تمكّن شعاعُ ليزر مندفعاً من قمر اصطناعي صيني عبر المجال الفضائي تحت المداري، من إرسال أزواج من الفوتونات المتشابكة إلى اثنين من المواقع المنفصلة على الأرض. على الرغم من وجود حوالي 1,200 كيلومتر تفصل بين عنصري كل زوج من الأزواج، بقيت جسيمات الضوء مرتبطة بشكل غامض. هذه التجربة، التي نُشرت نتائجها في 18 يونيو في مجلة ساينس Science، حطمت الرقم القياسي السابق لأطول مسافة تتحقق على امتدادها ظاهرة تسمى "التشابك". قد تبدو أهمية الخبر مقتصرة على مجالات معينة للوهلة الأولى، ولكنها في الواقع قد تمهد الطريق أمام تحقيق إنجازات جديدة، وعلى وجه التحديد تطوير شبكات اتصالات عالمية على درجة فائقة من الأمان، مع آليات تشفير كمومية غير قابلة للاختراق قادرة على حماية كل رسالة من أعين المتطفلين.
التشابك هو ظاهرة كمومية غريبة تسمى "التأثير الشبحي عن بعد". تخيل اثنتين من قطع النقود تجمع بينهما رابطة غامضة: في كل مرة تقلبهما، تظهر إحداهما الوجه "صورة"، وتظهر الأخرى الوجه "كتابة". هذا يعني أنه حتى إذا أخذ صديقٌ لك إحدى قطعتي النقد إلى غرفة أخرى، يمكنك أن تعرف ما إذا كانت قطعته النقدية تُظهر الوجه "كتابة" أو الوجه "صورة" من خلال فقط نقف قطعتك النقدية ومشاهدة النتيجة.
عندما تُحدث تشابكاً بين جسيمين، فأنت تحولهما إلى زوج مكافئ لقطعتي النقود السحريتين هاتين، مع استبدال سمات الجسيمات بوجهي الصورة والكتابة، مثل اتجاه اللف، أو حالة القطبية. نجح الباحثون بتشكيل أزواج متشابكة من الإلكترونات، الفوتونات، وغيرها من الجسيمات. حتى انهم نجحوا بنقل عنصر من إحدى الأزواج المتشابكة لبضعة كيلومترات عن شريكه الآخر قبل أن يتفحّصوا حالة كل منهما.
بالإضافة إلى إثبات تنبؤات ميكانيكا الكم، قد يقدم التشابك تطبيقات عملية للتشفير. إن أردت إرسال رسالة مشفّرة بين شخصين، يتعين عليك أن تعطي كليهما مفتاحاً سرياً يسمح لهما بفك تشفير الرسالة.
وفي الوقت نفسه، يتعين عليك حماية ذلك المفتاح من أي طرف ثالث فضولي يحاول التجسس على المحادثات الجارية. يمكن لمفتاح كمومي معقد، تتم مشاركته عبر جسيمات متشابكة، أن يحقق نظام التشفير المطلوب. إذا حاول شخصٌ متجسسٌ ما سرقة المعلومات اللازمة لكسر آلية التشفير، ستؤدي محاولة التجسس هذه إلى إحداث خلل في التشابك الحاصل، ليتم تنبيه طرفي المحادثة الأصليين بأن اتصالهما قد تم اختراقه.
تكمن المشكلة في أن التشابك يمثل حالة من التوازن الدقيق، وإرسال جسيمات مترابطة على مسافات شاسعة – على وجه التحديد عندما ترسلها عبر الألياف الضوئية أو الهواء – يمكنه أن يُحدث خللاً في ارتباطها. لذلك قرر فريق صيني معرفة ما إذا كان بإمكان أشعة الليزر عبر الفضاء أن يحقق المطلوب. في العام الماضي، أطلق الفريق قمراً اصطناعياً باسم "ميسيوس" ليحمل على متنه عدداً من التجارب الكمومية إلى الفضاء.
على متن القمر الاصطناعي، قام جهاز - يعتمد في عمله على الليزر – بتشكيل أزواج متشابكة من الفوتونات ليُكسبها حالات متعاكسة من الاستقطاب. ثم قامت تلسكوبات ضوئية على الأرض بالتقاط الفوتونات من خلال توجيهها بشكل مركز نحو ميسيوس، حيث تقوم طوال الوقت بغربلة التشويش الجوي والتلوث الضوئي. تم تقسيم الأزواج بين موقعين في الصين: ديلينغها وليجيانغ، اللتان تفصل بينهما مسافة تقارب 1,200 كيلومتراً.
على الرغم من أنه تعيّن على الجسيمات السفر مسافة تراوحت بين 1,593 و2,398 كيلومتراً لكي تصل وجهتيها على الترتيب، بقيت متشابكة عند وصولها إلى المحطات الأرضية. حيث كانت الإشارة أقوى بأضعاف من مرتبة التريليون (10 مرفوعة للقوة 12) مما لو سافرت الفوتونات من ديلينغها إلى ليجيانغ عبر ليف ضوئي.
للمزيد حول التشفير الكمومي انظر التشفير الكمومي قد يقضي على أعمال القرصنة إلى الأبد.