تم إطلاق أولى الصور لسطح الجهة البعيدة من القمر بعد نجاح إدارة الفضاء الوطنية الصينية في الهبوط هناك. ويتبع المسبار السطحي تشانج إي 4 والعربة الجوالة يوتو 2 خطى المسبار تشانج إي 3 والعربة الجوالة يوتو الذين هبطا على الوجه الظاهر من القمر في 2013.
ولكنك إذا أمعنت النظر في الصور، فقد تعتقد أن الوجه البعيد من القمر أحمر اللون. حيث يبدو على هذه الهيئة في الصور عير المعالجة، وهو يختلف كلياً عن الصور الأخرى للقمر التي يبدو فيها رمادي اللون. ما السبب إذاً؟
غالباً ما تلتقط كاميرات المركبات الفضائية الألوان بطريقة مختلفة عن العين البشرية. وعلى سبيل المثال، فإن مكونات الألوان، أي الأحمر والأخضر والأزرق، عادة ما يتم تسجيلها بشكل منفصل. وهو ما حدث في هذه الصور، ولم تخضع الصور إلى أي تصحيح لوني يأخذ الحساسيات المختلفة لكل من مجموعات الحساسات اللونية في الكاميرا بعين الاعتبار.
تعتبر الصورة الأولى في الأسفل مثالاً جيداً عن هذه الصور "الخام"، وقد أرفقتها بتوزع إحصائي للقنوات الحمراء والخضراء والزرقاء لإظهار توزع السطوع في كل منها. في النسخة الخام، يبدو السطح القمري أحمر اللون لأن الحساسات كانت أكثر حساسية للأحمر من الأزرق والأخضر. ولهذا، وعلى الرغم من أن السطح يسطع بالألوان الثلاثة بنفس القدر تقريباً فعلياً، فقد كانت الحساسات الخضراء والزرقاء أقل حساسية للضوء من الحساسات الحمراء. ولهذا لا تمتد التوزعات الإحصائية للأخضر والأزرق إلى النهاية الساطعة من مجالها.
لا يتطلب الأمر أكثر من إجراء تعديل بسيط على الصورة حتى تبدو أقرب إلى الواقع. ففي الصورة التالية، قمت ببساطة بتمديد القناتين الخضراء والزرقاء لجعل النهايات الساطعة من كل توزع إحصائي أكثر تقارباً.
كان من الممكن أن أجعل التعديل أكثر حدة وأضيف المزيد من اللون الأزرق. وفي الواقع، فقد شهد تويتر جدلاً حاداً حول أفضل طريقة لمعالجة الصور. وبدون شك، طُرحت الكثير من الأساليب التي تحمل من الدقة الفنية أكثر مما تحمله طريقتي، غير أن المشاركين أجمعوا على أن اللون غير المعدل يبدو مضللاً.
معايرة الألوان
إذاً، كيف يمكن أن نتأكد من اللون الفعلي للقمر؟ عندما التقط رواد الفضاء في بعثة أبولو مجموعة من الصور الفوتوغرافية الملونة (وذلك باستخدام أفلام التصوير، لا التصوير الرقمي المستخدم حالياً)، قاموا بوضع هدف لمعايرة الألوان في حقل الصورة، وهو يحتوي على مجموعة من المساحات الملونة بألوان المعروفة، ما سهل من عملية موازنة الألوان بشكل صحيح أثناء تظهير الصور وطباعتها. وعندما عثر جاك شميت في بعثة أبولو 17 على بعض "التربة البرتقالية" على سطح القمر رمادي اللون، تم تأكيد لونها البرتقالي الحقيقي عن طريق مقارنتها مع ألوان شريط المعايرة اللونية.
من المؤسف أن إدارة الفضاء الوطنية الصينية لم تفكر بإضافة شريط معايرة لونية إلى الأجزاء الظاهرة في الصور أعلاه من هيكل المسبار السطحي تشانج إي 4. وقد اشتهر المسبار السطحي البريطاني بيجل 2، والذي هبط بنجاح على سطح المريخ ولكنه فشل في الاتصال بالأرض، بأنه كان يحمل هدف معايرة لونية على شكل عمل للفنان داميان هيرست. كما حملت العربة الجوالة المريخية كيوريوسيتي أهداف معايرة لونية أيضاً.
على كل حال، فإن صور المسبار تشانج إي 4 والعربة الجوالة يوتو 2 مخصصة بشكل أساسي للأهداف الملاحية، حيث لا فائدة تذكر للألوان.
يمكن استخلاص بعض المعلومات العلمية عن طريق قياس مدى انعكاس الألوان المختلفة للضوء عن الصخور والمعادن على سطح جسم فضائي، ولهذا تحمل العربة الجوالة يوتو 2 "مطيافاً للضوء المرئي وقرب تحت الأحمر" تم تصميمه لهذا الغرض بالضبط، وذلك لدراسة تركيب السطح.
من المعروف أن السطح القمري عموماً يحمل لوناً رمادياً داكناً بمسحة حمراء خفيفة، وهي أخف مما نراه على عطارد، وأخف بكثير من المريخ، الذي يحمل لوناً أحمر فعلياً ناتجاً عن تأكسد مركبات الحديد، أي الصدأ.
الإحساس بالألوان
تعتبر معرفة كيفية انعكاس الألوان المختلفة للضوء عن سطح القمر ناحية واحدة فقط مما هو ضروري لتقديم صورة صحيحة للمشهد القمري. ولا بد أنك تتذكر الخداع البصري الشهر للفستان الملون والذي اكتسح الإنترنت في 2015. وهو عبارة عن صورة لفستان اعتقد البعض أنه أسود وأزرق، على حين أن البعض الآخر رآه أبيض وذهبياً. ويبين هذا الخداع البصري أن الإحساس باللون يختلف من شخص لآخر، كما يعتمد أيضاً على السياق. أي أن رؤيتك للألوان في هذه المقالة، على سبيل المثال، ستعتمد أيضاً على خصائص الجهاز الذي تقرأها عليه.
غير أن القياسات تثبت أن تباين الألوان على القمر محدود، وأن رواد الفضاء الذين ذهبوا إلى هناك سيقولون أن القمر يحمل بشكل عام لوناً رمادياً كئيباً، وهو ما يفسر جزئياً حماستهم لاكتشاف تربة برتقالية. وعندما يسير أول رائد فضاء صيني على القمر – أغلب الظن في العشرينيات – فإنه سيرى نفس المنظر على الأرجح.