قمتُ مؤخراً بإجراء مقابلة مع كاثرين برايس، مؤلفة كتاب "الهوس بالفيتامينات: كيف أحدثت المكملات الغذائية ثورة في طريقة تفكيرنا في الغذاء".
وقد جاءتها فكرة تأليف الكتاب عندما سألها زوجها: "ما هو الفيتامين؟"، ولكن برايس لم تجد جواباً. وحتى نوفر عليكم التشويق، فإن الفيتامينات هي مركبات عضوية نحصل عليها من خلال الطعام، وبدونها نموت. يوجد 13 فيتاميناً بشرياً: أ، سي، دي، إي، ك، وسبعة فيتامينات من مجموعة فيتامينات ب: ثيامين (ب1)، ريبوفلافين (ب2)، نياسين (ب3)، بانتوثينيك أسيد (ب5)، بيروكسيدين (ب6)، بيوتين (ب7)، فولات (ب9)، كوبالامين (ب12). ولكن إذا كان هذا كل ما سيهتم به الكتاب، فسيكون كتاباً قصيراً. ولكن برايس تحاول في كتابها أن تبحث كيف شكّل اكتشاف الفيتامينات نظامنا الغذائي، ومنظورنا للصحة.
ومع أن الكتاب نشر عام 2015، فإنه لا يبدو أنه كان في حينها أكثر أهمية من اليوم. ويبدو أن الجميع مقتنع بأن الفيتامينات ومكملاتها يمكن أن تخفف من الأمراض التي نعاني منها. وتعتبر المكملات اليوم صناعة تدر أرباحاً بمليارات الدولارت يرى الكثير أنها ستستمر في النمو. ولكن صحتنا لا تتحسن في العموم. فقد انخفض متوسط العمر المتوقع العام الماضي لأول مرة منذ عام 1993. كيف أصبحنا مجتمعاً مهووساً بالفيتامينات ومكملاتها، ولماذا لا يمنعنا هذا الهوس من الإصابة بالأمراض؟
ولدى برايس بعض الأفكار والتحذيرات عليك أن تضعها في الحسبان في المرة القادمة عندما تتجول في المتاجر ضمن قسم المكملات.
وقد قمنا بالتصرف في الأسئلة والأجوبة التالية مع مؤلفة الكتاب للاختصار والتوضيح.
تملك الفيتامينات هالة صحية تشعرك بأنها دقيقة رياضياً. ما الذي نعرفه حقاً عن جرعات الفيتامينات؟
إن أهم شيء نعرفه هو حجم الجرعة التي لا تقتلنا. وأعتقد أن بعض الباحثين سيجادلون بأنها أكثر دقة من ذلك، ولكن من منطور المستهلك، هذا هو حقاً ما نعرفه باختصار.
إلى أي حد تتوافق الجرعات اليومية الموصى بها مع هذا الكلام؟
الجرعات اليومية الموصى بها تشبه محاولة الحكومة لصنع سترة تناسب 97 من أصل 100 مواطن. إذا حاولت أن تفعل هذا فستصل إلى سترة واسعة جداً تناسب 97 شخصاً من كل 100 شخص. ولكن هذا لا يعني أنها القياس الصحيح المناسب للجميع. حيث يوجد 96 شخصاً من هؤلاء المائة يستطيعون ارتداء سترة أصغر حجماً.
وتستند الجرعات الحالية الموصى بها في معظمها إلى الجرعات العليا التي تعود إلى عام 1968. ولم تقم إدارة الغذاء والدواء بتحديث هذه التوصيات التي تستند إليها القيم اليومية. ويفترض أن تكون قد حُدثت، ولكن ربما يتأخر ذلك حتى عام 2020 على أقل تقدير.
وعلى مدى العامين المقبلين، عندما تنظر إلى النسبة المئوية للقيم اليومية للفيتامينات والمعادن على الوجه الخلفي لمادة غذائية أو مكمل غذائي، فإن هذه القيم مبنية على توصيات قديمة جداً، وعليك ألا تتعامل معها على أنها دقيقة مائة في المائة.
كيف غيرت القدرة على صناعة الفيتامينات النظام الغذائي الأميركي؟
لولا وجود الفيتامينات الاصطناعية، لما كنا قادرين على الأكل بهذه الطريقة التي نتبعها اليوم بدون التعرض لنقص رهيب في الفيتامينات. عندما قمنا بتركيب الفيتامينات لأول مرة في العشرينات والثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي، أدى هذا إلى تغيير حقيقي في المنتجات التي كنا قادرين على إنتاجها. لقد كانت بداية الانطلاق الفعلية لصناعة الأغذية المعالجة، مع القدرة على إعادة المكونات الغذائية التي أدت عملية المعالجة الغذائية إلى استبعادها.
وتعتبر حبوب الإفطار من أكثر الأمثلة التي تكشف هذه الحقيقة، لأنك في الأساس تتناول فيتامينات متعددة. حيث تحتوي هذه الحبوب على فيتامينات مدمجة مع العجينة، أو يرش بعضها عليها، وذلك اعتماداً على نوع الفيتامين. والأمر في الحقيقة يشبه غباراً تنثره على وجبتك الصباحية من شرائح الذرة فقيرة القيمة الغذائية، ثم يسمون هذا بداية صحية ليومك.
ولكن هل هذا أمر سيئ بالضرورة؟
عندما يكون لديك نبات منزلي وأنت تعلم أنه بحاجة إلى الماء ليحافظ على بقائه، فقد تسكب عليه جالوناً من الماء معتقداً أن النبات سيأخذ حاجته من الماء ولن يتضرر بالماء الزائد الذي سكبته عليه. ولكن جذور النبات يمكن أن تفسد، وقد يؤدي الماء الزائد إلى نمو الفطور، وقد تحدث أضرار أخرى.
يقول الناس إن الأميركيين يملكون أغلى بول في العالم، لأنهم يأخذون كل هذه الفيتامينات، ثم يقومون بإخراجها عن طريق البول. ولكن قبل سنتين، قتلت امرأة نفسها بعد شرب كمية كبيرة من الماء. إذا كنت قادراً على قتل نفسك بشرب الماء، فإن هذا إنذار بأن مجرد احتياجك لشيء ما بكمية معينة لا يعني أنك تستطيع أن تأخذ منه إلى ما لا نهاية، أو أنه سيكون مفيداً لك. فقد نتسبب لأنفسنا بالأمراض التي تستغرق وقتاً طويلاً حتى تتطور، ولكنها تكون نتيجة لإشباع أنفسنا بالفيتامينات طوال الوقت.
أعتقد أن حلقة ردود الفعل الفقيرة هي أيضاً صحيحة بالنسبة لمكملات الحمية الغذائية التي لا تعتمد على الفيتامينات، لأن الناس يأخذون كل أنواع الطعام غير المفيد.
هناك أكثر من 85 ألف مكمل غذائي في السوق الأميركية. وربما لا يسبب لك أحدها أية آثار سيئة على الفور، ولكن قد يكون من عادتك أن تتناول مكملاً غذائياً بشكل يومي، ومع مرور الزمن ستتطور بعض التأثيرات السلبية. وبعد 15 سنة سيكون لديك مشكلة صحية وأنت لا تعلم أنها ناجمة عن المنتج الذي كنت تتناوله.
يعتقد الكثير من الناس أن القوانين يمكن أن تحميهم. هل هذا صحيح؟
المكملات الغذائية ينظمها القانون، ولكن ليس بالطريقة التي نعتقدها أنا وأنت كمستهلكين. فهي تخضع لقانون المكملات الغذائية والثقافة الصحية الذي ساهمت الشركات الصناعية في تمريره. وقد منع القانون إدارة الغذاء والدواء من اشتراط أن يثبت مصنعو المكملات أن منتجاتهم آمنة أو فعالة قبل بيعها. وإذا فكرت في الأمر ستجده بلا قيمة تذكر. وعليك أن تحصل على ضمان بأن ما يباع في الأسواق على أنه منتج صحي لن يسبب لك أي ضرر، وأنه يملك فعلاً الخصائص المصرح عنها.
ومن الواضح أن بعض المنتجات التي يتم الإعلان عنها على أنها مكملات، هي في الحقيقة مواد يظنها المستهلك العادي غذاء، مثل بعض أنواع الشاي التي تباع كمكملات. والسبب هو أن القيود التي تحكم المكملات أقل من تلك التي تحكم المواد الغذائية.
إذا اشتريت رغيفاً من الخبز ثم تبين لك بعد تغليفه أنه رزمة من البيض، فربما تشكو من هذا الخطأ. ولكن هذا يحدث كثيراً مع المكملات الغذائية. يذهب الزبون ليشتري مكملاً من الفيتامينات المتعددة ثم يجد في عبوة المكمل قطعة من الباستا إسطوانية الشكل التي لا يخطر في باله أن يجدها فيها. ولكن في كثير من الأحيان، تتسلل أشياء خطيرة جداً إلى المكملات الغذائية، كالوصفات الطبية غير القانونية.
هل هناك أي طريقة لنعرف ما الذي نتناوله؟
من الصعب جداً، إن لم يكن مستحيلاً من وجهة نظر المستهلك معرفة مكونات هذه المنتجات على وجه اليقين. إذا كنت تريد شراءها، ابحث عن علامات تجارية خاضعة للفحص، والتزم بالعلامات التجارية الكبرى. ابتعد تماماً عن مكملات تحسين القدرة الجنسية، وبناء الأجسام وفقدان الوزن. هذه الفئات الثلاث هي أكثر ما يتم غشه بمواد خطرة بالفعل.
حتى فيما يتعلق بالفيتامينات، هناك حالات يضعون فيها فائضاً منها زائداً عن الكمية المصرح عنها على اللصاقة. وهم يريدون من ذلك أن يتأكدوا من أنه يحتوي على الجرعة المذكورة مهما كان وقت شرائك للمنتج. ولكنهم يواجهون مشكلة عندما ينتج عن ذلك وجود كمية كبيرة من فيتامين أ، والتي يمكن أن تكون سامة.
وأفضل ما يمكن أن أنصح به هو زيارة أحد المواقع الكثيرة التي تقوم بفحص المنتجات فعلاً. وأفضلها برأيي، هو ConsumerLab.com، الذي يتطلب الاشتراك. ستحصل على تحليل جيد للمنتج، كما أن فيه منتجات جاهزة للبيع تم فحصها، بدون أن تدفع الشركة المصنعة مقابل ذلك.
ولكنها فكرة تبدو عقيمة أن يتوجب عليك أن ترسل شخصاً ما إلى موقع يطلب اشتراكاً، لتحصل على جواب حقيقي عن المنتج الذي أنفقت فيه خمسين دولاراً فقط، إذا كان يطابق المواصفات التي صرحت الشركة المنتجة عنها أم لا.
بالنظر إلى أنك مصابة بالنوع الأول من الداء السكري، هل سبق أن اجتذبتك المكملات؟
لم أسلك هذا الطريق إطلاقاً، ولكن كان لدي تجربة ،من خلال عملي في هذا الكتاب، مع متجر للمكملات، وسألتهم: "أنا مصابة بالسكري، فماذا يمكنك أن تعطيني؟"
ولا يفترض أن يعطوك مشورة، لأنها ستكون مشورة طبية. ولكنّ لديهم دائماً خياراً واسعاً من تلك الأعشاب المتنوعة والخلطات المفبركة التي يفترض أنها ستكون مفيدة لسكر الدم، وهو أمر خطير. لأن المكمل الغذائي إذا أدى إلى انخفاض سكر الدم، أو تداخل مع أحد الأدوية التي تتناولها، فقد يؤدي بك إلى الوفاة.
بعض هذه الأشياء ربما يكون لها تأثير على نسبة السكر في الدم، لذلك فمن المخيف أن نفكر في أنه لا يوجد دليل علمي على ما يمكن أن تفعله الجرعة. ليس هناك ضمان للتركيز في المنتج الذي تشتريه. ليس هناك تحذير حول كيفية التفاعل مع أي شيء.
لقد عشت في الخارج لفترة من الوقت، ومن الأشياء التي لاحظتها أن الناس في الخارج غير مولعين بالفيتامينات. ما السبب في رأيك؟
هناك شيء لا نعترف به كمستهلكين، وهو كيف أحدثت هذه المواد الكيميائية الـ 13، والطريقة التي تم تسويقها بها في أوائل القرن العشرين ثورة كاملة في الطريقة التي نفكر بها في الغذاء اليوم.
فالفيتامينات ذات تأثير مدهش، لأننا في حاجة إليها لمنع الأمراض، ولكن تم استغلالها من مسوقي الغذاء والشركات المصنعة للمكملات الغذائية. فقد قاموا بإدخالها إلى طيف واسع من المنتجات، ليس في حبات الدواء وحدها، ولكن في الأغذية أيضاً. أعتقد أنك بدأت ترى ذلك في الستينات والسبعينات مع الاتجاه نحو الغذاء الطبيعي. وعندما تصل إلى يومنا الحالي، سترى ذلك كما هو في كل نوع من أنواع الأغذية الرائجة. هذه هي الطريقة التي نفكر بها في الغذاء.
كان مايكل بولان (مؤلف كتاب معضلة الكائن القارت "آكل النبات والحيوان") أول شخص يعلن ذلك بطريقة بليغة، ولكن الاختزال الذي نستخدمه عندما نفكر في الطعام أمر جدير بالملاحظة. فنحن لا نفكر "هل هذا الخبز لذيذ لعمل الشاندويتش؟" ، ولكننا نفكر كم يحتوي من المكسرات والبذور. وهل تحتوي بذور الكتان تلك على الأوميجا 3، فالأوميجا 3 يفترض أنها صحية، لأن إعلاناتها موجودة في كل وسائل الإعلام.
نحن نقوم بتفكيك الغذاء إلى مكوناته، ثم نفكر بالتأثيرات التي يفترض أن تسببها هذه المكونات على الصحة. نحن نحاول أن نحول الوجبات إلى هذه المسائل الرياضية الغذائية، التي تتركنا عرضة لمنتجات كالفيتامينات الموجودة في موقع جوب، أو لأفكار مثل فيلم حرب المعلومات الذي يزعم أن الفيتامينات قادرة على تحسين صحتنا؟
وهناك أمر آخر أثار اهتمامي، وهو المصادر الفعلية التي تأتي منها هذه الفيتامينات. فمعروف أن فيتامين دي يأتي غالباً من اللانولين، أو شحم صوف أغنام أوستراليا ونيوزيلندا التي تشحن إلى الصين، وهناك تتعرض للأشعة فوق البنفسجية، في محاكاة للعملية التي يقوم بها جلدنا لإنتاج الفيتامين دي.
لم يكن يرغب مصنعو الفيتامينات الرئيسيون في الحديث عن أماكن إنتاجهم، ولكن بعيداً عن منتجي بيتا كاروتين في تكساس، لا يوجد أي مصنع ينتج الفيتامينات في الولايات المتحدة. عندما تقول "مصنّع للفيتامين" يفكر الناس في حبات الدواء، وبشكل واضح، يوجد آلاف الأماكن تنتج الفيتامينات في الولايات المتحدة، ومئات الآلاف حول العالم. ولكن أنا أتحدث عن المواد الخام لهذه الحبات، وهذه تأتي من أماكن أخرى في العالم، خاصة من الصين.
بالعودة إلى ما كنا نتحدث عنه، وقبل أن يصبح من المستحيل على الأميركيين أن يأكلوا بالطريقة التي يأكلون بها اليوم دون مساعدة من الفيتامينات الاصطناعية، فإنه من المثير للاهتمام كأسلوب في التفكير أن تسأل نفسك، إذا أراد شخص ما أن يشن علينا حرباً بطريقة ذكية، فبإمكانه أن يقطع عنا إمداد الفيتامينات الاصطناعية، أو يقوم بغشها بطريقة ما. وربما يحتاج الأمر لبعض الوقت حتى يعرف الناس تلك الأمراض الناتجة عن ذلك، لأننا لا نراها كثيراً.
ما الذي تتمنين أن يعرفه الناس عن الفيتامينات؟
السؤال الأول الذي يطرحه عليّ الناس غالباً هو: "هل عليّ أن أتناول الفيتامينات المتعددة؟"
وليس لدي أي فكرة إذا كان عليك أن تأخذ الفيتامينات المتعددة، فأنا لا أعرف ما هو نظامك الغذائي، ولا أعرف ما هو الظرف الطبي الذي تمر به.
يريد منك الناس أن تقول نعم أو لا، كأن تجيبهم هل هذه الفيتامينات مضيعة للوقت، أم أنها ستضيف سنوات إضافية إلى عمرك. وفي الوقع، فإن هناك حالات ربما يجب على الناس فيها أن يأخذوا الفيتامينات المتعددة، وهناك حالات يتناول فيها المرء الكثير من الحبوب، وبالتالي فهو يتناول الفيتامينات المتعددة كل يوم، ولا يحتاج إلى الفيتامينات المتعددة، ولكنه قد يستفيد من تناول بعض الأغذية المعالجة. نحن نريد جواباً صريحاً بنعم أو لا، وفي الحقيقة لا يوجد مثل هذا الجواب. علينا أن نتعلم كيف نتعامل مع الفروق الدقيقة.
ولا يجب عليك أن تفكر في غذائك من ناحية الأرقام، أو النسبة المئوية للفيتامينات والمعادن التي يحتويها، لأن هذه المعلومات في حد ذاتها خاطئة. عندما تدرك كمستهلك أنه حتى المعلومات المدونة على عبوة المكملات الغذائية غير موثوق بها، فعليك أن تعيد التفكير في موقفك من تناولها، والتعامل معها بطريقة أكثر شمولية. فقط اسأل، هل هذا الطعام يحتوي بشكل طبيعي على الكثير من الفيتامينات والمعادن؟ هذه على الارجح وسيلة جيدة للحصول على الفيتامينات والمعادن. لن يكون لدي هاجس حول عدد معين من الملليجرامات التي يحتويها. أنا فقط أريد أن أتناول البرتقال، أو الفلفل الأحمر.
وأعتقد أن النتيجة النهائية هي مجرد إشارة إلى أن التغذية ليست مسألة حسابية. على الأقل هي ليست مسألة حسابية نستطيع حلها فيما يخص هذه النقطة بالذات.