إذا قمت بإعطاء جهاز الكومبيوتر ما يكفي من الصور وخوارزمية مناسبة، فإنه يمكن أن يتعلم إدراكها. وإذا كانت هذه الصور تظهر عيوناً مريضة، فيمكن للكمبيوتر أن يتعلم تشخيص أمراض العيون بشكل أفضل من البشر حتى.
ويعاني الأشخاص المصابون بمرض السكري في كثير من الأحيان من حالة تسمى اعتلال الشبكية السكري، حيث تتضرر الأوعية الدموية الصغيرة في الجزء الخلفي من العين (الشبكية) وتبدأ بالارتشاح. ويعاني حوالي واحد من كل ثلاثة مرضى بالسكري من هذا النوع من الإصابات، ويمكن أن يسبب العمى الدائم إذا ترك دون علاج. ولكن يمكن علاجه تماماً مع الكشف المبكر.
وتكمن المشكلة في أن العديد من الناس لا يستطيعون الوصول إلى طبيب العيون الذين يمكنه تشخيص الحالة. ويُذكر يأن هناك 387 مليون مريض بالسكري حول العالم وهم يحتاجون إلى مراجعة المتخصصين من أجل السيطرة على المرض في وقت مبكر، كما أن أساليب الوقاية الحالية لا تعمل بشكل جيد بما فيه الكفاية، حيث يعتبر اعتلال الشبكية السكري هو السبب الرئيسي لضعف البصر والعمى عند السكان الذين هم في سن العمل.
لذلك ابتكرت جوجل وسيلة لاستخدام التعلم الآلي العميق لتعليم الشبكة العصبية كيفية الكشف عن اعتلال الشبكية السكري عن طريق صور عيون المرضى. ونشرت أعمالها في مجلة الجمعية الطبية الأمريكية في نوفمبر 2016.
وتشبه الشبكة العصبية الدماغ الاصطناعي، وإن كانت بشكل أبسط. فمن خلال عرض مجموعة ضخمة من صور المرضى المصابين وغير المصابين بتلف الشبكية، يمكن للمهندسين تدريب الشبكة على التمييز بين العيون المريضة وغير المريضة. وبعد التدريب، اختبر فريق جوجل الشبكة العصبية لمعرفة فيما إذا كانت الخوارزمية قادرة على الكشف عن اعتلال الشبكية السكري بالإضافة إلى أطباء العيون الذين شاهدوا نفس الصور.
وكان أداء خوارزمية جوجل أفضل بقليل من أطباء العيون البشر، مما يوحي بأن الشبكة العصبية قد تساعد في فحص المرضى في المستقبل، أو على الأقل تساعد الأطباء في عملية التشخيص.
ويستخدم الأطباء بالفعل نوعاً مماثلاً من التكنولوجيا للمساعدة في تشخيص بعض الأمراض مثل أمراض القلب وبعض أنواع السرطان. ولا تعدّ التكنولوجيا الحالية متقدمة بمثل تقدم خوارزمية التعلم العميق الجديدة في جوجل، لكنها تقوم على نفس المبدأ. إذ يتعرف الأطباء على بعض المشاكل مثل انسداد الشرايين أثناء أمراض القلب والنمو غير الطبيعي خلال السرطان من خلال النظر إلى صور الجسم، سواءً صور الأشعة السينية أو الأشعة المقطعية. ويمتلك الاختصاصي في هذا النوع من الصور – اختصاصي الأشعة - سنوات من الخبرة في دراسة الصور وتحديد المناطق ذات المشاكل.
ولكن الرؤية البشرية ليست بتلك الجودة، والناس معرضون للأخطاء. وإذا كان الكومبيوتر يمكن أن يفعل الشيء نفسه، فإنه من المحتمل أن يتمكن من تجاوز قدرة الإنسان على العثور على نمو سرطاني أو شرايين مسدودة. والحل المنطقي هو تعليم الكومبيوتر كيف تبدو الصورة الشاذة ومقارنتها مع الصورة العادية. قد يبدو ذلك بسيطاً، إذ أن فهم الصورة يعدّ أمراً سهلة بما فيه الكفاية للناس.
امرأة على الشاطئ
والمشكلة هي أن فهم الصور بالنسبة لأجهزة الكومبيوتر هو أكثر صعوبة مما هو عليه بالنسبة لدماغ الإنسان. فإذا قمت بعرض الصورة أعلاه على جهاز كمبيوتر، فإن ما سيراه حقاً هو مجموعة من النقاط مع بعض الألوان المخصصة لها. أما أنت، فيمكنك أن ترى شاطئاً وامرأة. ويمكنك أن تميز نظاراتها الشمسية وقبعتها، وأن تدرك بأنها جالسة وهي ترتدي قميصاً أبيض وبنطال جينز، وتضع خاتماً في يدها. لا يدرك الكومبيوتر أياً من ذلك، إلا إذا كان لديه رؤية حاسوبية.
فالرؤية الحاسوبية هي طريقة لتعليم أجهزة الكومبيوتر كيفية "الرؤية"، للنظر في إحدى الصور ومعرفة أن هناك شخصاً يستلقي على الشاطئ وهو يرتدي سروال السباحة الأرجواني. وإن الطريقة التي تساعد بها أجهزة الكومبيوتر حالياً في تشخيص المرضى هي شكل أساسي من الرؤية الحاسوبية، ولكن يمكنها أن تساعد في هذه العملية فقط، وليست جيدة بما يكفي لتحل محل العيون البشرية.
ويمكن لجوجل أن تغير من ذلك. فهي بالفعل قوية في مجال الرؤية الحاسوبية، ويرجع ذلك جزئياً لأن لديها كمية هائلة من البيانات. ويمكنك أن ترى بنفسك مدى نجاحها في ذلك، إذ أن جوجل تستخدم تقنيتها في الرؤية الحاسوبية لتنظيم صورك الشخصية. فإذا ذهبت إلى صور جوجل في الوقت الحالي (على افتراض أن لديك حساب جوجل)، فيمكنك مشاهدة جميع الصور التي قام النظام بفهرستها والبحث حسب المصطلح. حاول البحث عن "صور للثلج" أو حتى "صور الكلاب"، فستظهر صور الثلج والكلاب، وليس ذلك لأن أحد الأشخاص قام بوضع نص مع تلك الصور، ولكن لأن خوارزمية جوجل للرؤية الحاسوبية قد ميّزت الثلوج والكلاب في تلك الصور.
ويعدّ اعتلال الشبكية السكري أحد التطبيقات التشخيصية الأولى التي أسستها جوجل بواسطة فريق الرؤية الحاسوبية للتعلم العميق. وتعمل فرق أخرى بالفعل على مشاريع مماثلة. حيث يوجد لدى جامعة كورنيل مجموعة للرؤية وتحليل الصور والتي تعمل على استخدام الرؤية الحاسوبية لتشخيص أمراض الرئة ومشاكل القلب وصحة العظام. كما تعمل مجموعة فنلندية على كيفية تشخيص الملاريا من خلال صور الدم، وقد أمضت شركة آي بي إم سنوات في تطوير خوارزمية للكشف عن سرطان الجلد.
يوماً ما، ستتمكن الرؤية الحاسوبية والتعلم العميق من تغيير طريقة تشخيص الأطباء للمرضى. ولكن لم توافق إدارة الأغذية والأدوية الأميركية في الوقت الراهن على استخدام هذا النوع من التكنولوجيا في الطب. وإذا أصبح هذا الأمر شائعاً في المستقبل، فيجب عليها معرفة كيفية تنظيم الشبكات العصبية بأمان. وفي هذه الأثناء، يمكنك استخدام قدرات الرؤية الحاسوبية من جوجل للعثور على صور مناظر الطبيعية المفضلة لديك.