية تشكل الحيد المرجاني"، ويقول أيضاً أن المعلومات قد تكون هامة "لحماية المخلوقات البحرية من الضرر البيئي المرافق للتغير المناخي".
يضيف جوبز: "اكتشفنا في هذه الدراسة كيف يمكن تنظيم نمو الهيكل، وهو اكتشاف يمكن أن يساعد على تطوير أساليب جديدة في التكنولوجيا الإحيائية لزرع العظام في الجسم البشري. وعلى الرغم من أننا بعيدون عن فهم كيفية تشكل الهيكل العظمي البشري، فإن الدراسة الحالية خطوة هامة لتحديد الجينات والبروتينات المسؤولة عن هذه العملية".