تحولت اللبنة أو اللبن الرائب (الزبادي اليوناني) في العقد الماضي إلى وجبة الإفطار والمقبلات الأكثر شعبية في الولايات المتحدة. وما بين عامي 2007 و 2012، تضاعف إنتاج اللبنة في ولاية نيويورك ثلاث مرات تقريباً، من 106 ألف طن إلى 315 ألف طن سنوياً.
ولعل السبب الوجيه لذلك يكمن في كونها لذيذة جداً، وغنية بالميكروبات الصديقة للأمعاء، ومعدل البروتين فيها يعادل ضعفي محتوى البروتين الموجود في أي من أنواع الزبادي الأخرى. ولكن هناك دائماً جوانب سلبية. فعملية إنتاج اللبنة تخلف وراءها أطناناً من مصل اللبن (الجزء السائل من الزبادي). وفي عام 2012، أنتجت ولاية نيويورك 315 ألف طن من الزبادي التي خلّفت 630 ألف طن من مصل اللبن. ولكن في دراسة نشرت في ديسمبر 2017، يقول الباحثون إنهم حددوا طريقة لاستخدام البكتيريا ومخلفات مصل اللبن لإنتاج وقود حيوي وعلف للماشية.
اللبنة أو الزبادي اليوناني هي ما يعرف باسم لبن الزبادي المركز. وتعطي عملية التصفية لهذا المنتج قوامه الكريمي السميك. ولكن هذه العملية نفسها تتضمن إزالة معظم مصل اللبن السائل. وفي حين أن خلطة واحدة من مصل اللبن ليست كمية كبيرة، ولكن إذا ضاعفت تلك الكمية لتشمل كمية اللبنة التي يتم إنتاجها حالياً، فإن الكمية ستصبح كبيرة جداً.
اقرأ أيضا: أضرار التعدين على البيئة
ويتكون مصل اللبن في معظمه من الماء (93-96%). أما مكوناته الأخرى فهي اللاكتوز (سكر الحليب) وكمية أقل بكثير من الكالسيوم والفوسفور والبوتاسيوم. وليست كل هذه العناصر آمنة ليتم تفريغها بكميات كبيرة في دورة الماء أو في الأرض. وبحسب مجلة "ريكيافيك جريبفاين" الأيسلندية، التي قامت بعمل تحقيق على مخلفات مصل اللبن الناتجة ليس عن اللبنة فقط، ولكن أيضاً عن مشتقات الحليب المشابهة لها مثل سكاير، فإن مصل اللبن التي تم التخلص منها عام 2007 في ولاية ويسكونسن تسببت في موت عدد هائل من الأسماك في نهر ميلووكي.
وتصنّع الولايات المتحدة معظم إنتاجها من اللبنة في شمالي ولاية نيويورك، حيث تقوم الشاحنات الكبيرة بتفريغ مخلفات مصل اللبن في محطات معالجة الصرف الصحي. ولكنّ لارس أنجيننت، عالم الأحياء الدقيقة في جامعة كورنيل وجامعة توبينجن في ألمانيا، يعتقد أن لديه فكرة أفضل.
يتكون مصل اللبن من اللاكتوز، والفركتوز، وحمض اللبن. والبكتيريا تحب السكر. ولذلك قام أنجيننت وفريقه بالجمع بين مخلفات مصل اللبن ومجموعة من البكتيريا اللاهوائية، والتي نتج عنها اثنان من المركبات: حمض الكابرويك وحمض الكابريليك. ويمكن لهذين المنتجين أن يفعلا بضعة أشياء. فإذا تركا وحدهما، فإنهما يشكلان ما يعرف باسم مضادات الميكروبات الخضراء. وإذا تم إنتاجها بكميات كبيرة، يمكن للمزارعين إضافتها إلى العلف كبديل للمضادات الحيوية. ونظرياً، سيكون هذا أفضل من استخدام المضادات الحيوية الأكثر فعالية في تغذية الحيوان، والتي يمكن أن تؤدي إلى مقاومة المضادات الحيوية.
اقرأ أيضا: تعرف إلى الشعاب المرجانية وأهميتها في الحفاظ على البيئة البحرية
ولكن مع زيادة عدد قليل من التفاعلات الكيميائية، يمكن للمركبين أن يصبحا وقوداً حيوياً. وخلافاً للوقود الأحفوري، يتم إنتاج الوقود الحيوي من المواد النباتية أو الحيوانية المتجددة من خلال العمليات الحيوية الطبيعية، وهو أكثر استدامة بكثير وأفضل للبيئة.
وفي الوقت الحالي، يعتقد أرجيننت أن تصنيع مضادات الميكروبات للماشية هو الخيار الأفضل. يقول أرجيننت: "إن السؤال الرئيسي هو ما إذا كنا نستطيع أن نجعل العملية كياناً مدرّاً للأرباح عندما نصنع الوقود. ولكن مع انخفاض أسعار الوقود فإن الأمر غير ممكن. ولكن أسعار الوقود قد ترتفع في المستقبل، وسنكون عندئذ مستعدين من خلال إنتاج مضادات الميكروبات ".
ومع ذلك، وقبل أن يتمكن من فعل أي شيء من هذا، فإن أرجيننت يقول إنه وفريقه بحاجة إلى معرفة كيفية إجراء التفاعلات الكيميائية المطلوبة على نطاق أوسع. وفي الوقت الحالي، فليس بإمكانهم إنتاج ما يكفي من المركبات في وقت واحد لجعل العملية برمتها جديرة بالاهتمام.
ولكن إذا كان الأمر يضر بالبيئة، فهل يجب علينا تناول كمية أقل من اللبنة أيضاً؟ يرى أرجيننت أن الجواب هو لا. يقول أرجيننت: "اللبنة هي طعام غني جداً بالبروتين ومغذّ جداً للإنسان، ويمكن أن يحد من إنتاج اللحوم". وسيكون من الحكمة استعادة كل المواد في مخلفات مصل اللبن واستخدامها، بدلاً من تحويلها إلى مواد بروتينية أخرى لها آثار بيئية أكبر.
لذلك، استمتع بتناول اللبنة، خاصة إذا كنت تأكلها بدلاً من غيرها من الأطعمة الغنية بالبروتين مثل اللحوم الحمراء، والتي لها تأثير بيئي أكبر بكثير. ولا تشعر بالغيرة إذا أصبحت اللبنة يوماً ما صديقة للبيئة كما هي صديقة لمعدتك.
اقرأ أيضا: هل وجد العلماء طريقة لا تضر بالبيئة لصناعة الجينز الأزرق؟